شوف تشوف

الرأي

ولو كان في المغرب

قد لا يصدق المغربي أن مواطنا من دول جنوب الصحراء يقطع آلاف الكيلومترات مشيا على الأقدام وصولا إلى المغرب للعيش في مدينة سلا والدراسة في إحدى ثانوياتها. لكن هذا ما حدث بالضبط للشاب «موري كومارا»، حيث قدم مشيا على الأقدام من قرية صغيرة في غينيا إلى ليصل إلى مدينة الرباط ويقطع القنطرة في اتجاه سلا.
السؤال هو لماذا لم يتوقف موري في أول مدينة تلوح له شأنه شأن الكثيرين من أبناء بلده والبلدان المجاورة الذين يختارون مدن الجنوب المغربي للعمل كباعة متجولين، ومنهم من اختار العمل في الضيعات الفلاحية مقابل تعويضات مخجلة شأنهم شأن المنكوبين المغاربة البسطاء.
لن تطول دهشتكم إذا علمتم أن «موري» جاء إلى هنا من أجل الدراسة وليس من أجل شيء آخر. يريد أن يدرس الحقوق لأنه يريد أن يعمل في السلك الدبلوماسي لبلده. أحلام الفقراء تبدو بعيدة لكن لا بد لها أن تتحقق.
«موري» قصة تستحق أن تُكتب، ليس فقط لأنه قطع المسافة بين قريته والرباط مشيا على الأقدام، لكن لأنه يعلم على الأقل ماذا يريد أن يفعل بشأن مستقبله، عكس ملايين المغاربة الذين لا ينامون إلا بعد مشاهدة المسلسل، وولدوا في الرباط ونواحيها وفي الدار البيضاء، وأطول مسافة قطعوها مشيا على الأقدام هي المسافة الفاصلة بين غرف نومهم، حيث «الدباديب» والدمى، ودورة المياه.
عندما جاء موري إلى المغرب لأول مرة، لم يكن يحمل معه غير شهادته الدراسية التي ستخول له مواصلة الدراسة في ثانوية تأهيلية بمدينة سلا، حيث يواصل الدراسة اليوم ويجد في التلاميذ وبعض الأساتذة والقائمين على الثانوية سندا كبيرا. في البداية كان أمام معضلة حقيقية في السكن، وهذا أمر عادي في المغرب ما دام الحاملون للجنسية لا يجدون أماكن للمبيت، ونرى يوميا كيف أن أسرا تقضي أياما وليالي في العراء في انتظار أن تتحرك عاطفة المحسنين لإيوائهم.
تدبر بعض الأساتذة والتلاميذ أمر اكتراء غرفة لموري وتوفير مستلزمات الحياة الضرورية له إلى أن يستقر في المغرب. لكن هؤلاء الذين ساعدوه لم يخفوا رغبتهم في الضحك كلما قال موري إن المغرب أجمل بلد في العالم.
إلى جانب حلم دراسة الحقوق في الجامعة المغربية، ومواصلة المسيرة للتخصص في السلك الدبلوماسي والعلوم السياسية، يحمل موري حلما آخر هو دراسة الشريعة، ورغم أنه لا يتحدث بطلاقة، إلا أنه يتقن اللغة العربية الفصيحة أفضل من المغاربة ويحفظ القرآن الكريم، ويقتصر دوره في الحفلات المدرسية على افتتاح الحفلات بتلاوة ما تيسر بصوت رخيم ليفسح المجال لأصدقائه في الثانوية لإحياء الحفلات المدرسية بأغاني «الراب».
موري سيقبل صيف هذه السنة على امتحان الباكلوريا، وسيرى كيف أن أوراق الامتحانات تتسرب على صفحات الفايسبوك، وستكون كارثة إن رفع هذا الشاب العصامي الخجول يديه إلى السماء في غرفته الصغيرة بمدينة سلا ليدعو الله لكي يخلص التعليم من «بلمختار» أو يخلص «بلمختار» من التعليم. سيكون مؤسفا أن يرى «موري» العنف المدرسي ورداءة التعليم المغربي وإحباط التلاميذ المغاربة وعدم ثقتهم في المستقبل، وسيكون من الصعب أن يحافظ على رباطة جأشه التي كانت وحدها محركا ليواصل السير على الأقدام من غينيا إلى الرباط مرورا بالصحاري والفيافي والفراغ.
أحيانا يجب أن تقطع المسافة بين مسقط رأسك ومطلع حلمك مشيا على الأقدام، حتى تقدر النعم المحيطة بك، وأيضا حتى لا تنسى أن وسط كل هذا الهراء واللاجدوى التي تحيط بنا، هناك أمل دائما في أن يصبح التلميذ المغربي حاملا لمشروع على الأقل، بدل أن يحصل على الباكلوريا بمعجزة، ويبحث عن معجزة أخرى توصله إلى أي وظيفة تعود عليه بأجرة في آخر الشهر.
لا شك أن «موري» سيصبح دبلوماسيا، فأحلام الذين يقطعون حدود الدول مشيا على الأقدام، لا يمكن لها إلا أن تتحقق.
لا تبحثوا كثيرا عن موري، توجهوا فقط إلى حي التقدم في الرباط، وستجدونه، يتجول بين الشوارع باستمرار، لأنه لا يستطيع البقاء في نقطة واحدة. وسترون كيف أن شابا خجولا، استطاع أن يمشي بحلمه بـ«صندالة» بلاستيكية، أصر على طلب العلم، حتى لو كان في المغرب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى