خاص

أشهر غضبات القصر على الوزراء

كان القصر قديما يدفع بالشارع إلى الاحتجاج ضد خدام المخزن كلما لاحت في الأفق بوادر غضب سلطاني، يخرج الناس للمطالبة برأس وزير دون أن تتدخل الدولة لقمع المتظاهرين، وهكذا تم استعمال الاحتجاجات لضمان رحيل الخصوم السياسيين حتى لا يفكروا أبدا في العودة إلى الحياة السياسية.
لكن الأمور أخذت منحى آخر في الزمن الراهن، إذ تم الاستناد إلى دستور يتيح للملك حق إقالة وزرائه إذا خرجوا عن النص. إلا أن فترة حكم الحسن الثاني صنفت بالأكثر تقريعا للوزراء، إذ يكفي تقرير سري من إدريس البصري لإحالة أكثر من وجه سياسي على التقاعد الإلزامي.
في الأيام الأخيرة، خرج نبيل بن عبد الله بتصريح مثير للجدل في عز الحملة الانتخابية، قال فيه إن «مشكلة التقدم والاشتراكية ليست مع حزب الأصالة والمعاصرة، ولكن مع من يوجد وراءه وهو بالضبط من يجسد التحكم، أي من أسسه». خلف التصريح الذي مس فؤاد عالي الهمة غضب القصر، الذي أصدر بلاغا اعتبر فيه تصريح بن عبد الله بمثابة «محاولة للتضليل السياسي في فترة انتخابية، تقتضي الإحجام عن إطلاق تصريحات لا أساس لها من الصحة». لكن غضبات القصر على السياسيين ليست كلها ظاهرة، ففيها المعلن والخفي، ومنها ما يكتفي بتنبيه وما يصل إلى درجة التوبيخ.
الملف التالي يسلط الضوء على أبرز حالات الغضب من تمرد الرحامنة إلى التمرد على ابن الرحامنة.

غضبة الرحامنة وإقالة وزير الشؤون الضريبية

يقول الباحث السوسيولوجي عبد الرحيم عطري إن علاقة قبائل الرحامنة بالمخزن ميزها المد والجزر، ويكشف في كتابه «الرحامنة بين المخزن والزاوية»، عن كنه علاقة ظلت مبنية على التعارض.
لعب الموقع الجغرافي للرحامنة وقربها من مراكش ومكانتها، كمعبر استراتيجي للحركات المخزنية، دورا كبيرا في تفاعلها مع المخزن في حله وترحاله إلى مدينة مراكش «المخزنية».
كان المخزن يصف الرحامنة بالقبائل السائبة، وكان أهالي هذه المنطقة ينظرون إلى محيط السلاطين بنوع من الحذر، خاصة الوزراء الذين يشغلون مهام تحصيل الجبايات. قامت قبائل الرحامنة حسب الكتابات التاريخية بثلاث تمردات كبرى ضد المخزن ورجالاته، وهي لا تخص فقط المخزن العلوي بل الدولة السعدية، كما ورد في «معلمة المغرب» لمحمد حجي.
في سنة 1891 اندلعت انتفاضة الرحامنة بعد ثلاثين سنة عن سابقتها، بقيادة القائد بن الطاهر، ضد الصدر الأعظم، ولعل السبب في غضبة الرحامنة هو تنصيب المولى عبد العزيز سلطانا للبلاد، وهو دون سن البلوغ، بدل أخيه الأكبر مولاي امحمد، لكن الصدر الأعظم وصف الرفض بالتمرد وعجل بإبادة القبيلة ومتزعم الانتفاضة والإجهاز على ممتلكات الناس.
تاريخيا، كان غضب الرحامنة موجها بالأساس للوزراء القائمين على تحصيل الجبايات، خاصة بعد أن ارتفعت بشكل لا يستطيع الأهالي الاستجابة له، في ظل حالة الجفاف التي ضربت المنطقة والأمراض التي فتكت بالأرواح، ناهيك عن استنفاد الخزينة لأموالها والبحث عن دعم قبلي نظرا لثقل الضرائب المفروضة على المغرب بعد خسارته في معركة إيسلي، وكلما رفض الرحامنة الاستجابة للنظام الضريبي، أو ما يعرف بأداء الكلف، تبدأ الغارات على القبيلة في محاولة لإخضاعها وإنهاء تمردها كي لا يمتد إلى القبائل المجاورة. وهو ما دفع النظام إلى تقسيم الرحامنة إلى قيادات صغيرة استنادا إلى مبدأ «فرق تسد»، كما قام بتوقيف وزير الجبايات كي يهدئ من روع المتمردين، «دون أن يحقق مطلب إعفائهم من الكلفة ولم يغادرهم حتى أدوا كل ما في ذمتهم من ديون لوزارة الجبايات».

الغضب الساطع ضد حكومة بن كيران
قال رئيس الحكومة عبد الإله بن كيران وهو في قمة الحماس، «ليس مطلوبا مني إرضاء الملك»، فتلقفتها تقارير المخبرين وتحولت إلى جملة ممنوعة من الصرف، أثارت غضب الملك محمد السادس. بل إن الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش حمل رسائل مشفرة لرئيس الحكومة حين قال: «إن ما يبعث على الاستغراب، أن البعض يقوم بممارسات تتنافى مع مبادئ وأخلاقيات العمل السياسي ويطلق مفاهيم تسيء للوطن». وكان عبد الإله قد تحدث لشبيبة حزبه في لقاء ببوزنيقة، عن وجود «دولتين في المغرب، دولة رسمية يرأسها الملك محمد السادس، ودولة لا يعرف من أين تأتي قراراتها وتعييناتها». بل إنه قال في حوار صحفي إنه ليس مطالبا شرعا بنيل رضى الملك محمد السادس، بل مطالب فقط بإرضاء والدته، أما الملك فيجمعه معه الاحترام والوفاء. قبل أن يظهر رئيس الحكومة لأول مرة يقبل يد الملك محمد السادس أثناء حفل الولاء.
قبل هذا التاريخ أصدر الديوان الملكي بلاغا يقضي بإعفاء وزيرين، ويتعلق الأمر بكل من الحبيب شوباني، الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، وسمية بنخلدون، الوزيرة المنتدبة لدى وزير التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر، بعد أن انتشرت حكاية العشق الحكومي، كما أسقط الشوكلاط وزيرا آخر وهو عبد العظيم الكروج من مهامه كوزير منتدب لدى وزير التربية الوطنية والتكوين المهني، مكلفا بقطاع التكوين المهني.

رصاصة تنوب عن القصر في إنذار الوزير بن الغازي

كان سلاطين المغرب يبتكرون أساليب عدة لإعادة بعض الوزراء إلى صف المخزن، كلما لاحظوا خروجا عن النص. غالبا ما تتم المقاربة التأديبية وفق منطق «الطهي على النار الهادئة»، وأحيانا بلفت النظر وبالتذكير بالضوابط التي تحكم العلاقة بين الوزير والسلطان، وحين يتماهى الأول في جلباب السلطة، يتحول التنبيه إلى ضرب على القفا أو إطلاق عيارات نارية، كما حصل للوزير محمد بن الغازي الزموري، الذي بايع السلطان المولى عبد الرحمن وأعاد الود إلى علاقته بالقصر الذي قبل مصاهرته، لكن المقربين من السلطان أبلغوه أن الوزير تجاوز الخط المسموح به، وأنه يقول كلاما يسيء للجالس على العرش، فما كان من السلطان إلا أن أعطى تعليماته لتأديب الوزير وإعادة لسانه إلى ثغره.
ويجمع الباحثون في تاريخ مغرب ما قبل الحماية، على غضب المولى عبد الرحمن من ابن الغازي الذي اعتاد «أن يحضر بالغداة والعشي إلى باب السلطان كغيره من كبار الدولة ووجوهها على العادة في ذلك، فلما كان في بعض الليالي وهو راجع إلى منزله رصده أحد العبيد بالطريق فرماه برصاصة فأخطأه، فوصل إلى منزله وقد ارتاب بالسلطان فمن دونه من أهل الدولة وحملته دالته على أن أطلق لسانه وأبرق وأرعد وتألى وأوعد وبلغ ذلك السلطان فأغضى له عنها ثم أفضى به التهور إلى أن انقطع عن الحضور بباب السلطان غضبا على الدولة، وبلغ السلطان أنه يحتال في الفرار فعاجله بالقبض عليه وبعث به إلى جزيرة الصويرة التي هي سجن أهل الجرائم العظام فسجن بها مدة ثم أصبح ذات يوم ميتا». ظل سجن جزيرة الصويرة معتقلا للخارجين عن طوع السلاطين، خاصة الوزراء والولاة والحاشية، لذا وصفه كثير من المؤرخين، بمعتقل البطانة.
ما قام به عبيد المولى عبد الرحمن، أخذ صيغا أخرى، لاسيما في تأنيب الوزراء، فالتعليمات التي وصلت إلى الجندي المكلف بالتصفية، لم تأت رأسا من السلطان بل من كبير الوزراء.

غضبة على الصدر الأعظم تنتهي به في منفى
بعد أن وضعت الحماية يدها على المغرب، عاشت المنطقة الشمالية تحت مظلة استعمارية إسبانية، حيث شغل مولاي المهدي بن إسماعيل بن السلطان محمد الرابع أول منصب الخليفة السلطاني بالشمال بظهير سلطاني أصدره السلطان مولاي يوسف في 14 ماي 1913، وكان السلطان مؤازرا في حكمه على المنطقة بالصدر الأعظم محمد بن عزوز وحاشيته، وجعل من قصر المشور بتطوان قبة «الحكم» السلطاني، إلا أن الكتابات التاريخية أجمعت على أن مولاي المهدي كان منعزلا عن الناس مفوضا أمر الحكم للصدر الأعظم، الذي استبد بأمور الخلافة السلطانية، وباشر جميع شؤون الحكومة. وبعد وفاة الخليفة مولاي المهدي في 24 أكتوبر1923 أصبحت منطقة شمال المغرب بدون خليفة سلطاني لمدة تجاوزت السنتين. نتيجة تأخر تعيين مولاي الحسن كخليفة لوالده من طرف سلطات الحماية، في الوقت الذي راهنت فيه السلطات الاستعمارية الإسبانية على الشريف الريسوني رغبة في تعيينه في هذا المنصب، لكن هذا الأخير رفض شروط الإسبان، فصدر ظهير 8 نونبر 1925 الذي عين بمقتضاه مولاي الحسن خليفة سلطاني على المنطقة، في فترة تاريخية كانت فيها رحى حرب ضروس تدور في جبال الريف إثر ثورة قادها محمد بن عبد الكريم الخطابي. استمر مولاي الحسن في منصبه إلى حين إلغاء الحماية الإسبانية وإعلان استقلال المغرب.
تشكلت الحكومة الخليفية بشمال المغرب بالإضافة إلى الخليفة السلطاني من الصدر الأعظم وعدد من الوزراء وخاصة وزير العدلية ووزير المالية ووزير الأحباس وأمين المستفاد والحاجب وقائد المشور بالإضافة إلى عدد من الكتاب، وكانت الوزارة الأولى تسمى الصدارة العظمى، وهي التي تشرف على تسيير شؤون المنطقة بتنسيق مع طرفين: الخليفة السلطاني والإقامة الإسبانية. تولى هذا المنصب ثلاث وزراء وهم: محمد ابن عزوز وأحمد الركينة وأحمد الغنمية، ولكن الأول هو أشهرهم إلا أنه أعفي من منصبه وسجن في منفاه بمدينة شفشاون لمدة سنة بظهير تقول إحدى فقراته «نأمر الواقف عليه من عمالنا وولاة أمرنا أن يعمل بمقتضاه ولا يحيد عن كريم مذهبه ولا يتعداه، وأن لا يقبل له من الآن قولا ولا يقتفى له فعلا». مباشرة بعد عزل ابن عزوز أسند المنصب لأحمد الركينة الذي عمل حاجبا للسلطان، لكن الصدر الجديد لم يجلس طويلا على مرسيه إذ توفي قبل أن يتم العام، فتم فك أسر ابن عزوز وتولى من جديد منصب الصدر الأعظم. وشملت الإعفاءات السريعة من الوزارة في هذه المنطقة العديد من الوزراء، كمحمد بن المكي بن ريسون الذي كان وزيرا للأحباس، وعين بدله عبد الخالق الطريس الذي سرعان ما أعفي من مهامه سنة 1935، ليتولى أحمد الحداد مهام إدارة الأحباس في نفس السنة، وأعفي من مهامه في نفس العام. وعاد الطريس ليشغل منصب وزير للأحباس من جديد لكنه لم يقض فترة طويلة في هذا المنصب إذ صدر ظهير إعفائه في أبريل 1937.

وزراء في سجن لعلو بسبب وشاية أمريكية

في مارس من سنة 1971 تلقى الملك الراحل الحسن الثاني تقريرا مفصلا من مساعده الجنرال المدبوح، يتضمن حقائق تؤكد تورط عدد من وزراء الحكومة في قضايا فساد مالي، واقترح على الملك فتح تحقيق في القضية، التي أحيلت على أحمد الدليمي الذي كان حينها مديرا عاما للأمن الوطني. وبعد طول انتظار وترقب أعلن عن اعتقال خمسة وزراء، وهم عبد الحميد كريم وزير السياحة، وعبد الكريم الأزرق وزير الأشغال العمومية ويحيا شفشاوني وزير سابق للأشغال العمومية ومدير مكتب الأبحاث والمساهمات المعدنية، ومحمد الجعيدي وزير التجارة والصناعة، ومامون الطاهري وزير المالية، ووزير الداخلية السابق محمد العيماني، فضلا عن رجل الأعمال عمر بن مسعود وموظفين ساميين. أصل صك الاتهام الذي شغل الرأي العام في تلك الحقبة الزمنية العصيبة، سفر الجنرال المدبوح إلى الولايات المتحدة الأمريكية، لتهيء زيارة للحسن الثاني لهذا البلد، وما ترتب عنها من تقرير يدين وزراء الحكومة بالفساد، بعد أن طلبوا عمولات من شركة «بانام أميريكان» كي يسمح لها بإنجاز مشروع استثماري في الدار البيضاء عبارة عن فندق فخم. تقرير المذبوح كشف عن وجود شبكة لتهريب المعادن، وأخرى لتهريب الأموال إلى الخارج.
فوجئ الوزراء باستدعائهم إلى قصر إيفران في مارس 1971، ليعرب لهم الملك عن خيبة أمله، قبل أن يضيف «سأسامحكم كأنكم قد ولدتكم أمهاتكم اليوم». استبشر الوزراء المدانون والتمسوا الصفح من الملك، لكن الحسن الثاني فاجأ الجميع بعد شهر فقط بإجراء تعديل حكومي أسقط الوزراء الخمسة، وتبين أن الرجل يريد دفن القضية التي أغضبت الولايات المتحدة الأمريكية ووضعت مصداقية الحكومة في مهب الريح. لكن الانقلاب العسكري لعاشر يوليوز، أي بعد ثلاثة أشهر عن العفو الملكي، أغضب الملك لأن قائد المحاولة لم يكن سوى الجنرال المدبوح الذي كان إلى عهد قريب يتأبط تقرير الأمريكيين، وفي سادس غشت عين الحسن الثاني حكومة جديدة يرأسها كريم العمراني، دون أن يطوى ملف الوزراء المدانين.
في شهر نونبر من نفس السنة، استقبل السجن المركزي لعلو بالرباط ضيوفا من العيار الثقيل، لأول مرة في تاريخ المغرب بعد الاستقلال يعتقل وزراء وكبار المسؤولين ورجال الأعمال، لتبدأ أطوار محاكمات شغلت الرأي العام الوطني والدولي، وأول حكم نطقت به محكمة العدل الخاصة هو تمتيع العيماني بالسراح المؤقت، وتقليب أوراق قديمة لوزراء حكموا البلاد قبل تشكيلة العراقي. ورغم الضجة التي أحدثتها المحاكمة إلا أن الأحكام كانت رحيمة بالمدانين الذين قضوا فترات حبس قليلة، ومنهم من لم يستأنف الحكم الابتدائي لإيمانه بأن المحاكمة كانت صورية، وأنهم مجرد أثاث لتزيين البيت المغربي الخارج للتو من حالة انقلاب، وكان المدبوح أحد المخططين له.

غضب الحسن الثاني من بلافريج بسبب ابنه

ولد أحمد بلافريج في مدينة الرباط، وسط أسرة لها أصول موريسكية، تابع دراسته الابتدائية بمدرسة الأعيان بباب لعلو بالعاصمة وأكمل دروسه الثانوية الإسلامية التي سميت في ما بعد بثانوية مولاي يوسف، بدعم من والده الذي توفي قبل أن ينال ابنه شهادة الباكلوريا، التي رحل من أجلها إلى فرنسا، أنهى حياته الجامعية في الفترة ما بين 1920 و1934، وانضم لأوائل المتشبعين بالوعي النضالي ضد المستعمر الفرنسي.
دعي الطالب أحمد لحضور اجتماع في بيت خاله محمد جسوس في الرباط، كان اللقاء فرصة لعرض أفكار مستوردة من الشرق والغرب، حيث عبر بلافريج عن حس وطني كبير.
عين الملك محمد الخامس أحمد بلافريج وزيرا للخارجية مباشرة بعد حصول المغرب على الاستقلال، كما تقلد رئاسة الحكومة، أصبح الممثل الشخصي للملك الحسن الثاني، لكن أيامه الأخيرة عرفت صراعا خفيا مع القصر، بعد أن انتقل ابنه أنيس إلى صف المعارضة، حيث عاش رهن الاعتقال مدة طويلة دون أن يتدخل والده أحمد لدى الملك بل اكتفى بالاستقالة من منصبه الحكومي ضد على التعسف الذي طال ابنه.
انضم أنيس إلى منظمة «إلى الأمام» التي شكلت قلقا حقيقيا للملك الراحل الحسن الثاني، ودخل في إضراب متواصل وصل حد الإضراب عن الطعام احتجاجا على تعسف المخزن الذي كان والده يعد من لبناته الأولى. اعتقل الفتى الذي تشبع بالفكر الماركسي وأصبح متيما بمواقف ابراهام السرفاتي رافضا لمبادئ حزب الاستقلال الذي استنشق هواءه، بل إن أنيس تحول إلى معارض حقيقي للنظام رفيقا لدرب سعيدة المنبهي وتعرض للتعذيب في مخافر الشرطة مما أغضب والده الذي كان يزوره في المعتقل دون أن يلتمس من الملك إطلاق سراح فلذة كبده، إلى أن صدر عفو ملكي في حق ما تبقى من المجموعة 44، من والتي كانت تضم في صفوفها أنيس بلافريج.

مداخلة أحرضان تجر عليه غضب الملك والجيش

أثناء مجلس حكومي عقد غداة إحدى المعارك التي كانت تدور رحاها في الصحراء، خلال بداية الثمانيات من القرن الماضي، تدخل الوزير المحجوبي أحرضان الذي كان حينها كاتب دولة مكلفا بالتعاون الدولي، وقال: «عطيوني كتيبة ديال العسكر ونهنيكم من هاد المشكل ديال الصحراء» قبل لأن يذكر الحاضرين بما قام به لوقف التمردات التي شهدتها البلاد حين كان وزيرا للدفاع.
أبلغ أصحاب النوايا السيئة ملك البلاد الحسن الثاني بالخبر وأضافوا له بهاراتهم، فشد الرحال إلى مكان الاجتماع واقتحم القاعة أمام ذهول الجميع، وتوجه لأحرضان بالقول: «واش أنت بوحدك اللي وطني فهاد البلاد، راه حنا كلنا وطنيين ولكن ماشي بهاد الطريقة».
ابتلع الوزير لسانه لفترة قصيرة قبل أن يغضب القصر من جديد، من خلال حوار أجراه مع صحيفة «الباييس»الاسبانية قال فيه ما معناه أن «العقد اللي بينا وبين الملك هو عقد البيعة وخاص كل طرف يحترم هاد العقد». لكن الثالثة كانت ثابتة، إذ بلغ الملك الحسن الثاني أن أحرضان بصدد التحضير للجمع العام التأسيسي لجمعية «أكراو أمازيغ»، استدعى له كبار الشخصيات من بينها السينغالي السابق ليوبول سيدار سينغور. ارتفعت وتيرة الغضب بعد التقرير الذي نقله إدريس البصري للحسن الثاني، فقررت وزارة الداخلية بناء على توجيهات القصر منع تأسيس الجمعية، وشرعت في إعداد بديل لأحرضان، إذ «عقد مؤتمر استثنائي لحزب الحركة الشعبية سنة 1986 أقيل خلاله أحرضان وانتخبت لجنة من 8 أمناء عاملين استقلوا طائرة باتجاه مراكش ليستقبلهم الحسن الثاني ويقرر تعيين امحند العنصر أمينا عاما جديدا للحزب» على حد شهادة لحسن بروكسي.
تجدد الغضب الملكي من أحرضان، يضيف بروكسي لـ«الأخبار» «خلال فترة إعداد التشكيلة الحكومية، كان أحرضان يريد أن يفرض اسم «بوعزة إيكن» كوزير، وأحس أحرضان بالإهانة عندما قيل له في مراكش أن يعد لائحة الوزراء الذين يقترحهم ويقدمها إلى أحمد رضا اكديرة، وغادر القصر وعاد إلى الرباط ولم يجب عن المكالمات الهاتفية التي كانت ترد عليه للاستفسار عن اللائحة التي يقترحها. غضب منه الملك لأنه غادر قصر مراكش وعاد إلى الرباط ولم يكن يرد على مكالمته، ولم يعط لائحة الوزارء الذين يقترحهم».

عبد اللطيف العيماني.. غضبة الملك كادت تنقذه من الموت

لم يكن اسم عبد اللطيف العيماني واردا ضمن البعثة الوزارية المغربية التي تعرضت لهجوم مباغث في مطار روما، بل كان آخر من أضيف اسمه للائحة بإصرار من أحمد عصمان الذي كان يجد فيه الرجل المناسب للرحلات المناسبة.
حسب مصادر اتحادية، فإن النهاية المأساوية لعبد اللطيف العيماني، كاتب الدولة في حكومة عصمان الأولى، بدأت بغضبة ملكية من الصخيرات، حين كان هذا الأخير في القصر الملكي برفقة عبد الكريم القادري، المدير العام للصندوق الوطني للقرض الفلاحي، وأحمد لحليمي الإطار السامي في نفس المؤسسة، حيث كانوا مدعوين لاستقبال ملكي من الراحل الحسن الثاني. و«خلال هذا الاستقبال، سيقترح الحسن الثاني على المناضل الاتحادي لحليمي الاستوزار، ولعل صيغة الاقتراح سلكت من طرفه مسلك التقاليد المخزنية التي تقتضي الشروع في الحديث بعبارة «اقتضى نظرنا السامي».
بلباقته ودبلوماسيته المعروفتين، يضيف المصدر، سيرد أحمد لحليمي علمي على الاقتراح الملكي باعتباره شرفا كبيرا له، وبأنه من الأفضل استشارة السي عبد الرحيم بوعبيد حوله، ومن الطبيعي أن يتولد عن هذا الرد غضبة ملكية، خاصة إذا وضعنا الحوار في سياقه التاريخي، وما يتولد عن مثل هذه المواقف من آفات.
«لم يكن لجواب من هذا القبيل إلا أن يولد غضب الحسن الثاني، ما أدى به، إلى التوجه بعبارات ملؤها السخط إلى مخاطبه، عبارات تفيد المعنى التالي إذا ما اقتبسناها بالدارجة: «أنا بعدا ما كنعرفكش.. العيماني هو اللي جابك». والتفت إلى العيماني قائلا: «هذه جرأة زائدة.. العيماني جمع راسك معنا». وعلم العيماني أن الإقالة تهدده بعد تدخل لحليمي واعتبر اللقاء آخر حضور له «بين يدي الملك»، بل إنه طلب من أحمد عصمان إسقاط اسمه من لائحة البعثة كي لا يقوم الملك شخصيا بالتشطيب على اسمه، لكن الوزير الأول رفض.
«في تلك الحقبة، كان أحمد لحليمي إطارا ساميا بالصندوق الوطني للقرض الفلاحي، بينما كان الراحل عبد اللطيف العيماني كاتبا للدولة لدى الوزير الأول مكلفا بالتخطيط والتنمية الجهوية وتكوين الأطر، وهو المنصب الذي سيخلفه فيه في حكومة عصمان الثانية الطيب بن الشيخ لكن بدون الإشراف على قطاع تكوين الأطر».

غضبة الحسن الثاني من بوطالب بسبب إصراره على الاستقالة

يروي عبد الهادي بوطالب الرئيس السابق للبرلمان المغربي، عن كثير من المواقف التي عاشها في هذه المؤسسة التشريعية، بل إن كتابه «نصف قرن من السياسة»، رصد تفاصيل التماسه من الملك الراحل الحسن الثاني إعفاءه من رئاسة البرلمان. وتعود به الأحداث إلى ما بعد انقلاب الصخيرات، حيث كان عبد الهادي من بين الحاضرين في أول لقاء بالملك بعد المحاولة الانقلابية، إذ نادى عليه رفقة إدريس السلاوي مدير الديوان الملكي وأحمد العراقي الوزير الأول، وقال لهم بنبرة صارمة، «الأمور كلها انتهت، وما وقع في الصخيرات هو مجرد حادث سير لا قيمة له، لذا ينبغي أن تستدعي أعضاء مجلس النواب لتزيل عنهم الصدمة ويستأنف مجلس النواب أعماله».
قال بوطالب للملك إن واقعة الصخيرات تفرض إحداث انقلابات موازية في كثير من القطاعات، «ويفرض تغيير المسؤولين في الأعلى فلكل عهد دولة ورجال. وأخبرته أني سأنسحب من رئاسة البرلمان لأُفسِح المجال لمن هو أفضل وأصلح. فرد علي قائلا: «لن أُغير من أجل التغيير، ولن يشمل التغيير الصالح والطالح. وأنت شخصيا لا أقبل منك بأي حال الانسحاب من موقعك».
قرر بوطالب سحب ترشحه لرئاسة البرلمان للسنة الموالية، وأبلغ الملك الحسن الثاني بالقرار فلم يتقبله، بل إنه أرسل مولاي حفيظ العلوي لاستفسار المستقيل عن دواعي القرار، دون أن يفلح في ثنيه عن رغبة الابتعاد عن كرسي الرئاسة، بعد أن شعر بقرب حل هذه المؤسسة من طرف الملك. المثير أنه حين استأنف البرلمان نشاطه حضر إلى مجلس النواب الرئيس الروماني آنذاك نيكولاي تشاوسيسكو الذي كان في زيارة رسمية للمغرب وكان أول رئيس دولة أجنبي يزور البرلمان المغربي ويلقي خطابا فيه بعد أن يقدمه إلى النواب رئيس المجلس. «كان مبرمجا أن يفتتح جلالة الملك البرلمان يوم الجمعة الثانية من أكتوبر كما ينص على ذلك الدستور، وينتخِب البرلمان يومي السبت والأحد المكتب الجديد ورئيس المجلس أو يمدد له ولايته سنة أخرى، على أن يتم استقبال الرئيس الروماني من لدن الرئيس في المجلس يوم الاثنين، وعندما جاء الملك الحسن الثاني إلى المجلس يوم الجمعة لرئاسة افتتاح الدورة استقبلته بمدخل المجلس وكان مرفوقا بولي العهد سيدي محمد ثم توجهت إلى مكتبه وسألني عن التدابير التي قمنا بها لاستقبال الرئيس تشاوسيسكو يوم الاثنين، أجبته بالنفي فغضب مني وقال في خطبته إن من يجلس على كرسي رئاسة البرلمان عليه أن يلزم حدود مسؤوليته»، في إشارة واضحة ضد تصرف الرئيس.

عبد الله القادري.. رحلة سياحة قصيرة

لم يمض عبد الله القادري سوى ثمانية أشهر في منصبه كوزير للسياحة، قبل أن يتلقى إشارة من القصر بترك المنصب والاستعداد لمراسيم تسليم المهام لعبد القادر بن سليمان، حينها كتبت صحيفة العلم إن الرحلة السياحية للوزير انتهت سريعا، إلا أن خلفيات الإقالة ترجع إلى المزاج «العسكري» لحريزي عركته الحياة العسكرية التي عاشها وغادرها برتبة عقيد، وهو ما جعله على خلاف دائم مع جاره الشاوي إدريس البصري الذي عجل بإنهاء مهامه على رأس وزارة نادرا ما يديرها «العروبية».
حين تقاعد القادري من الجيش، وهو شاهد عيان أساسي على الانقلاب الذي عرفه قصر الصخيرات، حيث اعترض شفويا على المشاركة في الغارة البرية، وقفل راجعا، مما جنبه محنة تازمامارت، نزع بذلة العسكر وارتدى رداء السياسة، حين التحق بحزب التجمع الوطني للأحرار قبل أن ينشق رفقة أرسلان الجديدي عن هذا التجمع «المدني»، ويضعان اللبنة الأولى للحزب الوطني الديمقراطي رفقة خلي هنا ولد الرشيد وغيرهم من الأسماء التي عاتبت التجمعيين على ميولاتهم البورجوازية. ويعتبر القادري من نوادر العمل السياسي إذ يبدو الانتقال من الثكنة إلى مقر حزب أمرا عصي الفهم. لاسيما وأن ابن مدينة برشيد دخل سريعا الحياة الانتخابية وأصبح في ظرف وجيز برلماني المدينة الذي لا يشق له غبار، لكن الحزب أصبح مع مرور الزمن في ذمة التاريخ. وبالرغم من العلاقات القوية بين القادري والبصري بحكم الجوار، إذ لا تبعد برشيد عن سطات إلا بثلاثين كيلومترا، إلا أن العلاقات بين الرجلين عرفت مدا وجزرا، وتقول الروايات إن القادري قال للبصري يوما «عندما كنت ضابطا صغيرا في الشرطة كنت أنا عقيدا في الجيش»، وهي العبارة التي انتزعت ضحكات مسموعة من خصوم البصري، الذي قرر الانقلاب على شاهد على انقلاب الصخيرات، فحصلت القطيعة وبدأ العد العكسي للإقالة التي قام إدريس بتسريع وتيرتها. مات البصري وظل القادري عرضة للغارات السياسية، قبل أن يدفع دفعا نحو التقاعد السياسي والاكتفاء بزياراته لنادي الراسينغ الجامعي للتنس بحي الوازيس هناك يروي للرياضيين جولاته في ملاعب السياسة.

زوجة العسكي تكبده غضبة الملك

من أصعب المواقف التي اجتازتها لورانس باسبير زوجة الوزير أحمد العسكي غضبة الملك الراحل الحسن الثاني عليها، خلال حضورها احتفالات الملك بعيد ميلاده بقصر الصخيرات في منتصف السبعينات، فقد لاحظ الحسن الثاني أن جميع المدعوات، وهن زوجات أفراد السلك الدبلوماسي والوزراء وكبار الشخصيات العسكرية والمدنية، قد وقفن ترحيبا بوصول الملك إلى قاعة الحفل، وحدها لورانس ظلت جالسة على كرسي دون أن تعبأ لحالة الاستنفار التي عرفها الحفل. وظلت تدخن سيجارتها بشراهة، لاحظ الحسن الثاني موقف السيدة الفرنسية وحين طالب ببيانات حولها قيل له إنها زوجة أحمد العسكي، وقبل أن ينفض الحفل اقترب منها العاهل المغربي وعلامات الغضب بادية على وجهه، فدعاها إلى مساعدة منظفات موائد الحفل قبل مغادرة القصر وهو يقول: «إن جنسيتك الفرنسية لا تمنعك من الوقوف احتراما للمحتفى به». منذ ذلك الحين منع العسكي من حضور كثير من حفلات دار المخزن. ولم يشفع له سوى علاقته الوطيدة من أحمد عصمان الذي جعل منه أحد صقور حزب الأحرار.
منذ تلك الواقعة ظلت زوجة الوزير تقلص من مشاركتها في حفلات المجتمع المخملي، وتصر على قضاء سحابة يومها في فيلا فاخرة على مشارف عين الذئاب بالدار البيضاء، ولكنها تسافر بين الفينة والأخرى للعاصمة الفرنسية باريس.
تقلد العسكي ثلاث وزارات، (التعليم، الفلاحة، والأشغال العامة)، وترأس العسكي مجلس النواب المغربي، كما كان عضوا في المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، عدا تقلده مسؤوليات في تدبير الشأن المحلي في مدينة الدار البيضاء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى