شوف تشوف

الرأي

ابكِ فقط يا فأر التجارب..

البارحة.. لم يستطع أن يكوي غضبه ويرتبه جيدا.. كي يضعه في صندوق ذاكرته الأسود.. وينسى..
كلما نهبوا له حلما.. بحث عن آخر في بقايا تنفسه: «ما زلت حيًا» يقول..
يعلم جيدا أن الشغف النامي كشجرة بين ضلوعه.. لن يجد له تربة يغرسه فيها..
وعلى الرغم من تيقنه الأمر.. فما زال يبدع تربة غير ملوثة.. مكونة من الصبر والأمل ومن أيام سيبقى يحاول تحاشيها كي لا تثور من فوهة براكين ألمه..
ضاق تنفسه حين أوقفه الرجل الملتحي القابض على الهواء الذي سيخرج منه إلى الجانب الآخر من الجدار المقفل.. ومن الثقب الصغير الذي ينظر منه إلى مدى تحرره..
بكى حين توقف الصراخ في حنجرته وصار يتحول شيئا فشيئا إلى حشرجة لها طعم الموت الحي..
.. ما زلت حيا» يقول:
لن أعلن موتي السريري.. ولن أسمح بانتزاع الآلات التي تضخ الأوكسجين في قلبي النازف..
هو قلبي الذي ما زلت أملكه.. لا يقدر الرجل الملتحي أن يسمع نبضه.. لأنه مشغول بنهب ذاكرتي وحلمي.. لا يعلم هذا المتطفل على جزيئات حياتي.. أنني كل يوم ألفظه في حفرة مرحاضي كي لا يشاركني وسادتي.. ليس له هذا الرجعي.. أدنى شك بأن قلبي لم يكبر مع العقود الثلاثة الأولى من عمري.. قلبي ما زال فتيا.. قادرا على تحقيق حلم ولو كان مكللا بالقهر..» !
<<<
في بلد تتضارب فيه المشاعر حول الموت.. لا تنتظر حلا.. اجلس في زاوية منسية.. تقوقع على نفسك كفأر تجارب.. انتظر مبضع التشريح.. إياك أن تفكّرَ أي شريان سيُستأصَلُ منك..
لا خوف عليك.. دعهم يبحثون عن بقايا ما تعلمته من دروس في الوطنية، فإن وُجدت سيستغرقون وقتًا لإزالة الغبار عنها.. ثمّ عليهم أن يصححوا الأخطاء الإملائية التي كتبتها على عجل في الثواني الأخيرة من انتهاء المعركة.. حتّى إن وصلوا إلى حلمك.. فلن يستطيعوا التقاطه بملقط طبيّ. لأنه أصبح لا يُرى بالعين المجردة..
أما قلبك فلن يقتربوا منه.. لا نفع له.. هشٌّ كخرقة بالية.. مقبوض عليه بألف هم..
دعهم يحملقون بك في حال انتبهوا.. وأعدك بأنهم لن يبالوا بك.. لست شيئا يُذكر.. لا يهابونك.. فأنت لست حاقدا ولا شامتا.. أنت فقط تثرثر بكلمات يصفق لها الجالسون على الهامش.. البعيدون عن كل الشعارات والتحالفات والأوبئة المستشرية..
أنت واحد من الذين يبكون الموت حين يحصل في أي زاوية من الأرض..
ابكِ فقط يا فأر التجارب ولا تنتظر حلًا..!!.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى