الرأي

التنظيمات العنقودية؟

مع نهاية رمضان لعام 1436هـ الموافق يوليوز 2015م، أعلنت المملكة كشفها لتنظيمات إرهابية وصفتها بالعنقودية، معلوماتي عن التنظيمات السرية أنها خيطية وهرمية، كما كتبتها في كتابي (النقد الذاتي ـ ضرورة النقد الذاتي للحركات الإسلامية ـ طبع ونشر عام 1982)، والعنقودية جديدة علي، وربما هي لون متطور من التنظيمات الهرمية التي يسهل اختراقها من رجال الأمن. كما أعلنت السلطات القبض على أكثر من 400 عنصر مشتبه فيهم من ثماني جنسيات على الأقل في طريقهم إلى تفجير البلد، وأنهم خلف أحداث المنطقة الشرقية بتفجير مسجد القديح وقتل المصلين الخشع الراكعين، وبالطبع بينهم شباب سعودي متورط.
لست ممن يكتبون في السياسة، بل أحب إلي أن أكتب في الفكر والفلسفة، لقناعتي العميقة أن من يكتب في السياسة، يجب أن ينتبه إلى كلماته المحصية جيدا، ولأنه يجب أن يكتب ما يرضي أجهزة الأمن في الأغلب، فضلا عن الاحتياط البالغ في تقديم التحليلات والتفسير، أما عن النصائح فهي في سلة المهملات لن يأخذها أحد بعين الاعتبار حتى يوم الزلزلة، ولربما قال بعض العقلاء نعم كانت الكلمات منذرة موقظة، ولكن فاتنا الانتباه إليها.
أقول هذا لأنني بين عامي 1993 حتى ربما إلى عام 1997 كتبت 235 مقالة في جريدة «الرياض»، بمقالات موسعة جدا أشبه بأوراق البحث العلمي، بعضها تجاوز 4000 كلمة في صفحة حروف وأفكار، كلها في تأسيس مفهوم السلام الاجتماعي، لا أظن أن يكون أحد انتبه إلى كلماتي فضلا عن نصائحي.
لماذا أذكر بتلك المقالات الدسمة الموسعة؟ لأنه لم يكن قد ألقي القبض على أحد بتهمة الإرهاب، ولم تطلق بعد طلقة في المملكة، ولم يفجر مسجد ويقتل مصلون. وفي المثل العربي درهم وقاية خير من قنطار علاج؟ ولكن هذا ينطبق على الحكيم وليس الأعمى الذي يصطدم بالحائط فينتبه إلى العائق. أكرر أن علاج هذا المصائب ليس بحبة أسبرين (أمنية) لإزالة سرطان دماغي، بل بالعلاج السببي لتفشي مثل هذه الأمراض الذهنية؟
تحدثت في تلك المقالات بأعداد وصلت إلى العشرات، ولو انتبه إليها المسؤولون وطبعوها في كتاب بملايين النسخ وعمموها على الشباب لحقنوا دماء آلاف الناس؟ ولربما أثرت في تربيتهم وكيفية فهمهم للأحداث، ولكن هيهات هيهات لما توعدون؟
تحدثت عن مفهوم اللاعنف (وتحته مفهوم القتال المسلح وتفريقه عن عموم مفهوم الجهاد) باستفاضة، مما دفع (هشام علي حافظ)، رحمه الله، إلى منحي جائزة أفضل مقالة كتبت في العالم العربي، وأكرمونا يومها في بيروت بحفل بهيج. سألته يومها ما هي المقالة التي قررت بموجبها منحي الجائزة السنية؟ قال مقالة صراع ولدي آدم؟ ثم تابع لقد اكتشفتك متأخرا وكنت تستحق جائزة المفكر العام. قلت له بكلماتك هذه اعتبرها وصلت، ثم كان لنا لقاءات وآخرها مشروع وضع تفسير عصري جديد، وبناء حركة أوربية للاعنف (حركة اللاعنف الأوربية الإسلامية (ENOVIM) وقاية للمهاجرين في بلاد الجرمان والطليان وكندا والأمريكان.
أذكر يومها في شتاء عام 1997 حين ذهبت في ثلوج لبنان إلى الحفل، ومما تحدثت به من جديد في كلمة الإلقاء عن مفهوم اللاعنف فلم ينتبه إليه أحد، ولكن الأخ المصري، سليم العوا، حين تحدث عن المقاومة في لبنان صفق له القوم بحماس.
يومها أتذكر أنني قلت له نحن نريد سلاما بين العرب، أما الصراع العربي الصهيوني فهو أمر جانبي. نعم هذه هي فلسفتي. والآن مع مرور الأيام يتوضح هذا الشيء أكثر فأكثر . البارحة كان القتل في كل زاوية من العالم العربي، العراق وتنظيم الدولة بشار البراميلي والحوثيون يقصفون عدن؟
400 عنصر في المملكة يخططون لتفجير البلد ليسوا ـ أحبائي من يقرأ كلماتي ـ سوى رأس جبل الجليد. أعرف تماما أن كلماتي قد يقرأها بعض من يملكون القرار، أو قريبون منهم. أذكر جيدا كتاب (المملكة من الداخل) وكيف بدأت الخطوات الأولى لتحديث الذهنية عند الشباب، حين فوجئ القوم كيف انفجرت الأوضاع فتم اقتحام الكعبة مع مطلع القرن الرابع عشر للهجري. كان ذلك مع إعلان أحدهم أنه المهدي المنتظر.
بالمناسبة هذه الظاهرة يقول بها أقوام وطوائف لا حصر لهم، عن قرب قدوم المخلص بشكل وآخر. يقول الكاتب إن المملكة بعدها كثفت المناهج الدينية في المدارس، ولكن هذا في جانب منه جيد، ولكن أن يأتي في القناة المدروسة بإحكام، ومعنى هذا الكلام وتطبيقه الواقعي أن البرامج الدينية قد تخرج على نحو لا واع مشروع داعش بدون أن يسمى. اليوم داعش غدا ماعش وفاحش الحقائق أهم من الأسماء والشعارات.
وحاليا فإن الفكر التقليدي في الجامع والجامعة يؤسس لروح التطرف بشكل وآخر، وهنا نأتي إلى النقطة الخطيرة؛ أن ما يحدث من جنون الاقتتال في الشرق الأوسط خلفه عقلية خاصة مبرمجة يجب الاشتغال عليها، كي تدخل روح العصر ودنيا السلام، بمعنى التقعيد والتأسيس الفلسفي للطلبة في مدى العشرين سنة المقبلة، فتدخل مواد جديدة في برامج تدريس الطلبة، وتجفف البرامج الدينية، كما تطبع نسخ في ثقافة السلم والعلم بالملايين فتوزع على كل مكتبة ومؤسسة رحلات الطيران. فهذا هو المدخل لتغيير البنية الذهنية، لأن الثقافة الحالية ما زالت تعيش أيام المتنبي، السيف أصدق أنباء من الكتب في حده الحد بين الجد واللعب.
تبقى مشكلة أخيرة، هي أن السياسيين لا يرون أبعد من أرنبة أنفهم؟ تأملوا مثلا حاليا أوباما الذي شارك في قتل نصف مليون في سوريا وإعاقة مليون وتشريد عشرة ملايين، مما مهد لولادة داعش وامتداداتها في الثقافة العربية، بل ووصولها إلى أرض اليانكي، كما سمعنا عن مقتل خمسة من جنود البحرية الأمريكية في تينسي على يد فلسطيني متجنس أمريكي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى