الرأي

«الجابري» ونقد العقل التاريخي 2.2

عبد السلام المنصوري

تتبع «الجابري» اتجاهات الكتابة «الحديثة» وحصرها في ستة منازع أساسية:
(1) الكتب المدرسية: وهي على قلتها من حيث الكم هزيلة من حيث المضمون، وتعاني من إعاقات تكوينية، فهي مشبعة بالروح الوطنية بالقدر الذي يحيد بها عن الموضوعية، وتطغى عليها الأحكام العامة المتسرعة، ويغيب فيها التحقيق التاريخي، كما أنها تحفل بالتناقضات بالقدر الذي يشوش على الطالب.
(2) مؤلفات التحصيل والتجميع: وهي المؤلفات الموسوعية التي اهتمت بمنطقة من المناطق أو مدينة من المدن (المعسول، تاريخ تطوان..)، وتتميز بالإسهاب والتوسع، ويختلط فيها الغث والسمين، ولا تتقيد غالبا بمنهج معين، لهذا فأهميتها في ما تقدمه من موارد ووثائق لا في ما تحاوله من تأريخ.
(3) الحضارة المغربية: ويعرض فيه لكتابات «عبد العزيز بنعبد الله»، وهي تعاني من عيوب نسقية، إذ تبدو مجرد تجميع لمواد متفرقة ومتنافرة تفتقر إلى التماسك والانسجام، وتغيب فيها ذاتية المؤرخ وعطاؤه الشخصي، كما أنها أغفلت الجانب السياسي للحضارة المتعلق بأشكال الحكم ونظم الدولة والمؤسسات.
(4) في التاريخ الحضاري: ويتصدى فيه لمشروع إبراهيم حركات، وهو وإن كان يقدم وعودا كبيرة بالتجديد على مستوى المضمون والمنهج، إلا أنه بدوره يعاني من عيوب أساسية منها: إرسال مطلق الأحكام والاحتماء بالعموميات عند غياب المعطيات الدقيقة، وتجاوز دور المؤرخ لإصدار الأحكام والانتصار لهذا الطرف على حساب ذاك (الانتصار للمنصور الموحدي ضد صلاح الدين الأيوبي مثلا)، كما يعاني الكتاب من تناقضات خطيرة، كأن يرفض سيطرة الفقهاء على مفاصل الدولة المرابطية في موضع، ثم يصرح في كثير من المواضع بما يفيد هذه السيطرة ويؤكدها.
(5) رسائل جامعية: وهي تتميز عن جميع ما سبق بصرامتها العلمية وتجديدها المنهجي. ويقف عند رسالة محمد حجي عن الزاوية الدلائية، ويثمن منهجه الذي يجعل بحثه «بحثا جامعيا جديرا بهذا الاسم»، إلا أنه يأخذ عليه المبالغة في الحياد والاكتفاء بالعرض والوصف، بحيث تغيب «البصمة الشخصية» للمؤرخ. والمفارقة أنه عندما يتدخل فإنه ينقلب إلى واعظ يسدي النصح للدلائيين، وينحرف عن حديث «ما كان» للحديث عن «ما يمكن أن يكون». وقريبا من هذا النقد يوجهه إلى عبد الكريم كريم في كتابه «نشأة دولة الشرفاء السعديين» (6) .مقالات وأبحاث مختلفة: تعرض فيها لبعض مقالات عبد القادر الصحراوي وعبد الله العمراني ومحمد المنوني وابن تاويت، وبين ما فيها من تهافت أو حماسة وطنية أو طغيان الكتابة الأدبية.. الخ
وكما أجاب «ابن عربي» الصوفي «ابن رشد» الفيلسوف في المحاورة الشهيرة. فإن موقفنا من الكتاب ليس ثناء وحمدا كله، فلنا عليه ملاحظات ونقدات. أما «نعم»؛ فقد أهدى الباحث «خالد طحطح» لقية نفيسة للباحثين والقراء، كما قدم لكتاب الجابري بمدخل شديد الغنى والخصوبة، عمل فيه على وضع الكتاب في سياقه التاريخي (نقد الكتابة التاريخية بالمغرب ونقد نقدها)، كما عمل على توطينه ضمن المشروع النقدي والفكري للجابري (مركزية الخلدونية في فكر الجابري)، والأهم أنه قام بتظهير قضاياه الرئيسة مع بعض الملاحظات اللامعة التي تفيد القارئ في رحلته مع الكتاب. كما أغنى الباحث الكتاب بمجموعة من التعليقات والملاحظات النقدية في الهوامش، وهذا كله في ميزان حسنات البحث العلمي. وأما «لا»؛ فإن نشر الكتاب شابه الكثير من التسرع والعجلة، فوقفنا على أخطاء مطبعية، وأخرى لغوية تمنينا تنزيه الكتاب عنها، إذ كان عليه توسيع دائرة النقاش بشأنها بين أصدقائه من القراء والمهتمين، وهو ما يحتم عليه مراجعة دقيقة للطبعة الثانية، سبقناه إلى القيام بها فراجعنا الكتاب حرفا حرفا، تقديرا وعرفانا لهذا الباحث الفذ الذي أخذ من نفسه ووقته وأسرته خالصا لوجه البحث العلمي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى