الرأي

أخلاق للإيجار

حسن البصري
هل أصبح منصب رئيس فريق لكرة القدم أكثر جاذبية من منصب عمدة أو رئيس جماعة ترابية؟
وما سر التهافت على قيادة الفرق الرياضية من طرف رجال السياسة؟
ولماذا أضحى كرسي رئيس النادي آلية من آليات إنتاج الوجاهة تحت مسمى «صنع في المغرب»؟
إذا تأملنا المشهد السياسي في نقطة التقاطع مع الرياضي، سنقف على حجم المعارك الضارية التي تدور رحاها حول رئاسة الفرق المغربية، فلا تسلم الجموع العامة ولا تتم المصادقة حتى يراق على جوانبها الدم.
فجأة أصبح فريق اتحاد طنجة لكرة القدم معشوق السياسيين، يدغدغ مشاعرهم تارة ويدير لهم ظهره تارة أخرى، وحين ترجل عبد الحميد أبرشان من صهوة حصان الاتحاد، طاف سياسيو المدينة بمقر النادي طواف الإفاضة لأنه ركن من أركان الترشيح للرئاسة.
ما أن استووا في مكاتبهم حتى همس الراسخون في السياسة في آذانهم وشجعوهم على التعدد، ونصحوهم بالجمع بين الكرة والسياسة تحت سقف واحد، قيل للاستقلالي محمد بولعيش رئيس جماعة كزناية، إن الوجاهة لا تكتمل إلا بحمل صفة رئيس اتحاد طنجة، وعبر عميد الاستقلاليين محمد الحمامي عن رغبته في رئاسة الفريق الأول للمدينة، قبل أن تظهر أعراض الرئاسة على أعزيبو المقرعي المنتمي لحزب الأصالة والمعاصرة، علما أن عبد السلام الأربعين كان سباقا للتعدد السياسي الرياضي في طنجة قبل أن ينتهي به المطاف مهزوما بضربات «الترشيح».
نصح الممسكون بخيوط الكرة هؤلاء المرشحين بدخول مغارة التسيير الكروي من فريق درجة ثانية أو ثالثة على سبيل الاستثناء، وأن يجعلوا من عبورهم تمرينا لاختبار الذات، لكن يبدو أنهم لا يؤمنون بالمثل الصيني «رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة»، فيستعجلون التهافت على المناصب المدرة للوجاهة، حتى ولو تطلب الأمر حمل أكثر من لون سياسي في شهر واحد، والقفز بالزانة بين مقرات الأحزاب ودكاكينها.
يبدو أن سيرة الناصري وبودريقة وجودار والفيلالي والبيضي ورقصاتهم بين حبلي الكرة والسياسة، قد استهوت الطالبين الراغبين في يد اتحاد طنجة، فانكبوا على قراءة سطورها ولسان حالهم يقول «يا ليتنا كنا معكم فنفوز فوزا عظيما». لهذا تستحق هذه السير الذاتية أن تدرس في جامعاتنا لفهم المغزى الحقيقي لحالات التنافي.
أما الراسخون في سوسيولوجيا الأعيان فيصرون على أن الطريقة المثالية لتجنب الخسارة في الانتخابات السياسية والرياضية والنقابية هي عدم المشاركة فيها، لكن النفس الأمارة بالوجاهة تحث الرياضي على الإمساك بخيوط اللعبة السياسية، والسياسي بدخول ملاعب الكرة دخول الفاتحين.
أغلب الرياضيين الذين حملتهم رياح السياسة إلى رئاسة مجالس بلدية منتخبة، ينتمون لبرج الحرباء، لذا لا يجدون إحراجا في ارتداء كل الألوان، أحدهم لا تخلو خطبه من القسم بالشرف، رغم أن كل ما يجمعه بالشرف تجزئة في ملكيته لازالت في طور البناء تحمل هذا الاسم.
تكمن جاذبية الكرة في كون الوداد والرجاء وغيرهما من الفرق المرجعية، أقوى جماهيريا من أي حزب سياسي، لذا طالب البعض بترك أمور الحكم لزعماء الملاعب، لأن ولاء الجماهير للنادي ثابت ولأن الوقائع أكدت أن الغضب لا يجتاحها مهما ارتفعت أسعار تذاكر ولوج مدرجات الملاعب.
يحكى أن رئيس فريق دخل عيادة طبيب نفساني، واشتكى له من سوء الطالع الذي يواجهه كلما انتابته رغبة الترشيح لمنصب رئيس مقاطعة مسقط قلبه، وأن هذا الوضع شكل له «فوبيا انتخابية» عميقة، لم يجد الطبيب حلا لهذه المعضلة واكتفى بوصفة دواء يعجل بسلطان النوم، وحين حل موعد تقديم طلبات الترشيح حصل الطبيب على تزكية ودخل الاقتراع مظفرا، وفي أول خروج إعلامي طالب بافتحاص نفسية ومالية المجلس السابق.
لو وظفنا هذه المواهب في مباريات التنمية لتصدرنا التصنيفات، لأن المباراة الحقيقية والفاصلة هي مباراة «ديربي» ضد أعداء الوطن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى