شوف تشوف

بانوراما

الإدمان الجديد.. مخدرات رقمية تروج عبر شبكة الأنترنت وتستهدف موجات الدماغ

إعداد: جميلة أوتزنيت

تتسارع وتيرة الحياة في العالم الافتراضي، حتى بات هذا الأخير يستحوذ، بالتدريج، على حياة الناس الطبيعية. وصار هذا العالم، بكل ما يقدمه من إيجابيات وسلبيات، يمثل حقيقة أكثر من الواقع لدى كثير من «سكانه». هذا الوضع سمح بظهور عدد من الأنشطة التجارية والاقتصادية. فارتباط معظم سكان العالم بشبكة «النت» جعل منها أكبر سوق عالمية، حيث من الممكن تداول كل شيء، حتى ما يصنف ضمن خانة الممنوعات.
الأمر يتعلق هنا بالمخدرات الرقمية، التي ظهرت منذ سنوات قليلة، ويقول مروجوها إنها تحقق نفس مفعول المخدرات التقليدية، بل الأدهى أنه يتم التسويق لها على أنها قانونية وآمنة وبأسعار زهيدة، في ظل غياب قوانين تنظمها.
فماهي المخدرات الرقمية؟ وكيف تعمل؟ وما مدى تأثيرها على مستهلكيها؟ تجدون الإجابة وأكثر في الموضوع التالي.

تلوح في الأفق محاولات لبيع نوع جديد من المخدرات للمغاربة، خصوصا من المراهقين عبر صفحات بمواقع التواصل الاجتماعي، ومواقع أجنبية. الحديث هنا عن المخدرات الإلكترونية أو المخدرات الرقمية التي غزت عددا من الدول الغربية والعربية.
تتجلى مكامن القلق في أن المراهقين «هدف» يسهل استقطابه، بالنظر إلى تعلقه أولا بالشبكة العنكبوتية، ثم بالنظر إلى ثورة الفضول التي تدعوه إلى تجربة كل ماهو جديد. مثلما هو الحال بالنسبة للسيجارة الإلكترونية التي انتشرت سريعا في مدارس مغربية خاصة بين مراهقين ينتمون إلى الطبقة الميسورة، حيث حولوا تدخين السيجارة الإلكترونية إلى «موضة»، وبالتالي استقطب أصحابها زبائن جدد، عوض مساعدة المدخنين في الإقلاع عن التدخين كما يزعمون.
وهو كلام سبق وأكده لـ «الأخبار» عبد السلام الكرومبي، الكاتب العام للجمعية المغربية لمحاربة التدخين والمخدرات، بالقول إن استهداف المراهقين في فضاء مفتوح مثل الأنترنت أخطر ما يمكن أن يحدث، وهو ما يستدعي مراقبة أكبر من لدن أولياء أمور هؤلاء، كون دائرة مخاطر العالم الرقمي في اتساع. ففيه يتنوع الإدمان ويتباين بين الهوس بمواقع التواصل الاجتماعي، أو الإدمان على المواقع الترفيهية، خصوصا مواقع الرهان والقمار، أو المواقع الإباحية، وحتى المواقع الإخبارية، وغرف الدردشة.
هذا دون الحديث عن مخاطر ما يصطلح عليه بـ «دارك ويب» أي الأنترنت المظلم، أو «ديب ويب» (الانترنيت العميق)، حيث تتم معاملات بين أفراد وجماعات، وحتى دول، قد تهم، على سبيل المثال لا الحصر، بيع وشراء الكوكايين والأسلحة والأعضاء البشرية، أو تكليف قتلة مأجورين بعمليات اغتيال.
بالعودة إلى المخدرات الرقمية، فإنه في الوقت الذي اهتمت فيه منظمة الصحة العالمية بدراسة السيجارة الإلكترونية ومخاطرها، إلا أنها لم تقم لحد الساعة بأي خطوة تجاه هذا النوع من المخدرات التي بدأ تسويقها في مواقع قبل سنوات قليلة. الأبحاث الوحيدة التي قامت بها المنظمة في هذا الجانب تتعلق بالإدمان على شبكة «النت» في حد ذاتها. إذ يعتزم خبراء المنظمة العالمية وضع «التعود» على الأنترنت، (أي الإدمان عليه) ضمن قائمة التصنيف الدولي للأمراض النفسية. وبالتالي سيعامل كل «مدمن أنترنت» على أنه مصاب بخلل نفسي يستوجب معه العلاج.

ماهي المخدرات الإلكترونية؟
هي مخدرات من نوع جديد، تأتي على شكل ملفات صوتية، تستهدف موجات الدماغ مباشرة. كانت البداية من مدينة «أوكلاهوما» بالولايات المتحدة الأمريكية، حيث انتشر خبر عن تجربة خضع لها طلبة أمريكيون ظهرت عليهم أعراض النشوة والسكر رغم أنهم لم يتناولوا مخدرات أو كحول، وإنما استمعوا إلى نوع من الموسيقى بترددات صوتية خاصة.
في ما بعد ستتحول مدينة «أوكلاهوما» إلـ «معقل هذه المخدرات». ومن هناك، وعبر موقع يعد المزود الرئيسي لباقي المواقع حول العالم ويحتفظ بكافة الحقوق، تتم إدارة تجارة بيع المخدرات الرقمية، بطريقة قانونية وشرعية، حسب ما جاء في الموقع ذاته الترويجي. وبالعودة إلى التاريخ، فقد نشأت فكرة المخدرات الرقمية، بناء على تقنية قديمة تسمى «النقر بالأذنين»، اكتشفها خلال القرن التاسع عشر عالم فيزياء ألماني يدعى «هينريش دوف». استخدمت للمرة الأولى في السبعينات لعلاج حالات نفسية لمرضى مصابين بالاكتئاب رفضوا تناول العقاقير. فكانوا يخضعون لجلسات علاج بواسطة ترددات كهرومغناطيسية تحفز خلايا عصبية على إفراز مواد منشطة تعدل مزاج المريض. وثبتت في ما بعد مخاطر هذه العملية التي لم تكن تتعدى ثوان في اليوم الواحد، وتتم تحت إشراف أطباء.
تعتمد فكرة «التعاطي الإلكتروني» لهذه المخدرات أولا في تحميل نوع المخدر المرغوب فيه. وتوفر المواقع المروجة على تشكيلة منتجات بمسميات مختلفة، قسم كبير منها مغر ومثير للفضول.
مئات المنتجات يتم طرحها سنويا، وغالبا ما يتم إعادة طرح المنتجات نفسها، لكن بأسماء جديدة من أجل جلب مزيد من الزبائن الذين يحملونها مقابل دفع المال. في هذا الصدد، يؤكد الموقع الأمريكي، المزود الرئيسي، إن منتجاته تستخدم من قبل الملايين من جميع أنحاء العالم.
يأخذ «المتعاطي» جرعته الرقمية بواسطة سماعات الأذن. وتنصح المواقع الترويجية، باستخدام أفضل أنواع السماعات من أجل تحقيق «متعة أكبر». تتجلى خصوصية هذه المخدرات في استعمال نغمات صوتية بدرجات تردد مختلفة عن بعضها البعض. تذبذبات متباينة من ضعيفة إلى متوسطة، في كل أذن على حدة، تؤثر بذلك على موجات الدماغ، وتؤدي إلى دخول الشخص «المتعاطي» في حالة شبيهة بالتنويم المغناطيسي. وكلما زاد الفارق في الترددات الصوتية بين طرفي السماعة كلما زادت «جرعة المخدر الرقمي».
تأثير المخدرات الرقمية متعدد، كما تتباين درجات قوته بين الشدة والضعف، ويتنوع مفعولها بين التحفيز الحماسي، أو الجنسي، وأخرى تعطي شعورا بالاسترخاء، أو تساعد على النوم، وتهدئة الأعصاب مثلما يزعم بائعوها، معتبرين أن الجميع «سيجدون ما يناسبهم من هذه المخدرات!»، بما فيها الترددات الصوتية التي تحاكي مفعول الكوكايين أو عقاقير الهلوسة، بل حتى إنهم يعرضون للبيع «أدوية رقمية» وهي نغمات صوتية تحاكي في تأثيرها مفعول الأدوية الكيماوية التي يصفها الأطباء للمصابين بأمراض نفسية مثل الاكتئاب.

كيف تعمل هذه المخدرات؟
يسوق أصحاب هذه المخدرات على أن لها نفس مفعول المخدرات التقليدية، فكل نوع منها يمكنه أن يستهدف نمطا معينا من النشاط الدماغي، لكن ميزتها، بحسب مروجيها، أنها رخيصة الثمن مقارنة مع الممنوعات، وقانونية 100 في المائة. وما يجب الإشارة إليه إلى أن قانونيتها هذه تستمدها أصلا من غياب أي قانون ينظمها، أو إجراءات تحجب هذه المواقع.
هذا النوع من المخدرات خطير لدرجة أن مروجيها ينصحون دائما بتحميل كتب توجيهات إلكترونية، مرفقة مع الجرعات المعروضة للبيع، توضح كيفية الاستعمال، إذ إن أي خطأ أو زيادة في مدة استعمال الجرعة الرقمية قد تخرب دماغ المتعاطي. فالأخير (أي الدماغ) يتعرض لضغط كبير ويبذل جهدا مضاعفا من أجل أن يوحد ترددي النغمة في كلتا الأذنين للحصول على مستوى واحد للصوتين، ما يتركه في حالة غير مستقرة.
يورد موقع فرنسي شهادات لمستخدمين جربوا جرعات من المخدر الإلكتروني، بعضهم صرح بأنه بعد عشر دقائق فقط من الاستماع إلى النغمات الصوتية التي حملها من الموقع، بدأت تتراءى له أشياء غريبة داخل غرفته، وأن الجدران بدأت تتموج وتقترب من بعضها البعض، في حين جزم آخرون أنها سببت لهم صداعا وآلاما متفرقة في الرأس والأذنين. بينما أكد آخرون أنهم دخلوا في حالة من الهلوسة وأصابتهم تشنجات في الجسم، ولم يخرجوا من هذه الحالة إلا بعد مرور ساعات.
الحصول على المخدرات الرقمية سهل وبعملية بسيطة. يتم أولا ولوج الموقع الخاص بها، واختيار منتوج معين، ومن تم دفع المال مقابل تحميل النغمة الصوتية المختارة. ومن أي موقع دخلت، سيتم تحويلك مباشرة إلى الموقع الأمريكي المزود الرئيسي. سيتم نقلك إلى «المختبر»- كما يصفونه – بـ «أوكلاهوما» الأمريكية، حيث يعملون على تطوير جميع الجرعات الرقمية.
يسمح لك هذا الموقع الأمريكي بتحميل ثلاثة مقاطع قصيرة لعينات مجانية بغرض تجربتها. متوفرة لكل الأجهزة الإلكترونية أي للهواتف الذكية والأجهزة اللوحية والحواسيب. وفي حال رغبت بـ «جرعة» زائدة من المنتج فإنك تشتريه مقابل مبلغ زهيد لا يتعدى دولارات قليلة.
يتراوح سعر المخدرات الرقمية بين 2 و4 أورو (مابين 21 و43 درهما)، تأتي بمسميات مختلفة، باستثناء نوع خاص يباع بـما يناهز 50 أورو (ما يفوق 500 درهم).
«nirvana»، «kava»، «quick happy» ،«sleeping angel» ،«noanger» ،«antisad» ،«abduction»  وغيرها كلها أسماء لمنتجات جديدة معروضة للبيع. تقتنى بعض الجرعات فردية، وتأتي أخرى في تشكيلة من مخدرات رقمية، يتراوح سعرها في هذه الحالة بين 7 و8 أورو.
يعرض الموقع المخدرات الرقمية في خانات محددة. في خانة «الجنس» مثلا يعرض 10 منتجات، يصف خصائص كل واحدة منها، وشدتها (مخدرات قوية أو متوسطة)، ومدتها الزمنية (في الغالب بين 20، و30، و35، و45 دقيقة) وبطبيعة الحال ثمنها. إلى جانب خانة «الجنس» هناك منتجات أخرى تصنف ضمن خانة «الحب» التي تحقق شعور الوقوع في الغرام وسعادة الحب الأول. ثم هناك خانة «الأدوية الرقمية» حيث تباع مخدرات رقمية تحاكي في تأثيرها العقاقير والمهدئات، وخانة «الروحانيات» وأخرى لـ «الممنوعات» وللجرعات السريعة التي لا تتعدى العشر دقائق. الموقع يستعرض أيضا الكثير من «الخدمات والتسهيلات» من أجل الوصول إلى أكبر عدد ممكن من الزبائن. كما لم يفته أنه يحذر من خطورة استخدام أي مخدرات رقمية مزيفة أو مقلدة، ذلك لكون الموقع الإلكتروني الأمريكي المؤسسة الوحيدة التي تحتكر هذا النشاط.
وسواء كانت مخدرات أصلية أو مزيفة، فإن عددا من الدول العربية من ضمنها لبنان، والإمارات العربية المتحدة، وقطر، والأردن تبذل جهودا كبيرة من أجل حظر المخدرات الرقمية ومكافحة انتشارها وسط الشباب، ذلك بالنظر إلى ثبوت إضرارها بسلامة الدماغ، وخطورتها شأنها شأن الممنوعات التقليدية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى