بانوراما

الانتخابات الرئاسية الأمريكية الحالية

شيكاغو: عبد الله الزبير
تدخل مرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون غمار المنافسة برهان كبير على كفاءة ونجاعة سياستها الخارجية وبحسها البراغماتي في ضمان السلم والاستقرار لكن مع إرث مقلق من الأزمات الصحية وكاهل فضيحة التسريبات البريدية التي مازالت تشغل الرأي العام الأمريكي، بينما يراهن منافسها الجمهوري دونالد ترامب على حسه ونجاحاته الاقتصادية وعلى وعوده للناخب الأمريكي بقدرته على إخراج أكبر قوة اقتصادية وعسكرية وسياسية في العالم من «حفرة سياسات أوباما الفاشلة»، حسب تعبيره في ظل حيرة الكثير من المراقبين حول إمكانية هذا «السياسي المتهور» في قيادة أمريكا والريبة المتزايدة في الوسط السياسي من خطاباته العنيفة والاقصائية تجاه السود والأمريكيين اللاتينيين والمسلمين… سنحاول جاهدين في هذه الجولة الصحافية أن ننقل للقارئ المغربي الصورة كاملة من قلب الحملة الانتخابية؛ سنتعقب الأحداث المتتالية وتطوراتها وسنرصد بعين صادقة ومحايدة المزاج السياسي العام وتقلباته من خلال متابعتنا اليومية لما تتناوله الصحافة الأمريكية؛ المرئية والمسموعة والمكتوبة، ومواكبتنا المتواصلة لردود فعل الشارع الأمريكي.

ترامب يكره المسلمين
في البدء، لابد من تذكير القارئ للأحداث المتعاقبة في مسار الحملة الانتخابية الرئاسية بالولايات المتحدة الأمريكية والمتفاعل معها بأن ينظر في تزايد الخطاب المعادي للمسلمين وأن يعي جيدا أثر لهجته الاقصائية على مزاج السياسي والمثقف والمواطن الأمريكي العادي وفيما قد تفعله بالبنيتين السياسية والسوسيو-ثقافية ليس فقط بأمريكا وحدها، بل بعموم أقطار الغرب إن لم يكن بالعالم بأسره. نحن ملزمون بأن نتذكر جيدا أننا لازلنا نعيش بمزاج ما بعد أحداث شتنبر وهو بالقطع مزاج صعب ومرهق… هناك إشارات عديدة بالساحة السياسية الآن تفيد بحضور الخطابات الواهمة والمتحيزة والمؤدلجة. حضور بقدر ما يؤسس حسب العديد من السياسيين الأمريكيين والأكاديميين والإعلاميين وناشطي المجتمع المدني لفلسفة بئيسة ووقحة في الدعاية الانتخابية، فهو يبعث على مزيد من القلق والخوف والريبة والشعور بالانتكاسة داخل المجتمع الأمريكي، وهذا أمر حذر منه ضمنا الرئيس الأمريكي باراك أوباما في خطابه بمناسبة انطلاقة ألعاب ريو دي جانيرو الأولمبية الأخيرة عندما قال: «نحن أمة من المهاجرين تجد قوتها في تنوعها ووحدتها في فخرها بالوطن».
ذات يوم، قال رونالد ريغان، قديس الحزب الجمهوري الشفيع في العصر الحديث وأحد أبرز الرؤساء الأمريكيين على الإطلاق «إن الحكومة هي المشكلة وليست الحل»، وهي المقولة التي جسدت إلى حد مقبول ومعقول العداء المناهض لنفوذ الحكومة المركزية ويتماشى مع الاختيارات التقليدية للجمهوريين غير أن المشكلة الآن مع  دونالد ترامب هي مشاعر اليأس والخوف والكراهية للأقليات؛ للمسلمين والأمريكيين اللاتينيين تحديدا. فحسب مجلة «بروجيكت سينديكيت» الذائعة الصيت والمتخصصة في التحليل السياسي والتي تتمتع بمصداقية كبيرة لدى الرأي العام العالمي فقد «أنتج الحزب الجمهوري مرشحا رئاسيا يحمل رؤية باهتة قاتمة لآفاق أمريكا حتى أنه يتصور أن البلاد انزلقت إلى هاوية قد لا تخرج منها أبدا. وفي حين لا يزال قسم كبير من العالم يتطلع إلى الولايات المتحدة طلبا للزعامة الدولية الحكيمة، فإن المؤتمر الوطني الجمهوري في كليفلاند -حيث جرى ترشيح ترامب رسميا- لم يعرض شيئا سوى الخوف والكراهية».
حتى حدود الساعة وعلى بعد أقل من شهرين من موعد الانتخابات، مازال الكثير من الأمريكيين يشعرون بنوع من التشتت والامتعاض من خطابات ترامب السوقية. فمرشح الجمهوريين ليس لديه أي مشكلة في استخدام لغة عنصرية مقيتة واتباع منهج استعدائي مهين تجاه أقليات كثيرة من أجل تعزيز طموحاته في الرئاسة. فعندما وصف ترامب المهاجرين المكسيكيين بأنهم «مغتصبون» وأقترح منع المسلمين من دخول الولايات المتحدة الأميركية يكون ترامب حسب بروجيكت سينديكيت قد «تجاوز كل الخطوط الحمراء الممكنة». وهو بالتأكيد مستعد لمزيد من المجازفات على هذا المنوال.
فحسب جينا جونسون، المحللة السياسية بواشنطن بوست، مهاجمة المسلمين» قرار استراتيجي وورقة رابحة» مبرزة كيف أن  دونالد ترامب وعقب مذبحة ملهى مثليي الجنس بأورلاندو لم يتردد لحظة في التذكير بدعمه لفكرة منع المسلمين من دخول الولايات المتحدة زاعما أيضا أن العديد من الأمريكيين المسلمين والمساجد بأمريكا تشكل ملاذا آمنا للإرهابيين كان آخرها في خطاب سياسي ألقاه شهر يونيو الماضي حيث قال: «كثير من مبادئ الإسلام الراديكالي تتعارض مع القيم والمؤسسات الغربية. علينا أن نقول الحقيقة أيضا: الإسلام المتطرف يقترب من شواطئنا. إنه قادم». وغداة الهجوم على مدينة نيس الفرنسية بدا ترامب على قناة «فوكس نيوز» المناصرة للمحافظين مفتونا بحقيقة مناهضته للمهاجرين قائلا إنه «سينفذ إجراءات متشددة لإبعاد الجهاديين الإسلاميين من الولايات المتحدة» وأن هذه الأخيرة «تعيش سيناريو حرب عالمية» متعهدا بأن يجعل دخول المهاجرين من بلدان إسلامية إلى أمريكا صعبا للغاية؛ «سأنفّذ إجراءات تفحص متشددة للغاية، وأكرر متشددة للغاية».
الحقيقة الأكثر وقاحة هو أن يصل ترامب إلى هذه المرحلة الحاسمة من سباق الرئاسة. نعلم يقينا في أمريكا أنه حتى أكثر المتفائلين ماكان ليتوقع أمرا فظيعا كهذا ليحدث. الحقيقة التي تعني بالضرورة أن خطاباته العنصرية تجاه المسلمين رغم وقاحتها تلقى صدى لدى الملايين من الأمريكيين. أخيرا صرح كوري سايلور من مديرية مراقبة ومكافحة الإسلاموفوبيا التابع لمجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية المعروف بـ «كير» أن «الاستهداف المنظم للمسلمين يجعله يحس بنوع من القشعريرة أسفل عموده الفقري» و أن «دونالد ترامب أعطى إذنا للجميع بقول كل تلك الأشياء البغيضة التي يفكر فيها البعض عن الإسلام…».

غموض يقتل هيلاري
إن كان ولابد من عنونة تليق بالمشهد الانتخابي الأمريكي هذا العام فهي عنونة الغموض. هذا على الأقل ما ذهب إليه الكاتب الصحافي ستيفن كولينسون في مقاله «انتخابات الغموض» على موقع «سي إن إن»، الرائد إعلاميا، حيث كتب كولينسون «أن انتخابات هذه السنة تحقق أدنى درجات الشفافية في العصر الحديث» مبرزا حجم الإحباط الذي يشعر به الناخب الأمريكي من وقع هذه الحقيقة المؤلمة على حد تعبيره. فقد تعرضت هيلاري كلينتون لانتقادات حادة لانتظارها طويلا -وهي التي كادت أن تنهار يوم الأحد الفائت خلال تجمع بمناسبة ذكرى الحادي عشر من شتنبر الأليمة من أثر الإعياء- قبل الكشف عن إصابتها بالتهاب رئوي وإعطاء معلومات وافية عن وضعها الصحي. وضع يطرح الآن مجموعة من التساؤلات لدى الرأي العام الأمريكي حول جاهزية المرشحة الديمقراطية لمنصب رئيس الولايات المتحدة وتحاول هيلاري كلينتون بكل السبل الممكنة التغاضي عنه، أو على الأقل طمأنة الداعمين لها معربة عن استعدادها التام لتحمل مسؤولية البيت الأبيض.
هذا الأسبوع وفي إجابتها على سؤال من الإعلامي البارز أندرسون كوبر على قناة «سي إن إن» عن السر وراء إخفائها إصابتها بالتهاب رئوي قالت هيلاري: «لم أعتقد أن الأمر بهذه الأهمية». ثم أضافت: «ما حصل أمر عادي بالنسبة لشخص مشغول ونشط مثلي. لن أهتم وسأواصل السير إلى الأمام. أعتقد أنه من الإنصاف القول، سيدي أندرسون، أن الناس يعرفون المزيد عني. على الأقل أكثر من أي شخص آخر تقريبا في الحياة العامة. لقد حصلوا على أربعين سنة من معاملاتي وإقراراتي الضريبية، عشرات الآلاف من رسائل بريدي الالكتروني، تقريرا طبيا مفصلا عن حالتي الصحية ومعلومات عن كل تفاصيل حياتي الشخصية»، معتبرة أن هذا اللغط المتنامي حول وضعها الصحي لا يعدو مجرد مزايدة سياسية بئيسة من خصومها السياسيين. هذا الاتهام المبطن لترامب دفع مديرة حملته الانتخابية كيليان كونواي للقول وبصراحة في برنامج «يوم جديد» الذي تستضيفه أليسين كاميروتا وكريس كيومو: «حسب علمي، هناك  مرشحان اثنان فقط للرئاسة الأمريكية. واحدة ديمقراطية والآخر جمهوري. مرشحة واحدة فقط من لديها التهاب رئوي وكذبت حول هذا الموضوع، خصوصا للصحافيين، لأنها تعاملهم دائما كمواطنين من الدرجة الثانية».
هذا وكتبت الصحفية الأمريكية بقناة «إي بي سي نيوز» ليز كروتز أن «هيلاري كلينتون ستباشر حمتلها الانتخابية من جديد في خضم اهتمام متزايد بوضعها الصحي وأنه عليها أن تكون مستعدة أكثر هذه المرة لمواجهة مزيد من التساؤلات الدقيقة.» فبعد ثلاثة أيام من الراحة، تعود هيلاري كلينتون إلى سكة الدفاع عن ترشيحها بتجمع انتخابي بولاية نورث كارولينا بعد أن أقر طبيبها الخاص أن «وضعها الصحي جيد للغاية وهي في كامل قواها العقلية». وفي محاولة لطمأنة الناخبين والتقليل من شأن التساؤلات حول صحتها أصرت حملة كلينتون أخيرا، على أن المرشحة الرئاسية «ليس لديها ما تخفيه» وأصدرت بيانا من صفحتين وتضمن شهادات طبية أكدت فيه «أن هيلاري في صحة جيدة و لازالت تصلح لتكون رئيسة للولايات المتحدة». أمر لم يتقبله خصمها ترامب مؤكدا مرة أخرى في كلمة ألقاها خلال تجمع خطابي بولاية أوهيو أن «هيلاري الآن مستلقية على فراش المرض. ولا أعلم أيها الحضور إن كانت هيلاري قادرة على الوقوف هنا بهذه المنصة لساعة أو ساعة ونصف والقيام بما أقوم به أنا الآن».

الرجل الهارب من الضرائب
لعنة الغموض التي تلف حالة هيلاري الصحية تطارد أيضا منافسها الجمهوري دونالد ترامب وإن في موضوع مغاير تماما وربما أكثر حساسية. فمرشح الجمهوريين المثير للجدل وللسخرية أحيانا لم يكشف بعد عن تفاصيل ضريبية دقيقة حول استثماراته وطبيعة معاملاته التجارية في «تحد سافر ومفضوح لتقليد قديم دأب عليه جميع المرشحين السابقين للرئاسة الأمريكية». فقد كتبت الصحافية والمدونة إليزا كولينز بموقع «يو إس توداي» الشهير مقالا مطولا تشرح فيه ورطة ترامب مع الضرائب. فحسب هذه المدونة السياسية، كشفت دارسة قام بها قسم التحقيقات الصحفية التابع للجريدة ذاتها «أنه ومنذ ثمانينيات القرن الماضي، تواجه أعمال دونالد ترامب التجارية قضايا ضريبية كل عام تقريبا وأن هناك المئات من الدعاوى والمنازعات القضائية في سجله بعضها لم يحل بعد». زد أنه ومنذ بدء حملته الانتخابية «خمسة على الأقل من شركاته بما فيها الشركة التي تملك طائرته الخاصة -والتي يستعملها، للمفارقة العجيبة، في تنقلاته بهذه الحملة- تلقت تحذيرات وأوامر من مصلحة الضرائب بدفع مستحقات متأخرة تقدر بملايين الدولارات.
«ترامب لم يدفع سنتا واحدة لمصلحة الضرائب»، هكذا عنون درو هارويل مقاله بصحيفة واشنطون بوست». هذا الإتهام الصريح رد عليه ترامب بسخريته المعهودة «نصنع ثروة ولا ندفع الضرائب. هذا عبث وجنون». لكن الحقيقة المؤكدة حول هذه القضية اللغز أن ترامب يجيد الخداع ويراهن على العديد من الثغرات الفادحة في القانون الأمريكي للتهرب الضريبي. فحسب محللين اقتصاديين ومختصٍين في قضايا الضرائب فمن الممكن أن ترامب يدفع ضرائب دخل منخفضة جدا، أو أنه لا يدفع ضرائب على الإطلاق، وذلك باستخدام تكتيكات متاحة للمستثمرين والمنعشين العقاريين والمضاربين في سوق الأسهم مثل خفض قيمة العقارات مثلا.
ترامب، الذي سيكون أول مرشح رئاسي في الأربعين سنة الأخيرة لا يفسح عن سجله الضريبي، صرح في شهر ماي لقناة «إي بي سي نيوز» أن «مسألة الضرائب مسألة شخصية» وأنه «يعمل قدر المستطاع لدفع القليل». السبب الرئيس حسب زعمه هو أنه «غير مستعد بعد لدفع المال لحكومة تنفقه وتضيعه في الشرق الأوسط وفي أماكن أخرى لا تعنيه من هذا العالم». في حين أن الأمر لا يعدو حسب هارويل مجرد لعبة أمريكية اقتصادية ماكرة يجيدها بمهارة السيد ترامب. لكن ودائما حسب هارويل، فإن هذه الهوية السياسية التي بناها ترامب بقدرته على التلاعب على قانون الضرائب والمناورة والتي سمحت له ببناء إمبراطورية عقارية عملاقة وجني ثروات طائلة مهددة الآن بالانهيار نتيجة الضغط المتصاعد من خصومه السياسيين وحاجته الملحة في جذب المزيد من الناخبين من الطبقة العاملة الذين يشعرون بالاستياء من حقيقة دفعهم لضرائب تفوق ما يدفعه أصحاب المال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى