الرئيسيةخاص

60 عائلة تباع عمارتها في المزاد العلني بالمحكمة التجارية بالرباط

سلا: كريم أمزيان
يعيش سكان تعاونية «الأمل الأكبر»، الواقعة في تابريكت بحي الرحمة بمدينة سلا، حالة ترقب، مصحوبة بخوف شديد، للمرة الثالثة على التوالي، التي يصبحون فيها «سلعة» تعرض للبيع. ففي كل مرة يضعون أيديهم على قلوبهم، خوفاً من أن تتم عملية «البيع»، وينتهي المزاد، بحضور متزايدين كثر، يغريهم العرض الذي يتم تقديمه، على الرغم من ارتفاع ثمنه الافتتاحي.
فكل من يلج المحكمة التجارية في مدينة الرباط هذه الأيام، ستلمح عيناه إعلاناً معلقاً، في جدرانها، مكتوبا عليه «إعلان عن بيع بالمزاد العلني»، وكل من اطلع على تفاصليه، سيعلم في ما بعد أن رئيس كتابة الضبط بالمحكمة التجارية في الرباط، يعلن أنه سيقع بيع قضائي بالمزاد العلني يوم الثلاثاء المقبل في تمام الواحدة بعد الزوال بقاعة البيوعات داخل المحكمة، لرسم عقاري عدد 16157/20، مسجل بالمحافظة العقارية لسلا المدينة، مسمى «الأمل الأكبر»، للتعاونية السكنية التي تحمل الاسم نفس، تبلغ مساحته 13 آرا و45 سنتيارا، مكون من أرض بها عمارة من أربعة طوابق، لفائدة إحدى الشركات. الثمن الافتتاحي للبيع جرى تحديده في 9.600.000.00 درهم، فيما عروض المتزايدين بدأت توضع أمام مصلحة كتابة الضبط بالمحكمة، ابتداء من نشر هذا الإعلان، وشرعوا في ولوج قسم التنفيذات القضائية بالمحكمة التجارية للاطلاع على دفتر التحملات الذي اكتشفت «الأخبار» تفاصيله.
لم يكن ابن الرشيدية يتصور أن وضعه المالي، ووضع شركته التي أشرفت على بناء وتهييء عقارات عدة، في العديد من المدن المغربية، منها مدينة الرباط، حيث أشرف على تهييء بنايات مؤسسات عدة تابعة للدولة، سيصبح اليوم مهددا بعد أن اضطر إلى ولوج ردهات المحاكم، ليعرض عقاراً به سكان للبيع، بعد الخلاف الذي وقع له مع ممثليهم في التعاونية التي انتقت شركته من أجل أن تبني مجمعها السكني في سلا.

صفقة بطعم المرارة
في 2011 فاز المقاول بصفقة تعاونية «الأمل الأكبر» التي أسسها موظفون، من أجل بناء مجموعة سكنية. وتم ذلك لما كانت مقاولته تعد من أكبر المقاولات المغربية، بالنظر إلى اليد العاملة التي كانت تشتغل فيها وعدد الآليات التي يستخدمها في كل المشاريع التي يعهد إليها بناؤها.
لم ينتظر طويلاً بعد إعلان اسم الشركة التي ستعهد إليها عملية البناء، بل دخل مباشرة في إعداد الإجراءات الإدارية والتقنية المتعلقة بالمسطرة القانونية الروتينية، والتي كثيراً ما كان يمر منها قبل بداية إنجازه أي مشروع، غير أنه لم يكن يظن أنه سيكون المشروع الأخير.
أنهى كل الإجراءات، فأمر مستخدمي مقاولته بنقل كل أجهزة وآليات البناء التي يتوفر عليها، ويمكن أن يحتاجها إلى عين المكان، وبدأت الأشغال من بدايتها، في الوقت الذي كان مكتب التعاونية يتابع عملية البناء عن كثب، ومنخرطوها يرون حلم حصولهم على مسكن يتحقق أخيراً أمام أعينهم.
استمرت الأشغال يوماً بعد يوم، إلى أن توصل بشطر من المبلغ المالي الإجمالي، الذي كان هو قيمة الصفقة، موضوع الاتفاق المكتوب مع التعاونية لإنجاز المشروع، قبل أن يقوم بالحجز على العقار سنة 2003، بعد إنهاء عملية بنائه وتجهيزه.
الحجز الذي أجراه المقاول كان بسبب ما يراه خرقا للاتفاقية ولبنود الصفقة، فبحسب تصريحاته، فقد تمت الاتفاقية في البداية مع التعاونية، على أساس أن يبدأ العمل في المشروع السكني، فيتوصل بشطر من المبلغ الإجمالي الكامل، الذي بلغ حوالي 475 مليون سنتيم، غير أنه لم يكن يتوصل بمستحقاته بشكل جزئي كما كان اتفاقه مع مكتب التعاونية، وبسبب الوعود التي كانت تقدم له، وبعضها عبارة عن التزامات موقعة، كان يتمم عمله، على أساس أن يتسلم مستحقاته المالية كاملة عند إتمامه المشروع، وانتهائه من بنائه وإعداده وتجهيزه، إلى حوالي سنة 2007، حين انتقل من إجرائه حجزاً تحفظياً إلى حجز تنفيذي، ومنذ ذلك الحين والعقار الذي أشرف على بنائه يباع في المزاد العلني.

«اقتحام» منظم
الغريب في عملية البيع أنها غير متعلقة فقط بالعقار المذكور، بل أصبح كذلك عمارة سكنية، بعدما ولجها المنخرطون في التعاونية بالقوة، حسب تأكيد المقاول الذي شدد على أنه رغم عدم أدائهم مستحقاتهم، دخلوا إلى شققهم، واستقروا فيها وكأن شيئاً لم يكن، وهو ما اضطره إلى عرض العمارة في المزاد العلني وإعلانه بيعها.
«الأخبار» انتقلت إلى عين المكان لمعاينة العقار موضوع إعلان البيع في المزاد العلني، فتبين لها من خلال معاينة مباشرة، أن الأمر يتعلق بعمارة بها محلات تجارية ودكاكين ومقاه، فيما طوابقها الأربعة مقسمة إلى 48 شقة، ذات مساحة 110 أمتار مربعة، فيما أربع شقق في الطابق السفلي تبلغ مساحتها 75 مترا مربعا، أما الطابق السفلي فيتكون من 12 محلا تجاريا بمساحة 35 مترا مربعا لكل واحد، كل ذلك مشيد على مساحة حوالي 5600 متر مربع.
هذا وتبين لـ «الأخبار» أن السكان غير مبالين بما يجري لا في المحكمة ولا خارجها. ففي الوقت الذي يعمل المقاول على إعداد كل الترتيبات من أجل عرض العقار للبيع في المزاد العلني، بشكل قانوني بسبب عدم حصوله على مستحقاته، يعيش الكثير من السكان الذين دخلوا شققهم خلال سنتي 2004 و2005، وربطوها بشبكة الماء الصالح للشرب وبالكهرباء، وعملوا على تجهيزها، على الرغم من أن معظمهم وضعوا حوالي 50 ألف درهم فقط في مكتب التعاونية، ولم يعملوا على إكمال ما تبقى طيلة السنوات التي مضت إلى اليوم، ما جعل المقاول يؤكد أنهم «اقتحموا» العقار بشكل منظم.
وبحسب المعلومات التي حصلت عليها «الأخبار»، فإن هذا العقار كان موضوعا للبيع في المزاد العلني منذ سنة 2007، بعدما لم يهتد المقاول إلى إيجاد حل مع التعاونية ومنخرطيها، الذين ليسوا سوى سكان العمارة، من أجل تسوية الوضع ووضع حد للخلاف القائم، إذ بلغ ثمنه الافتتاحي آنذاك، قيمة مليار و700 مليون سنتيم، ولم تكتمل العملية، بعدما لم يتمكن المتزايدون من اقتنائه، بالنظر إلى تخوفهم من المشكل الذي قد يواجهونه مع السكان الذين يسيطرون على العقار، على الرغم من أنه لا حق لهم قانونياً في الهجوم عليه والاستقرار فيه دون وجه حق، على الرغم من أن التعاونية سعت إلى إيجاد حل مع المقاول، إلا أن تعنت بعض السكان كان يحول دون ذلك، فتعود المفاوضات إلى نقطة الصفر.

مساع فاشلة
كل من اطلع على هذا الملف، سيكتشف أنه كانت هناك مساع كثيرة من أطراف عدة من أجل تسويته، حتى إن المقاول الذي فقد كل ممتلكاته بسبب ارتفاع ديونه، وحجز الأبناك عليها، خصوصاً تلك التي تربطها بمقاولته معاملات بنكية، قدم تسهيلات عدة لكل العائلات، وطلب منهم أداء ما بذمتهم، دون الرجوع إلى وساطة التعاونية التي تغير المكتب الذي يسيرها، فطلب منهم أداء المبالغ التي مازالت عالقة لديهم، مقدماً لهم كل التسهيلات، إلا أن بعضهم رفضوا والبعض الآخر تعنتوا، واستمر الحال على ما هو عليه، إلى أن وضع العقار للمرة الثالثة للبيع في المزاد العلني.
ولم يعد في الشقق سكانها الأصليون فقط، بل منهم من باع بيته إلى غيره، بعدما صادف مشاكل إثبات الملكية، فيما منهم من لم يكترثوا للأمر، وعملوا على تجهيز بيوتهم وإصلاحها وإدخال تعديلات على تصاميمها دون أن يخشوا انتزاعها منهم بالقوة، من قبل من سيشتري العقار في المزاد العلني، وسيصبح العقار باسمه، وسيكون بإمكانه إفراغ كل ساكنته بقوة القانون، أو أن يفرض عليهم أن يشتروا منه الشقق التي يقطنون فيها، بالثمن الذي يريده، في حال ما إذا لم يستجيبوا إلى دعوة الإفراغ، إذ سيكون حراً في أن يطلب ما يشاء، دون أن يترك لهم خياراً آخر، على الرغم من أن قيمة المتر مربع كانت تساوي ثلاثة آلاف درهم، لو أنهم أدوا ما بذمتهم في الوقت المحدد لهم، قبل أن يصبح ثمنه الآن في أماكن غير بعيدة عنهم ستة آلاف درهم للشقة الواحدة.
وينتظر المقاول أن يصل التاريخ المحدد للبيع بالمزاد العلني، ليخرج مما يصفه بـ«الورطة» التي استمرت بحسبه لأزيد من 13 سنة، ولم يسبق له أن وقع فيها منذ 1988 تاريخ تأسيسه مقاولته، بعدما ولج منخرطو التعاونية المذكورة، شقق العمارات التي أشرف على بنائها دون وجه حق، مشيراً إلى أن رئيس التعاونية السابق ساعدهم على ذلك، في الوقت الذي فتح آخرون محلات تجارية ومقاهي ضداً على القانون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى