الرأي

أصل الحكاية…

شامة درشول
دقائق فقط كانت تفصلني عن الوصول إلى منزلنا، وعن أذان المغرب، كان الوقت رمضان، أقود سيارتي في طريق خال، وقبل أن أنعرج يسارا متجهة إلى الحي الذي كنت أقطن فيه رفقة عائلتي، لمحت رجلا يجر شيئا من الغابة التي توجد في الطريق التي كنت أقود فيها السيارة، كان ذلك الشيء امرأة واقعة أرضا، وهو يجرها من شعرها، يسحلها إلى الطريق، وهي تصرخ، كان الرجل متأكدا أنه في ذلك الوقت لا يوجد أحد، لكنه لمحني أتوقف بسيارتي أمامهما، المشهد كان شديد البشاعة إلى درجة أني لم أتذكر إلا وأنا أضع قدمي على فرامل السيارة، وأوقفها وأنا أضغط بغضب على بوق السيارة.
ترك الرجل المرأة مرمية على الأرض، وغادر، التفت إلى الخلف أحاول أن أرى إلى أين هو ذاهب قبل أن أغادر سيارتي، كانت الطريق خالية، وأردت تأمين نفسي قبل تقديم المساعدة، لمحته وقد عبر الطريق إلى الاتجاه المعاكس، وقف هناك يراقبها، كانت هي تحاول أن تحمل نفسها من على الأرض، ما زلت أذكر أنها كانت سمراء، نحيلة، بشعر أسود متوسط الطول، وترتدي جلبابا رماديا، وكانت المرأة حاملا، لمحت بطنها البارز، وقلت في نفسي أي همجي هذا الذي يعتدي على امرأة بكل هذا الضرب، وتزيد همجيته وهي تحمل روحا في أحشائها؟
كان شيء ما يخبرني ألا أغادر سيارتي، لكني أيضا لم أستطع تركها، فاتجهت بسيارتي إلى الرصيف، حيث وقفت تنفض عنها التراب الذي علق بجلبابها وهي تسحل من الغابة إلى الطريق، أنزلت زجاج سيارتي، وسألتها إن كانت تريد أن تركب معي لأوصلها إلى المكان الذي تريده، فكان الرد أنها لوحت بيدها شاكرة، وتركتني، ومن المرآة الداخلية للسيارة لمحتها وهي تعبر الطريق، وتتجه إلى حيث كان الرجل الذي يسحلها، وترحل معه.
«ما الذي يجعل امرأة تتقبل البقاء مع رجل يضربها أو يعنفها؟»
أعرف امرأة شابة، جميلة، متعلمة، من عائلة غنية، وذات منصب مهني راق، ومستقرة ماديا، لم يضربها زوجها يوما، لكنها تنازلت له عن كل ما تملكه، كان يشعرها دوما بأنها لا شيء، وبأنه أفضل منها، كان الرجل يشعر بالدونية تجاهها، وتجاه عائلتها، وكان ينتقم منها، ومن هذا الشعور بجعلها تحس أنه هو الأفضل، وأنها لا شيء أمامه، ولكي تحصل على رضاه، أو لنقل، لتجعله يكف عن التقليل من شأنها، كانت تقدم له أموالها، والنتيجة أنها فقدت كل ما كانت تملك، وهو ما دفع عائلتها إلى الانتباه أن ابنتهم ليست في زواج سعيد، بل الأدهى أنها تعيش تحت سقف واحد مع رجل مريض نفسيا.
العنف، والتعنيف، لا يكون دائما، وفقط بالضرب، لذلك قضية العنف الممارس ضد الرجال لا تحظى باهتمام مثلما يحظى به العنف الممارس ضد النساء، لأننا ما زلنا نربط العنف بالضرب، وما زلنا نعتقد أن الضرب يمارس فقط على المرأة، ولذلك نستغرب حين نسمع امرأة انهالت ضربا على رجل، ولذلك أيضا نردد وبفخر أن المرأة تحب الرجل الذي ينهال عليها ضربا، نحن نردد عبارة نجهل كم تعبر عن أننا لسنا بأشخاص أسوياء نفسيا.
توصلت برسائل تعقب على مقالي «أرجوك اضربني»، وفيها رسالة من امرأة قالت لي فيها إن «النساء في المغرب يرغبن في الزواج بأي شكل، حتى لو كان ثمنه الإعدام وليس فقط الضرب»، وتوصلت برسالة من رجل يخبرني أنه يرفض ضرب زوجته، لكنه يشعر أنها لا تفهم لغة حب، واهتمام منه إلا وإن كان عنوانها العصا، وهنا أعيد السؤال نفسه الذي طرحته في البداية: «ما الذي يجعل امرأة تقبل البقاء مع رجل يضربها أو يعنفها؟».
سبق وذكرت في مقالي السابق، أن الأب، والإخوة، عليهم أن يتوقفوا عن ضرب بناتهم، وأخواتهم، حتى لا يبرمج عقلهن الباطني على أن الضرب هو عنوان الخوف عليهن، وحبهن، وبالتالي تفهم المرأة أن كل رجل يضربها، هو في الحقيقة يقول لها: «أحبك». أضيف على هذا «الفيروس» الذي يحفر في عقولنا، أن نساءنا، وأمهاتنا، وخالاتنا، ونساء الجيران، وصديقاتنا، عليهن التوقف عن ترديد عبارة «غي صبري دبا تزوجو ويدير عقلو، غير صبري دبا تولدو ويتبدل، غير صبري، يكبرو دراري وميبقاش بحال ما كان»، وتصبر المرأة على أمل أن يأتي هذا اليوم الذي يتحول فيه رجلها إلى خاتم في أصبعها، وفي سبيل هذا اليوم قد تلجأ المرأة المعنفة إلى كل الطرق، فالتحدي يصبح أكبر، وهو إنقاذ كبريائها أمام أهلها، وصديقاتها، اللواتي يشعرنها أنها المخطئة أو «ما فيديهاش»، لأنه استعصى عليها، وأن عليها أن تقدم كل التنازلات لتحصل على رجل، ولتحافظ عليه تحت مسمى أن كل «الرجال كيف كيف»، و«ما تبدل صاحبك غي بما كرف»، وأن عصفورا في اليد خير من عصافير في الشجرة.
أصل الحكاية في ممارسة العنف ضد النساء، هو عنف أسست له النساء ضد النساء، لنتذكر فقط أن من يشرف على التربية في مجتمعنا هن النساء، وأنهن هن من يقفن حارسات شرسات على ثقافة تشرع للعنف، عنف يمارسه الرجل ضد المرأة، وعنف أيضا تمارسه المرأة ضد الرجل، بدل أن تؤسس التربية لثقافة الاحترام بين الرجل والمرأة، وتعيد صياغة مفهوم الحب، وتعبيراته في عقلية المغاربة نساء ورجالا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى