شوف تشوف

الرئيسيةالقانونية

الأجندة الدستورية للبرلمان المغربي خلال حالة الطوارئ الصحية 3.1

كمال الهشومي
أبان انتشار جائحة فيروس كورونا المستجد «كوفيد- 19»، عن الحاجة إلى الاجتهاد واتخاذ روح المبادرة من أجل التأقلم ومواكبة الظرف الاستثنائي المفروض، ويتمثل هذا الاجتهاد أساسا في جانب ملاءمة القوانين للوضعية المستجدة، ومدى استجابة هذه الاجتهادات للرؤية المستقبلية التي يطمح إليها كل المواطنين باستشراف الحالة المستقبلية المتوقعة، إن لم نقل المطالبة بالرجوع إلى الحالة العادية على الأقل. ولا شك أنه والحالة هاته، فإن هناك مجموعة من الأحداث والوقائع لم يتم تنظيمها لا دستوريا ولا قانونيا، لأنها من الحالات التي لم تحدث في العصر الحالي. والثابت أننا في أمس الحاجة إلى عميق الاجتهاد وسداده، ما دام أن الوضعية مستجدة وغريبة إلى حد ما. فما هي المرجعيات التي يجب الاعتماد عليها، سواء على سبيل الاجتهاد أو التأويل؟
من نافل القول إن مبتدأ القانون ومنتهاه هو حماية المجتمع والمصلحة العامة بتنظيم مختلف العلاقات بين الأفراد والجماعات، وتسهر على ذلك، في شمولية التعريف، الدولة الحاضنة لهذا المجتمع، فتفسير وتأويل النصوص والقواعد مطلوب بالشكل الذي تقتضيه حالة الطوارئ المعلن عنها، والتي تتميز بظرف استثنائي. كما وجب التمييز الكامل والدقيق هنا بين حالة الطوارئ المعلن عنها، وحالة الاستثناء التي لها سياقاتها وشروطها وتترتب عنها تبعات ووضعيات دستورية وسياسية.
وبطبيعة الحال فإن الاجتهاد يرتبط بأسباب النزول، أي الأسباب الداعية له، وكما سبق وأن تطرقنا في مقال سابق (مرسوم بقانون إعلان حالة الطوارئ الصحية بين شرعية المبادرة ومشروعية سريانه)، وأوضحنا التصرف السليم للسلطة التنظيمية في الإعلان عن هذه الحالة، والمبادرة التشريعية لها بتقديم قانون مؤطر عبر لجنتي البرلمان المعنيتين، وبالنظر إلى الإجراءات التي رتبها هذا المرسوم بقانون من حيث محاصرة وتقييد بعض السلوكيات اليومية للمواطنين، والتي انضبطت لها مختلف مؤسسات الدولة، وحينما نتكلم عن دور السلطة التنظيمية، أي الحكومة، فإن في الجهة الأخرى نتكلم عن السلطة التشريعية. فحسب مختلف الاجتهادات، فالغالبية العظمى ذهبت إلى تثمين قرار البرلمان المغربي استئناف عمله من خلال افتتاح الدورة الربيعية بعد انقضاء العطلة الدستورية بين الدورتين، وتم اعتبار الأمر تصرفا دستوريا صرفا، إلا من يعارض ذلك والذي ندعوه بالمناسبة إلى إعادة النظر في تفسيره واجتهاده. فافتتاح الدورة الخريفية أو الدورة الربيعية لم يتم ربطه بأي شروط خاصة من حيث مبادرة الانعقاد، اللهم التاريخ وترؤس جلالة الملك لافتتاح البرلمان في الدورة الشتوية (الفصل 65 من الدستور)، أما تنظيمهما فهو مرتب بواسطة الإجراءات المقننة بشكل عام بالدستور كمرجع وبالتفصيل بالقانونين الداخليين للمجلسين (المواد من 14 إلى 17 من النظام الداخلي لمجلس النواب – المواد 17 إلى 19 من النظام الداخلي لمجلس المستشارين). وعلى سبيل المثال لا الحصر مع التأكيد على عدم تطابق الحالتين؛ ففي حالة الاستثناء التي نص عليها الدستور المغربي (الفصل 59)، ورغم صعوبة وضعيتها، ففي هذه الحالة لا يتم حل البرلمان أو توقيف عمله، رغم ما يعبر عنه في الفقه الدستوري بـ«السلطات الكاملة» لرئيس الدولة، وباعتباره الضامن لدوام الدولة والسير العادي للمؤسسات، حسب الدستور نفسه (الفصل 42)، مع منحه صلاحية تعطيل بعض النصوص الدستورية والقانونية دون أن يشمل ذلك حل البرلمان، أو التضييق على الحريات والحقوق الأساسية المنصوص عليها في هذا الدستور.
إن المشرع الدستوري عمل على الإلزام بإبقاء البرلمان وعدم حله «أثناء ممارسة السلطات الاستثنائية» (الفقرة الثانية من الفصل 59)، إذ منع الربط بين حالة الاستثناء وحل البرلمان، وشدد على الحريات الأساسية لتكون مرحلة الاستثناء لا تتناقض مع سمو وسيادة القانون، كما أن الفصل نفسه يوضح ذلك بشكل لا لبس فيه. أن الغاية من منع حل البرلمان هي جعل حالة الاستثناء تتم في إطار سيادة القانون، كشرط أساس لعمل مختلف مؤسسات الدولة.
وباعتبار شرعية البرلمان ومشروعيته مستمدة من الأمة (الفصل 60)، والأمة تمارس سيادتها بواسطة ممثليها المنتخبين (الفصل 2)، فإن مواصلة عمل البرلمان مهما تعددت الظروف الاستثنائية وتنوعت هو إجراء دستوري خالص لممارسة الأمة سيادتها، وليظل القانون أسمى تعبير عن إرادة هذه الأمة (الفقرة 1 من الفصل 6). ومعنى أن يواصل البرلمان عمله، هو التأكيد على القيام بأدواره الدستورية كاملة والمتمثلة في الرقابة والتشريع وتقييم السياسات العمومية والديبلوماسية الموازية، كما أنه تأكيد للمبدأ الدستوري المرتبط بالفصل بين السلطات (الفقرة الثانية من الفصل الأول)، والذي اعتبر أن النظام الدستوري بالمغرب يقوم على أساس فصل السلط وتوازنها وتعاونها.

مقالات ذات صلة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى