الرأي

إسرائيل التي تستفيد من مصائبنا

محمد عايش
تستفيد إسرائيل على الدوام من كل الأزمات والمصائب والانشغالات التي تمر بمنطقتنا العربية، وتستغل ظروفنا وأزماتــنا العربية، من أجل تنفيذ مزيد من التغييرات الجذرية على الأرض الفلسطينية، في محاولة لمسح أي أثر لحقوقنا وإنهاء أي إمكانية للمطالبة بالحق الفلسطيني في المستقبل.
في السنوات الأخيرة ثبت أن إسرائيل هي أكبر المستفيدين في المنطقة من الأزمات التي شهدتها المنطقة العربية، ابتداء من حرب سوريا، وليس انتهاء بأزمة الخليج، إذ خلال الأعوام القليلة الماضية شنت القوات الإسرائيلية العدد الأكبر على الإطلاق من الغارات على الأراضي السورية، ونفذت عمليات لم تكن تحلم بأن تنفذها، لولا أن سوريا تحولت إلى قطع متناثرة أنهكتها الحرب، إضافة إلى أن العرب باتوا يختلفون إن كان من المفروض أن يؤيدوا إسرائيل، أم نظام الأسد عندما تشتعل المعركة في ما بينهما؟
خلال السنوات الأخيرة التي شهدت فيها منطقة الخليج أزمتها غير المسبوقة، كانت ثمة بالتوازي موجة تطبيع غير مسبوقة مع إسرائيل، وصلت إلى درجة زيارة مسؤولين كبار إلى عواصم خليجية، وعزف «النشيد الإسرائيلي» في عواصم خليجية لأول مرة في تاريخ العرب.. خلال السنوات الأخيرة كان الجميع في الخليج يخسرون، سواء المُحاصِر أو المُحاصَر، فيما كانت إسرائيل وحدها تحصد المكاسب من الأزمة الخليجية وتخرج من عزلتها، وتنهي المقاطعة المفروضة عليها، منذ احتلالها لفلسطين. الإسرائيليون استفادوا من الأزمات العربية الراهنة أكثر من غيرهم، فخلال العام الماضي 2018 تمكن أكثر من 22 ألف مستوطن إسرائيلي من اقتحام المسجد الأقصى وتدنيسه، وهو رقم قياسي لم يتم تسجيله منذ احتلال الحرم القدسي الشريف في عام 1967، أما على المستوى السياسي، فتمكنت الولايات المتحدة وبكل استرخاء وطمأنينة من نقل سفارتها إلى القدس المحتلة، والاعتراف بالمدينة على أنها عاصمة لدولة الاحتلال، وهو ما لم يكن ليحدث لولا الصراعات العربية غير المسبوقة، التي تعيد التذكير بممالك الأندلس وهي تتهاوى بسبب مصائبها الداخلية.
انتهى عام 2018 أيضا بتسجيل رقم قياسي آخر بالغ الأهميــة، وهو عدد المستوطنين في الضفة الغربية، الذين تجاوزوا الـ480 ألف مستوطن، أي نحو نصف مليون مستوطن أصبحوا يلتهمون الأرض المحتلة في الضفة الغربية، وهو رقم غير مسبوق يدل على أن إسرائيل غيرت شكل الأرض التي تحتلها، وغيرت واقعها الديموغرافي، وقطعت أوصالها بالمستوطنات التي باتت تشكل تكتلات وتجمعات أكبر من بعض المدن الفلسطينية.
هذه ليست المرة الأولى التي تنجح فيها إسرائيل في استغلال الظروف الإقليمية والدولية، والاستفادة من مصائبنا العربية، ففي عام 2001 خرج كل العالم خاسرا من أحداث 11 شتنبر الإرهابية التي ضربت الولايات المتحدة، إلا إسرائيل التي بفضل هذه الهجمات استطاعت إقناع الأمريكـــيين بأنها «تحارب الإرهاب»، وحصلت على ضوء أخضر من واشـــنطن آنــــذاك بشـــن عملية «السور الواقي»، التي دمرت فيها كل ما خرج عن اتفاقية أوسلو، وأعادت احتلال الأراضي التي أخلتها سابقا، وانتهت إلى اغتيال أهم شخصين في التاريخ الفلسطيني الحديث، وهما الرئيس الراحل ياسر عرفات والشيخ أحمد ياسين.
إسرائيل هي أكبر المستفيدين من مصائبنا العربية، وهي أكثر من يجيد استغلال الظروف الإقليمية والدولية وتجيير الأحداث لصالحها، وهذا ما يجري حاليا، ولذلك أصبح اقتحام المستوطنين للأقصى خبرا يوميا في الأخبار، وأصبح القصف الإسرائيلي لمواقع في سوريا ولبنان وحتى العراق، أخيرا، حدثا عاديا لا تتبعه أي ارتدادات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى