الرئيسية

أزمة الحوار

مريم كرودي

مقالات ذات صلة

«ربما عدم الاتفاق أقصر مسافة بين فكرين»، مقولة لجبران خليل جبران تسلط الضوء الساطع على حالة الخلاف الفكري التي تضغط على النفس البشرية منذ الأزل، ولا تتردد في فتح أبواب النزاعات والحروب أمامها.. إذ يتعصب كل شخص لرأيه ويمضي متشبثا، متمنعا، شانا حربا ضد الآخر المختلف رأيا عنه..! فالخلاف لا يفسد للود قضية بل يفسد كل قضاياه.. وهذا ما يبكيه واقعنا وما تنوح به المحاكم والبيوت حين تقرر أنانياتنا أن تتصارع ضاربة عرض الحائط بكل الأبعاد الإنسانية والأخلاقية.
هي أزمة الحوار، إذن، وما أدراك ما الحوار، قناتنا الوحيدة للتواصل ومشاركة وجهات النظر والأفكار إن هي أصابها الخلل لا صوت من الأصوات العالية سيسمع ولا فكرة من الأفكار ستستساغ، فقط صراع وتجنّ لا ثمار له.
هي آراء لا غير يحدث أن تتوافق كما يحدث أن تتعاكس مع الحفاظ على الروابط الإنسانية في الحالتين، كما قيل «رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب». فما أجمل أن يمضي المختلفون نحو التوافق لا الخلاف أو على الأقل احترام الاختلاف، هذا الأمر يكاد يصبح حلما في واقع ينأى أفراده عن احترام الرأي الآخر ولا يستطيع التمييز بين خلافات فكرية وأخرى على مستوى العلاقات الإنسانية.. هي ثقافات الأنا ونرجسية الفكر التي تشبع بها المجتمع؛ مستبدون صغار يسكنوننا ويأبون التنازل متى حل النقاش، إذ لا يجد الإنسان حرجا في الحديث بلغة الجزم والقطع، غير آبه بالرأي الآخر، كيف ذلك وهو يقطع كل سبيل يؤدي إلى الحوار…؟!! مما يخلق التوتر في الحديث، وبالتالي تولد مشاكل تصل إلى حد الشخصية منها.
ما يجهله البعض، إن لم أقل الكل، هو أن الاختلاف أمر طبيعي جدا وجزء لا يتجزأ من الطبيعة البشرية، إذ يتحقق على مستويات عدة، بما فيها الرأي. لكن ما يخلق الذعر في نفوسنا ويدفعنا لدق ناقوس الخطر هو عدم القدرة على إدارة هذا الاختلاف. فعجزنا عن القيام بذلك مع شخص آخر من المجتمع نفسه الذي ننتمي إليه، لأمر خطير جدا ولا يدل إلا على تخلفنا وتشبثنا بالقاع. فلا ضرر في التواصل ولا عيب في الإنصات للآخر ولا تنقيص في قبول رأيه.. حيث يقول ستيفان كوفي: «إن أعظم مشكل نواجهه ونحن نتواصل هو أننا لا ننصت لكي نفهم، بل ننصت لكي نجيب»، وهذا ما يثبت أن حوارنا يبنى منذ الوهلة الأولى على الذات، فكل ذات تفصح عن ما بداخلها دون محاولة لفهم الذات الأخرى، الشيء الذي يبعد الحوار عن مراميه إذ يصير التواصل ذاتيا لا فكريا ثم يقاد نحو التعصب.
فمتى تقبلنا اختلافاتنا الفكرية ومتى جعلنا منها بوابة للتواصل والحوار، تقدمنا وتفتحت مداركنا نحو تمثلات جديدة لربما غابت عنا..
فلا ضرر في الحوار والتواصل الصحي لأن الاختلاف، حقا، لا يفسد للود قضية، إذ يقول أحدهم: «بين منطوق لم يقصد ومقصود لم ينطق تضيع الكثير من المحبة»، فلماذا تضيع المحبة بسبب نقاش جارح كان بإمكان الطرفين من خلاله الوصول إلى نقطة التفاهم والتآلف الفكري والإنساني؟! ولماذا ينشأ الصراع من رحم حوار كان ينقش طريقه نحو الإغناء الفكري وتوسع المدارك والإفادة والاستفادة؟
هو إنصات واحترام وتقبل للآخر، ونظرة متفتحة تسمو بالشخص فكريا، روحيا وإنسانيا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى