الافتتاحية

الحزب العابر للمؤسسات

من الخطأ الاعتقاد بأن حالة الهيستيريا الرهيبة التي أصابت حزب العدالة والتنمية تجاه القضاء، والتجييش السياسي والتنظيمي الرهيب الذي أظهره خلال محاكمة عبد العالي حامي الدين، أمر عاد أو رد فعل عابر من تنظيم مدني. فبعيدا عن الأبعاد المتعددة لإنزال بنكيران وصحبه للضغط على المؤسسة القضائية، فإنها تعني شيئا واحدا أساسيا، أن الحزب الحاكم يقوم بالخطوات الأولى للتأسيس لدولة داخل الدولة، ويحاول نسخ تجارب جماعة الإخوان المسلمين في مصر أو حزب الله في لبنان أو حماس والجهاد في فلسطين وغيرها.
إن منطق بناء دولة وسط الدولة لدى الحزب الحاكم، لا يتجسد في محاولة تحصين أعضائه تجاه يد القضاء، والتغلغل في كل دواليب الدولة للسيطرة على مفاصلها، والتحكم في المجال الاجتماعي والإحساني، وتدبير معظم المدن والجماعات، بل يتجلى أكثر في رغبته الجارفة في الاحتكار لنفسه مهمة السلطة التي تمنح التنقيط للمؤسسات وتسلم شهادة حسن السيرة والسلوك لتبرير وجوده كمؤسسة فوق المؤسسات، وليس كما يعلن للعامة أن هدفه هو الدفاع عن سيادة القانون وتقويم المؤسسات، لأننا جميعا نطالب بذلك مع احترام القنوات الشرعية التي تؤدي لذلك، وليس بالاحتجاج على مؤسسات تقوم بواجبها الدستوري.
وفي كثير من الأحداث، أظهر الحزب الحاكم أنه يريد أن يلعب وظيفة عابرة للمؤسسات وليس كحزب يقود الحكومة. ولولا اليقظة المجتمعية والسياسية لتحولت مؤسسات الدولة إلى رهينة داخل الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، التي دفعها جشعها السياسي وعدم احترامها للمؤسسات إلى التطاول حتى على اختصاصات رئيس الدولة، الممنوحة له بقوة الدستور والدين والتاريخ.
ونتذكر جميعا كيف أن الأمانة العامة تقمصت مرارا دور ملك البلاد لمعاتبة وزراء ومسؤولين كبار بالقنوات الإعلامية العمومية والمؤسسات العمومية، ومسؤولي الإدارات الترابية الذين لا يسايرون رغبات الحزب، ومطالبة رئيس الحكومة بإعفائهم، رغم أن سلطة التعيين في هاته المناصب هي مجال محفوظ للمؤسسة الملكية.
بكل صراحة، لم يعد مسموحا، بعد استعراض العضلات الذي قام به الحزب الحاكم خلال جلسة محاكمة حامي الدين، ونزول الوزراء والبرلمانيين ورؤساء الجماعات ومدراء مركزيين بالإدارات، أن نسكت عن طموحات هذا الحزب لسحب الشرعية من المؤسسات، والتمييز بين الجيد منها والرديء، بين القاضي المؤمن والقاضي الشيطان. كما أنه لم يعد مسموحا وجود سلطة تعتبر نفسها فوق المحاسبة وتضغط لتحصين أفرادها ضد قرارات المؤسسات. لذلك، آن الأوان أن يقف هذا العبث الذي سيقودنا نحو المجهول.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى