شوف تشوف

الرأي

أطلق يديك للريح

كل الوعود التي تُقطع بين المُحبِّين ما هي إلا أفيون يتفشى بين أوردة العلاقة لتبقيها قيد التماسك أطول فترة ممكنة.. لكن الحقيقة التي يغفل عنها العشّاق عن عمدٍ.. أو رغبة في مراوغة شراسة الحياة.. هي أننا أكثر هشاشة من أن نفي لذاكرة واحدة..
لكل الذين افترسهم الحنين لليالٍ طويلة شديدة البرودة حتى فقدوا إيمانهم بالتعافي من ركلة حب سابقة.. وما عاد الليل يرعبهم..!
لكل الذين بكوا كلما شاكسهم الموج.. أو لفح الهواء خدودهم.. بينما هم مغمضون أعينهم لكن أبصارهم شاخصة في ملامح الآخر البعيد القريب المستوطن جوف القلب..
لكل الذين ظنوا أن الحياة توقّفت عند آخر صفعة قلب..
لكل الذين كذب عليهم الحب ذات يوم..
لكل الذين يندبون ذاكرتهم ويبتهلون الرب ليرزقهم النسيان..
أقول:
أطلق يديك للريح.. تنفّس ملء رئتيك.. إلى هذه الحياة جئت وحيداً وسترحل وحيداً..
أوقف نحيبك أو بكاءك.. لا شيء يبقى.. ابتسم وتأمل جمال الانحسار..
كن قوياً واعترف باحتمالية جميع الافتراضات.. وإيّاك.. إيّاك أن تفقد قلبك بين كل تلك المعتركات.. لا شيء يبقى سوى قلبك الصغير.. اعتن به كزهرة بريّة.. تأمل الصباح.. احتس قهوتك.. ودع الأيام تفعل ما تشاء..!
لا تحشر نفسك.. مع ذلك الصنف الفريد الذي يظل يلعب بالنار حتى بعد احتراقه.. أُكِلت أسنانه واستُنفدت جميع حيله..
شرب مرارا على القذى.. وتسممت عظامه حتى النخاع..
لدغ من ذات الجحر.. ونُهب حتى آخر جيب في قميص كرامته..
حفر حفرا لأحبته سقطت فيها لاحقا.. وبذراعيه المثقوبتين احتضن الفراغ مجالسا العدم..
جلده الليل بالسهد والحمى.. وألبسه الفقد من خِرَقِه ألوانا شتى..
هزئت به العرافات.. وملاعق القهوة.. وأحلام اليقظة..
مله الصحاب.. وتجهمه السراب..
لكنه رغم الأسى.. وماضٍ مشظى.. ما فتئ ينحره من الوريد إلى الوريد..
بقدر ما أعطاه الله من حمرة في دمه.. وكشيخ ممسوس..
يصرخ ملتاعا بحنجرة مشروخة:
أيها الحب هل من مزيد؟!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى