الرأي

2015.. الفرجة كانت مضمونة

يشكر لهذه الحكومة أنها دأبت، طوال أربع سنوات، على تعيين وزراء في قطاعي التعليم العالي والمدرسي «ظرفاء». فقد دأب كل وزراء هذين القطاعين على سرقة الأضواء من كل زملائهم في الحكومة. وبدل أن يناقش الرأي العام قضايا التعليم أصبح كل من هؤلاء قضية في حد ذاتها. بدءا من وزير «المدير وصاحبتو»، والذي بصم القطاع بـ«لمسات» تعكس الحضيض الذي وصلنا إليه في التعليم وكذا في السياسة، من قبيل العبارة السوقية الشهيرة التي نطق بها في البرلمان، في حق أحد نواب الأمة. مرورا بـ«وزير الشكلاط» و«الجدة العاشقة»، واللذين غادرا الحكومة في ماي الماضي، بعدما لم يستطيعا معا أن يبعدا حياتهما الخاصة عن أمور العمل العام. وصولا لوزير «الفرنسوية» والذي أبى سعادته هو أيضا إلا أن يضع لمسته في المسرحية الكبرى التي دشنتها هذه الحكومة منذ تعيينها. كان آخرها، لهوه بالهاتف الشخصي في الوقت الذي كانت برلمانية تناقشه عن مرسوم فصل التكوين عن التوظيف. لكن يبقى النجم بدون منازع، هو لحسن الداودي، الوزير الإسلامي ذو الجنسية الفرنسية، وأستاذ كلية الحقوق الذي يحتقر تخصصه، والخبير في الاقتصاد الإسلامي الذي سخر وزارته لخدمة الجامعات الدولية التابعة للرأسمالية العالمية. وفي المجموع، نجد سبعة وزراء في أربع سنوات ضمنوا للرأي العام فرجة ممتعة. فرجة من نوع الملهاة التي ينتهي مشاهدوها بلطم خدودهم حسرة على ما آل إليه تدبير قطاع التعليم في ظل هذه الحكومة.
لذلك، فإن كانت من حصيلة لهذه السنة تحديدا، على مستوى السياسة التعليمية للحكومة، فهو تغريد وزرائها خارج السرب، فالداودي، الذي يفضل كثيرون في وزارته تسميته بـ«سنفور غضبان»، بسبب مزاجه العكر على الدوام، وميله المفرط للصراخ والسخرية من محاوريه، خرج خرجات عجيبة هذه السنة التي نودعها، فسمعناه مرارا يسخر من التخصصات الجامعية في كليات الآداب والحقوق، بشكل أعادنا للجدل الذي كنا نخوضه في زمن المراهقة المبكرة، عن الأدبيين والعلميين. بل وسمعناه يصف الأدبيين بالخطيرين و«العالة على المجتمع»، وكأن بحث الدكتوراه الذي أعده «سعادته» عن الاقتصاد الإسلامي هو في مصاف نظرية النسبية التي حيرت العالم لأزيد من قرن. وسمعناه، وهو الحامل للجنسية الفرنسية بسبب زواجه من بلاد «الإفرنجة»، يهدد بمنع اللغة الفرنسية وفرض الإنجليزية. وهو متأكد تماما أن هذا يدخل فقط في مجال «الهضرة»، سيما أن الداودي له «ميزة» الخروج عن النص عندما يكون تحت وابل التصفيقات. أما بلمختار، الذي جيء به مرغما لقطاع غادره منذ 15 سنة، فالرجل ما زال يشتغل بـ«برمجية» تعود للتسعينات، فبدل أن يقنع البرلمانيين بمشروعه، سمعناه مرارا يختبئ وراء التعيين الملكي، وكأنه بهذا سيتم إعفاؤه من المساءلة. لذلك، وبدل أن يبدأ أولا بتنظيف مقر وزارته، أي تنظيف المكاتب الموجودة على مرمى العين من مكتبه، من الأشباح والفئران المستفيدة من الريع الحزبي والعائلي والعرقي، ها هو يلقي الوزارة بالكامل لستة من أعضاء ديوانه يستبيحون القطاع جملة وتفصيلا، فقط لأن سعادته ينتظر 2016 ليخرج من الباب الخلفي.
هكذا لم تكن 2015 سنة القرارات الشجاعة، لكشف حقيقة فشل البرنامج الاستعجالي، ولم تكن سنة تنظيف وزارة التربية الوطنية من «فئران سد مأرب» التي أفسدت ولاتزال تفسد في حق القطاع. كما لم تكن أيضا سنة القرارات الكبرى لإصلاح الجامعة العمومية، وإنما كانت سنة للفرجة، أبطالها وزراء يستحقون الشفقة لا غير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى