شوف تشوف

يتيم في العيد

أكثر الناس معرفة بمحمد يتيم الذي حصل على حقيبة الشغل، في بلاد لا يوجد فيها شغل، هو عبد الإله بنكيران، فقد نعت حضوره عندما شاهده جالسا في «عيد» انتخابات ممثلي حزب «البيجيدي» في مجلس النواب بالمشبوه، فلم يجد يتيم من جواب يرد به على هذه التهمة الشنيعة سوى أن حسبها على خفة دم بنكيران وقفشاته.
والحال أن بنكيران كان جادا في ما قاله، خصوصا أن الزلزال الذي يعيشه الحزب لا يسمح له بإلقاء القفشات، لكن يتيم فضل أن «يكمدها» بهذه الطريقة بانتظار تحين الفرصة لرد الصاع لبنكيران.
وبحصوله على حقيبة وزير للتشغيل يكون محمد يتيم قد أضاف إلى صفاته الكثيرة صفة جديدة، فهو «داعية» و«مجدد» للفكر الإسلامي ذو الجذور الإخوانية في الثمانينات والتسعينات، وسياسي وبرلماني ونقابي في بداية الألفية، وأخيرا وزير في 2017.
ومن يسمع يتيم مؤخرا يصف منتقدي سعد الدين العثماني بـ«الخوارج» سيعرف تماما ماذا يعني هذا «التطور» من مكاسب بالنسبة له، إذ من مجرد متفيقه يعقد جلسات الذكر في منزله للتلاميذ، يحفظهم القرآن ويشرح لهم «الأربعين النووية»، إلى «مفكر إسلامي» يجتهد لمقارعة الراحل عابد الجابري في أطروحاته، إلى سياسي ونقابي وبرلماني ينعم بسيارات البرلمان وسفرياته التي لا تنتهي، لذلك لم يعد قانعا بدور «المفكر الفقير» الذي يسهر الليالي ليقرأ لابن سينا، حتى أنه لم يعد يجيب عن اتصالات الجابري وطلباته في الندوات، لأن وظيفة الفكر لم تعد تليق بمقامه، وهو الذي جرب العيش في أضواء العاصمة وهتافات الأتباع الحالمين بالخلافة على منهج الخلافة العثمانية، وكله أمل أن ينهي هذا المشوار «الناجح» بالحصول على حقيبة وزارية تمكنه من التجول في أحياء العامرية وبوغشوش والقصبة بمدينة بني ملال بسيارة الوزارة، بعد عقود كان يتجول في أزقتها بـ«نعالة الصبع» والدراعية، متأبطا كتب سيد قطب والمودودي التي كان يحفظها عن ظهر قلب.
هكذا تحقق ليتيم بعض مما كان يحلم به طوال عقود وأصبح وزيرا، لكن الجديد، والذي سيجعل مهمته في الحكومة ذات طابع خاص جدا، هو أنه أصبح وزيرا على قطاع يعرفه جيدا بحكم دربالة النقابي التي ارتداها طوال العشرين سنة الماضية، لذلك فهو أمام اختيارين لا ثالث لهما، إما أن يكون مجرد وزير يلقي خطابا بمناسبة فاتح ماي، ويختفي في انتظار عيد العمال الموالي، أو يباشر تصفية ملفات الفساد التي تملأ رفوف مكتبه.
ومن غرائب الصدف هنا أن «يتيم الوزير» هو الوحيد بين 39 وزيرا الذي سيجد فيه نفسه مضطرا أن يجيب عن مجموعة مذكرات أرسلها له طوال سنوات «يتيم النقابي»، منها مذكرات تتعلق بالحوار الاجتماعي وأخرى تتعلق بملفات ذات طابع اجتماعي أيضا وعلى رأسها التعاضديات، وليس مضطرا لعقد اجتماع للتعارف مع النقابيين أو في حاجة لما يعرف بمائة يوم ليتعرف على الملفات، ففي كل ملف سيجده في رفوف مكتبه إلا وسيجد اسمه مدونا عليه، لذلك سيتوجب عليه أن يجيب عن سؤال سبق له كنقابي أن طرحه في مجلس المستشارين على الوزير السابق الصديقي، ويتعلق بنشر نتائج الافتحاص الذي أجراه مفتشو وزارتي التشغيل والمالية لتعاضديات متعددة، منها تعاضدية التربية الوطنية، حينها رفض الصديقي طلب يتيم وإخوانه واعتبره «سرا من الأسرار المهنية». الآن سننتظر لنرى إن كان يتيم، الذي غضب سابقا لرفض طلبه، سيستجيب لطلبه هو نفسه ويخرج ملفات الفساد الكثيرة التي تزكم الأنوف في هذه التعاضدية، والتي قلنا مرارا إنها لطالما كانت مزرعة خاصة لنقابي آخر هو الميلودي موخاريق، سيما أن الأمر يتعلق هنا بملفات فساد ضخمة تتعلق بما يفوق 100 مليار تم تبديدها، بين فساد وسوء تدبير والكثير من الغموض.
والجديد الذي يتوجب على هذا النقابي سابقا والوزير حاليا معالجته، بحكم وصاية وزارته على قطاع التعاضديات، يتعلق بحقوق ثلث موظفي الدولة، أي حوالي 300 ألف من العاملين بقطاع التعليم والذين لم يتوصلوا، منذ سبعة أشهر، بحقوقهم في التعويضات المالية عن التطبيب والأدوية التي أرسلوا ملفاتها، ومنهم مرضى بالسرطان والقلب حالتهم حرجة جدا، وتتوقف حياتهم على هذه التعويضات لمواصلة العلاج. فعندما نشرنا مرارا ملفات الفساد التي تعرفها تعاضدية رجال التعليم، ظل يتيم ونقابته يناورون ويوظفون ما نكتبه لابتزاز موخاريق للحصول على العضوية في المجلس الإداري للتعاضدية، لكن الآن لم يعد ليتيم مجال آخر للمناورة، لأنه مجبر قانونيا وأخلاقيا على التحرك، دفاعا عن زملائه السابقين في قطاع التعليم والذين تضيع أموالهم سدى بين دواليب هذه التعاضدية، علما أن القانون يعتبر أموال هذه التعاضديات أموالا عمومية.
ومن غرائب الصدف، أيضا، أن يتيم وجد نفسه أمام هدية ثمينة، إن هو أراد القيام بما يمليه عليه واجبه القانوني والأخلاقي، وهذه الهدية هي تفجر فضيحة حقيقية هي الأولى من نوعها في تاريخ تعاضدية التعليم، حيث سينشر رئيسها ميلود معصيد رسالة موجهة للعموم يتهم فيها علانية المستخدمين بالفساد، وهي السابقة التي لا تزكي فقط مصداقية ما كنا نحن هنا نقوله بل تضع محمد يتيم الوزير أمام اختبار محمد يتيم النقابي.
فالجديد، إذن، هو دخول مستخدمي تعاضدية موظفي التعليم في صراع مع رئيسها ميلود معصيد، في الوقت الذي تحول عدد من كبار مسؤولي هذه التعاضدية إلى ضيوف دائمين لدى الفرقة الوطنية للشرطة القضائية للبحث في عدد من ملفات الفساد المرتبطة باختلالات مالية خطيرة، مايزال يتابع فيها الرئيس السابق غيور، حيث لأول مرة طالب ميلود معصيد في رسالة نشرت علانية بفتح تحقيق قضائي في مواجهة من وصفهم بالمستخدمين الفاسدين الذين يعملون على عرقلة تسوية الملفات المرضية للمنخرطين، متوعدا بتطهير التعاضدية.
حين طرحنا في هذا العمود، وفي أكثر من مناسبة، قضية التأخر المفرط للتعاضدية العامة للتربية الوطنية في تسوية ملفات المرض الخاصة بالمنخرطين والمنخرطات، كنا نعلم يقينا أن الأمر يشير إلى وجود اختلال على مستوى ما من تدبير هذا القطاع.
ولأننا لم نقتنع بما ساقه بلاغ التعاضدية الصادر يوم 08 فبراير 2017 في هذا الشأن، يطلع رئيس التعاضدية برسالة موقعة من طرفه يصارح فيها عموم المنخرطين بجزء من الحقيقة، فإننا نغتنم هذه الفرصة لإتمام ما لم تفصح عنه رسالته، لكي نقول إن التصحيح ينبغي أن يتعامل مع الحقائق كما هي دون زيادة أو نقصان للقضاء على التسيب الذي بدأ في فترة الرئيس السابق وكشفت عنه تقارير كثيرة تثبت بالملموس وجود تلاعبات مالية خطيرة، من قبيل تحويل مستحقات بعض المنخرطين إلى آخرين دون استحقاق.
وهنا لا بد أن نذكر بسرعة بأوجه الفساد التي منها التوظيفات داخل التعاضدية لأقارب أعضاء المكتب التنفيذي، وأعضاء المجلس الإداري وأعضاء لجنة المراقبة، دون الحديث عن التوظيفات القائمة على الزبونية والمحسوبية وتبادل المصالح.
هذه الفئة المنعم عليها بالترقيات السريعة وسلالم مهمة للأجور لا تعرف معنى المردودية أو الالتزام لأنها محصنة بمواقع الآباء والأمهات في التعاضدية. والحديث عن الترقيات يحيلنا على حال الاحتقان والإحباط لدى فئة أخرى داخل التعاضدية، والتي لا تجد إلا جهدها والتزامها بالعمل. مصدر الغبن والقهر الذي تعيشه هذه الفئة هو الترقيات التي لا ترتبط بمعايير واضحة تستمد قانونيتها من نظام أساسي تنتظم تحته جميع فئات المستخدمين، أو تقوم على تقييم موضوعي للمردودية، بل إن أمر التفاوض على النظام الأساسي ومعالجة طلبات الترقية استولت عليه مجموعة نصبت نفسها ممثلا للمستخدمين بمباركة قيادة الاتحاد المغربي للشغل، علما أن عددا مهما من هذه المجموعة لا تنتمي أصلا إلى التعاضدية بل ملحقة من طرف «الكنوبس».
على يتيم الوزير أن يجيبنا عن نوعية الإجراء الذي سيتخذه بخصوص صفقة الأدوية المعممة على عيادات الأسنان نهاية 2015، ما هي المهمة التي يقوم بها الطبيب الذي كان مسؤولا عن هذه الصفقة؟ لماذا تم الاستغناء عن مدير التعاضدية الذي تم التعاقد معه سنة 2016؟ وما علاقة ذلك بالموقع الذي لا يتغير لأحد نواب المدير، والذي كان في عهد الرئيس السابق شبه مدير للتعاضدية؟
ما معنى اكتشاف ملفات للمرض غير مسواة بطريقة سليمة من طرف «الكنوبس» وغياب افتحاص الملفات من طرف القسم المركزي المختص بملفات المرض؟ لماذا لا يتم إعلان الإحصاء الشهري لعدد الملفات المعالجة بالممثليات والمركزية باعتبار ذلك حقا للمنخرط في الوصول إلى المعلومة التي تهم تعاضديته؟
هذا تصوير موجز للفساد الذي تعرفه هذه التعاضدية، والذي قلنا إنه اختبار حقيقي ليتيم، لأن الأمر لم يعد يتعلق بصراع بين تعاضدية من جهة والمنخرطين من جهة ثانية، بل بين مكونات داخل هذه التعاضدية ذاتها، حيث الريع الإداري في مواجهة الريع النقابي، والضحية هنا أولا وأخيرا هم 300 ألف موظف، وبعضهم نملك نسخا عن ملفاتهم المرضية، يعتبر أي تأخر في عدم منحهم مستحقاتهم المالية جريمة كاملة الأركان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى