شوف تشوف

الرأي

أن تكون معلما..

لوحظ في السنوات الأخيرة انتحار عدد من معلمي القطاع العام، وطبعا قام زملاؤهم بالواجب وأكثر، وفضحوا الحالة المزرية لهذه الشريحة المهنية، وهذا رغم استفادتهم من أجر محترم وساعات عمل معقولة وحقوق قانونية وصحية مضمونة. لكن لا أحد فكر ولو للحظة بحال كثير من معلمي القطاع الخاص، أو عبيد تجار النقط، والذين لا يتعدى أجر الواحد منهم 1600 درهم، دون علم صندوق الضمان الاجتماعي ولا حتى النيابة والأكاديمية، وساعات عمل تذكرك بـ«حمار» الطاحونة: من 7.15 إلى 13.00 ومن 14.15 إلى 19.00، وذلك لأن معلم الأجيال عليه القيام بحراسة الأفواج المنقولة ريثما يتم جمع القطيع كله، عبر «فاياجات» يقوم بها السائقون، في ظل عدم وجود سيارات نقل كافية..
لا أحد يعلم أن معنى معلم قطاع خاص هو أن توضع في قسم ضيق، به أزيد من 30 تلميذا، لكل تلميذ عشرة أفواه، عليك السيطرة عليهم وإلزامهم الصمت قبل أن نناقش قضية إيصال المعلومة والرسالة السامية للتعليم «ههه»، وإذا دخل تاجر النقط ووجد من يتكلم، نظر إليك شزرا واتهمك بالتقصير، وبعدما يتجول له ساعة يفرق القبل على أبناء الشخصيات ويركل اولاد «الشعب»، يعود إليك ولو حدث ووجد الكل صامتا، اكفهر غاضبا متهما إياك بالديكتاتورية وعدم ترك مجال التعبير..
وهذا لا يعني أنك لا تنال بعض الدلع، خاصة إثر تسريب خبر زيارة إحدى اللجان التفتيشية، والتي يعلم بخبر زيارتها قبل أسبوع، في ظل الشفافية والمصداقية «وداكشي»، فيزخرف صفك ويرش بجافيل، ويطلق الند وبخور «الجاوي»، ولو كنت غير مسجل بشكل قانوني، قد يتم نقلك سريا إلى بيتك وتمتيعك بنصف يوم راحة حتى تمر اللجنة..
كونك معلما يعني إمكانية محاكمتك وإعدامك ميدانيا في إدارة المؤسسة، بعدما يحتج ضدك صغارك الذين لا يعرفون «حاجة» لأنك لم تمنحهم قبلة الخروج أو الدخول، أو لأنك في يوم ما لمست رأس طفل لا يعرف الكذب لتنبيهه، فأصبح اللمس ضربا و«نتفا»..
وبما أن الصغار، حفظهم الله، أصبح من عادتهم رفع اليد على المعلم، عليه هو أن يكون أكثر تفهما ويعمد إلى حماية وجهه وعدم التأثر بالشعارات «الداعشية» من قبيل «قم للمعلم ووفه التبجيلا *** كاد المعلم أن يكون رسولا»..
كونك كذلك يعني تحولك إلى ما يشبه «ساحة المشور»، فكلما ضاق الآباء ذرعا من الروتين، وكلما لمسوا فتورا في علاقاتهم بأبنائهم، هجموا على الإدارة مطالبين برأسك، تقريعا لك دون ماء، وتجديدا لنفس الأبوة والأمومة، وطبعا في حضور الصغير الذي ينظر إليك بسخرية واستهزاء، بينما صاحب السعادة منبطح في العسل، مشغول بحساب ثمار القيم والمبادئ..
كونك مربيا للأجيال لا يعفيك من المحاسبة و«التمرميد» لأنك نسيت لعب أهم دور من أدوار التعليم «مهرج» يضحك الملائكة الصغار، الذين يهرعون إلى آبائهم مطالبين بـ«كلون» يحبب إليهم المادة ويقرب الفصل إلى ما يشبه السيرك، فيحب الصغير الدراسة وفي داهية الصرامة في التعليم والتحصيل، المهم الفرفشة…
ولا إمكانية جرجرتك على بطنك، لأنك نظرت بحدة إلى طفل قلبه طري، أو لأنك مصر لسبب غير مفهوم على حفظ جدول الضرب أو الـconjugaison..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى