شوف تشوف

الرئيسية

يوم منع الحسن الثاني من التدخين أمام الكاميرا

استأذن المخرج العالمي مصطفى العقاد مستشارا كبيرا، إن كان مسموحا بالتدخين في مكتبه، فرد عليه بأنه يحترم الحرية الشخصية للأفراد، وأنه بدوره جرب التدخين في مرحلة من عمره خلسة، ثم أقلع عن العادة، بمبرر أن ما يمارسه المرء في الخفاء أفضل أن يبعد عنه في العلن.
لكن علب السجائر انتقلت إلى طاولات الاستقبالات، إذ تقدم بأنواعها المختلفة، كما الحلويات والشوكولاته والمكسرات. ثم أضاف إليها زبناء السيجار الكوبي أنواعه الفاخرة التي تحلو بعد أكلات دسمة. وكان المبدع المغربي الطيب الصديقي يعلق بأن ألذ ما في تدخين السيجار الهافاني أنه يأتي هدية من الآخرين.
قال المستشار، على حد ما نقل عنه، إن المشكل ليس في تدخين الغليون أو غيره، بل في صورة المخرج الذي كان بصدد إنجاز شريط سينمائي عالمي عن الإسلام. وماذا عساه يقول إذا رآه علماء دين أقل انفتاحا، وهو يدخن. أرجأ المخرج العقاد ارتشاف غليونه اللصيق دوما بشفتيه إلى حين انتهاء جلسة عمل خصصت لإبداء ملاحظات شكلية عن سيناريو الشريط الذي كان أثار جدلا في أوساط دينية. وقدم الحكاية لبعض مساعديه، منبها إياهم إلى التزام قدر من التحفظ وعدم الإدلاء بتصريحات، ومع ذلك فلم يحرم نفسه من تلازم صورته والغليون بين شفتيه. وظل يسأل إن كان يوجد في الموروث الثقافي والاجتماعي ما يفيد أن العرب قبل اعتناق الإسلام وبعده في عصوره الأولى اكتشفوا هواية التدخين، أم لا. وراح يبحث في معلقات الشعراء وسيرهم الذاتية عما يوحي بهكذا اكتشاف، وإن كان ذلك من باب تجريب أعشاب الطبيعة التي تنبعث منها الروائح بعد الحريق. رائده في ذلك أن حاسة الشم تسبق التذوق.
قبل أن يتقدم نائب برلماني بمقترح قانون يحظر التدخين في الأماكن العامة، دعا عبد العزيز المسيوي إلى اجتماع في مكتبه، ضمن استشارة قانونية، ولاحظ أن اثنين من بين الحاضرين الثلاثة كانوا يدخنون، وهم يناقشون حيثيات الاقتراح قبل إحالته على لجنة التشريع، تعجب لموقفهما الذي قال إنه يعكس تناقض الفكر والسلوك، إلا أن أحدهما رد بالقول إن لا أثر رجعيا للقانون في حال إجازته. ولم يفوت صهر مسؤول حزبي في مكتب التبغ الفرصة آنذاك لحضه معارفه على التدخل من أجل شطب ذلك الاقتراح أو إرجائه إلى وقت لاحق. قال في معرض مبرراته إنه لا يدخن ويمنع على نفسه حرمان زبنائه من المدخنين من «متعة» تجرع السم القاتل بالتقسيط.
ولأن للأماكن حرمتها، فقد حول صحفي عربي يده إلى منفضة سجائر حارقة. في أسباب النزول أنه لم يقدر على حرمان نفسه من ارتشاف سيجارة داخل القصر الملكي في الدار البيضاء، أثناء انتظار بدء مؤتمر صحفي على هامش إحدى القمم العربية. فأشعل سيجارة وأخذ منها نفسا عميقا، ودخل في نقاش سياسي مع زملاء المهنة. وإذا بحركة غير عادية تنبعث من ردهات المكان، فقد كان الملك الراحل الحسن الثاني يمر من هناك، ولم يجد الصحفي صافي السعيد المعروف بمشاكسته، بدا من خنق سيجارته بين كف يده، من دون اكتراث بأن يحرق جلده.
روى الزعيم التاريخي لحزب «التقدم والاشتراكية» علي يعتة أنه دعي مرة إلى اجتماع رسمي في القصر الملكي، كان محوره إعداد الأجواء لمشروع خطة التناوب التي لم تكن معالمها النهائية تبلورت بعد. قال إنه سأل الملك الراحل الحسن الثاني عن صحته، كما في تقاليد ما بعد الإصابة بوعكة ما، فجاءه الجواب بأن الحقيقة ما ترى، وأسر له أنه يضطر أحيانا إلى التدخين «خلسة» لأن الأطباء حذروه من مخاطر التدخين.
وتأكدت من رواية سمعت عنها حول ولع الملك الراحل بالتدخين، خصوصا إبان وقائع المؤتمرات الصحفية، فقد سجل الإعلامي المتميز محمد بن ددوش في رحلته «مع الميكرفون»، أن عالما سعوديا تمنى على الحسن الثاني وقف التدخين أثناء تسجيل مقابلة صحفية خاصة. وكانت تلك المرة الأولى التي أذعن فيها الحسن الثاني لطلب محاوره أمام كاميرا التسجيل.
في الحكاية أن مؤتمر قمة الطائف الإسلامية أقر خطة لتقديم صورة الإسلام والمسلمين في الغرب، بما يزيح أصناف الالتباس الذي يشوه الإسلام. وألح رجل دين وأعمال كان بصدد إعداد شريط سينمائي في الموضوع، على أن يستضيف العاهل الراحل لشرح مزايا الانفتاح والاعتدال ووسطية الإسلام.
سارت وقائع المقابلة التي كان يصورها طاقم فني كبير وفق طبيعتها، إلا أن الحسن الثاني اضطر إلى التوقف عن الكلام لبضع ثوان أشعل خلالها سيجارته. وقبل أن يواصل الحديث أمر السعودي عبد الله المحسن مخرج ومنتج الشريط بتعليق التصوير، لأنه لا يستطيع نقل مشهد الملك وهو بصدد التدخين إلى الجمهور، بخاصة علماء الدين الذين يتحفظون على الآفة. في بقية الموضوع أن الحسن الثاني وصف الأمر من باب الحرية الشخصية، لكنه تقبل الفكرة، وواصل المقابلة من دون تدخين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى