الرئيسيةخاص

الحكومة تضرب الجامعة العمومية

إعداد: محمد اليوبي – النعمان اليعلاوي
تتجه الحكومة إلى خوصصة قطاع التعليم العالي وضرب الجامعة العمومية، حيث أعلن المجلس الأعلى للتربية والتكوين رفضه لتوجهات الحكومة نحو فتح الجامعات المغربية أمام الرأسمال للاستثمار، وكذلك التمييز بين مؤسسات التعليم العالي الخاص، من خلال تفضيل جامعات خاصة بمنحها معادلات للشهادات التي تمنحها، وإقصاء باقي الجامعات والمعاهد الخاصة، فيما قرر المجلس تأجيل مناقشة التقرير الاستراتيجي حول منظومة التربية والتكوين. ومع اقتراب نهاية الولاية الحكومية، يسابق وزير التعليم العالي والبحث العلمي، لحسن الداودي، الزمن من أجل تمكين حزب العدالة والتنمية من بسط سيطرته على المؤسسات الجامعية، من خلال تعيين قياديين وزوجاتهم بمختلف الجامعات.
أثار القرار الأخير لوزير التعليم العالي والبحث العلمي، لحسن الداودي، حول اعتماد اللغة الإنجليزية شرطا لقبول مناقشة أطروحات الدكتوراه، الكثير من الجدل، ما طرح أسئلة مقلقة حول الإنجازات التي حققتها الحكومة خلال السنوات الأربع التي مرت من ولايتها، في قطاع التعليم العالي، ما عدا القرارات الارتجالية التي تؤكد غياب تصور واضح لدى حزب العدالة والتنمية، الذي يقود الحكومة، لإصلاح التعليم العالي الذي يعاني من الاختلالات.
ومن أبرز هذه القرارات التي تهدف إلى ضرب الجامعة العمومية، إصدار وزارة التعليم العالي لمرسوم تم بموجبه منح اعتراف بالشهادات الجامعية التي تمنحها خمس جامعات دولية خاصة مرخص لها بالمغرب.
وفي خطوة مفاجئة، أعد وزير التعليم العالي والبحث العلمي لحسن الداودي، مراسلة تم تعميمها على رؤساء الجامعات المغربية ومراكز البحث العلمي، يطلب فيها عدم قبول مناقشة أي أطروحة دكتوراه جديدة إلا بشروط جديدة تتمثل، أساسا، في وجوب نشر مقالة واحدة على الأقل باللغة الإنجليزية من طرف الطالب الباحث المقبل على المناقشة. كما جاء في مضمون المراسلة ضرورة اعتماد مراجع بهذه اللغة، وكذا إنجاز ملخص للدكتوراه بالإنجليزية، وإشراك أستاذ داخل لجنة المناقشة يتقن هذه اللغة. كل هذا بمبرر «النهوض بالبحث العلمي بالجامعات وتحسين مخرجاتها والاستفادة من نتائجها بمختلف أنواعها»، كما جاء في المراسلة التي تم تعميمها على رؤساء الجامعات.
هذا وشكك الحسين المزواري، طالب باحث، والمنسق الوطني للتنسيقية المغربية للدكاترة والطلبة الباحثين، في النوايا الحقيقية وراء هذا القرار الذي لم يأخذ بعين الاعتبار وجهة نظر المعنيين وإشكالاتهم في هذا الموضوع. وقال المزواري، في مقال له حول الموضوع: «كما نخشى أن يكون الغرض منه فعلا هو التأخير بغرض تأجيل أزمة الخريجين الجدد الحاملين لشهادة الدكتوراه، والذي يلوح في الأفق، وربما تخشى الحكومة أن تنضاف أزمتهم إلى أزمة جمهور المعطلين أصحاب الشهادات الجامعية الذين لم تفكر الحكومة يوما ما في إيجاد أي حل لبطالتهم»، معبرا عن تخوفه من أن يكون هذا القرار يرمي إلى غلق الأبواب في وجه خريجي الجامعات العمومية من التسجيل في سلك الدكتوراه، لكي يعطي الأفضلية لخريجي المعاهد الخاصة التي بدأت الوزارة فعلا باعتماد شهاداتها ومنحها حق تسجيل باحثين في سلك الدكتوراه.
وأضاف المزواري: «وإذا كانت الوزارة صادقة في ما ترنو إليه من تطوير ملكة الإنجليزية عند الطلبة الباحثين، فمن الذي يمنعها من أن تُضْمن في مراسلتها أيضا إلزام هذه الجامعات بتقديم تكوينات مجانية ومعمقة للطلبة الباحثين في مادة اللغة الإنجليزية، عوض أن تنزل بهذا القرار كالصاعقة على رؤوس الباحثين، وتتركهم عرضة لسماسرة اللغة الإنجليزية في المدارس الخاصة ومراكز الترجمة».
ومن بين الانتقادات التي وجهها المجلس الأعلى للتربية والتكوين لمشروع القانون الذي أعده الداودي، أنه لم يتناول النظرة الشمولية لإصلاح التعليم العالي، واكتفى بالتركيز على النقطة الجوهرية في المشروع، وهي تمكين بعض الجامعات الدولية المحظوظة دون أخرى من الحصول على معادلة الشهادات العليا، في إطار ما يعرف بقطاع الشراكة عام- عام، والتي اعتبر المجلس أنها «لا تستند على أي أساس قانوني»، مشيرا إلى غياب أي تعريف لهذه العبارة المبتكرة لأول مرة في القانون، لا يمنع من الاستنباط، انطلاقا من المقتضيات المقتضبة الواردة بشأنها، أن مجالها قد ينحصر في الشراكات بين هيئات التعليم العالي العمومي والمؤسسات التابعة للدولة ولفروعها، لينحصر العمل في مجال نظام الشراكة داخل القطاع العمومي، ويبتعد بالتالي عن المعنى المتداول المتمثل في التعاون بين الدولة والخواص.
واعتبر المجلس أن الإحالة على الفصل 71 من الدستور لإحداث مؤسسات التعليم العالي في إطار الشراكة، يستفاد منه أن الشكل الذي يجب أن تتخذه الجامعة المستهدفة ينحصر في «المؤسسة العمومية» أو في «أي شخص اعتباري خاضع للقانون العام». كما اعتبر أن صيغة عام/عام تحصر المشاركة في مساهمة الرأسمال والفرقاء العموميين، فإن طبيعة الجامعة تفرض إنشاءها بقانون في شكل مؤسسة أو مقاولة شبه عمومية، ومن ثم، يبدو مصطلح شراكة غير مناسب بوجود مؤسسة عمومية، بل إن تكرار عام/عام يمثل في حد ذاته نفيا لشراكة فعلية.
ومن جهة أخرى، اعترف الداودي بفشله في القضاء على ظاهرة الاكتظاظ في مدرجات الكليات التابعة لمختلف الجامعات الغربية، وعدم قدرته على الحد منها، مستسلماً أمام أعداد الطلبة التي تلج المدرجات مع بداية كل موسم جامعي، بقوله: «الغالب الله، الاكتظاظ ورثناه عن الحكومات السابقة». وبرر الداودي فشله على رأس الوزارة، طيلة الأربع سنوات الماضية، في إيجاد حل لظاهرة الاكتظاظ، خلال حديثه في جلسة برلمانية، بقوله: «لقد قمنا بتنفيذ برامج وزارية من أجل تجاوز الاكتظاظ، لكن مع الأسف الغالب الله»، مع العلم أنه «تخصص موارد مالية تمنح للقطاع من أجل أن يتجاوز أزمة المدرجات».

هذا هو مصير مشروع تعديل القانون “00-01” المنظم للتعليم العالي

وجه المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، صفعة قوية إلى لحسن الداودي، وزير التعليم العالي والبحث العلمي، بعد تحفظه على مشروع تعديل القانون “01-00” المنظم للتعليم العالي، قبل عرضه على المجلس الحكومي والبرلمان للمصادقة عليه.
وطالب المجلس بإعادة النظر  في مشروع القانون المُغير والمُتمم للقانون “01-00” من حيث تصوره، وبناؤه وشكله وأهدافه، لكي يستجيب، حقا، للتحديات الحاضرة والمستقبلية التي يواجهها التعليم العالي بالمغرب، وذلك من خلال إنجاز تعريف أكثر دقة وشمولية للتعليم العالي، وللخدمة العمومية المراد تقديمها للشباب المغربي في ظل تعددية العرض الجامعي وتفاوتاته، مع الاحترام التام لمقتضيات الإنصاف وتكافؤ الفرص، في الجامعات، وفي مؤسسات تكوين الأطر البيداغوجية التي يدرس بها التعليم العالي العام.
وأوصى المجلس بالحرص على تعزيز استقلالية الجامعة، كما نص على ذلك الميثاق الوطني للتربية والتكوين، وتفادي إجراءات لا تشجع على استقلاليتها الذاتية على المستويات المالية، والإدارية، والتربوية، والأكاديمية والثقافية، والعمل على توسيع وتطوير مهامها الجديدة لتساهم، مباشرة، في التنمية الاقتصادية والاجتماعية بفضل تكوين ذي جودة، وبحث علمي يحترم المعايير المعتمدة عالميا. كما أوصى المجلس أن تمارس الجامعة جميع الصلاحيات المخولة لها، في إطار الاستقلالية الذاتية والحكامة المسؤولة، بما في ذلك تدبير مواردها والاحتفاظ بها وتصريفها بنجاعة، والنظر في وضع شروط ولوج مهنة الأستاذ الباحث، والتقييم والترقية والانتقال بناء على قواعد أكثر شفافية وإنصافا وموضوعية، مع ضرورة مراجعة وملاءمة القوانين ذات الصلة الجاري بها العمل، فضلا عن إعادة النظر في طرق اختيار وتعيين رؤساء الجامعات والعمداء ومديري المؤسسات الجامعية، بناء على معايير الكفاءة، والتنافسية، وشروط تثمين مناصب المسؤولية، والتفكير في وضع إطار جديد لانتقاء رئيس الجامعة بشكل متزامن مع تعيين عمداء الكليات ومديري المؤسسات الجامعية، بشكل يسمح بالتباري على مشاريع للجامعة تتضمن ما يلزم من الانسجام والتكامل بين المؤسسات المكونة للجامعة، لتفادي التضارب بين مشروع رئيس الجامعة ومشاريع العمداء.
وأكد المجلس أن التجربة أثبتت صعوبات تدبير مؤسسات التعليم العالي حاليا، ما يستدعي إعادة النظر في هيكلة وتركيبة وعدد أعضاء مجلس الجامعة. ودعا مجلس عزيمان إلى وضع معايير وقواعد موحدة تسري على جميع مؤسسات التعليم العالي العام، كما على التعليم العالي الخاص في إطار دفاتر تحملات دقيقة وملزمة تحدد بوضوح، وبشكل مؤسسي ُمنصف، شروط الإشهاد والمعادلات بخصوص موضوع الدبلومات والشهادات، وأن تقدم مؤسسات التعليم العالي خدمة عمومية ذات جودة، بموارد تمويل مناسبة ومتنوعة، سواء كانت عمومية أو خاصة، وأن تكون لها، بقوة القانون، موارد خاصة من خلال مشاركتها في طلبات العروض، أو أن تستثمر وتدخل في شراكات، مع إدماج الطلبة الباحثين في مشاريع البحث، علما أن الدعم الحكومي لمنظومة التعليم العالي والبحث والابتكار، أساسي لضمان التوازن بين المهام التكوينية والوظائف الاجتماعية.
وخلص المجلس الأعلى للتربية والتكوين إلى أن تثمين مبادرة الحكومة إحالة مشروع القانون بتغيير وتتميم القانون “01-00” لإبداء رأي مناسب، يعتبره منسجما مع التصورات المستقبلية لما يمكن أن تكون عليه منظومة التعليم العالي، ذلك أنه بعد 14 سنة من بداية تطبيق القانون الحالي، تبدو الحاجة ماسة إلى التفكير في معالجة الاختلالات والنواقص، وفي المستجدات التي ظهرت أثناء تطبيقه، علاوة على استكمال بنياته المؤسسية والتنظيمية وتطويره اعتمادا على رؤية منسجمة. غير أن مشروع القانون اكتفى بمقاربة تروم تقنين الواقع وبإعلان عن نوايا وإشهار مبادئ عامة. وتبين للمجلس الأعلى أن اللجوء إلى منهجية تغيير وتتميم النص الجاري به العمل، لا يتوافق مع الرغبة في تحقيق مراجعة شمولية، والتخلص من اللبس المفترض وتوضيح المرامي. كما أن نوعية الصياغة، وعدم التقيد بالمصطلحات القانونية يساهمان في افتقاد العديد من مقتضيات مشروع القانون للطابع المعياري، بحيث يطغى الشعور بأن المشروع ما يزال في مرحلة التحضير الأولية، وأن المشاكل المنهجية والقانونية التي يطرحها، تدفع نحو إعادة التفكير في الاختيار بين سلوك طريق التعديل وطريق نسخ النص برمته، وبين تعويضه بقانون جديد متماسك وواضح يستجيب لعمق وحجم التغيرات المراد إدخالها.
وبعد تحفظ المجلس الأعلى للتربية والتكوين على مشروع القانون، وجد لحسن الداودي، نفسه في ورطة دستورية، وسارع إلى تشكيل لجنة وزارية تعمل تحت رئاسة وزيرته المنتدبة، جميلة المصلي، من أجل البحث عن مخرج قانوني ودستوري لهذه الورطة، أمام الضغط الزمني والوعود التي قدمها الداودي للمستفيدين من هذا التعديل.
وأوضحت المصادر أن الداودي يتدارس خيارين لا ثالث لهما: أولهما عرض مشروع القانون بالصيغة التي رفضها المجلس الأعلى للتربية والتكوين، على المجلس الحكومي للمصادقة، ثم إحالته على البرلمان للدراسة والتصويت عليه، وهذا ما ستترتب عنه أزمة دستورية بين الحكومة وباقي المؤسسات الدستورية، وبالخصوص البرلمان باعتباره مؤسسة تشريعية والمجلس الأعلى للتربية والتكوين باعتباره مؤسسة دستورية، خاصة أن المادة الثانية من القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس، تنص على إبداء الرأي لفائدة الحكومة والبرلمان بشأن مشاريع ومقترحات القوانين والقوانين التنظيمية والنصوص التنظيمية التي يعرضها عليه من أجل ذلك رئيس الحكومة أو رئيس مجلس النواب أو رئيس مجلس المستشارين، حسب كل حالة، سيما مشاريع ومقترحات القوانين التي تضع إطارا للأهداف الأساسية للدولة في ميادين التربية والتكوين والبحث العلمي. ويجب أن يدلي المجلس برأيه في القضايا والمشاريع والمقترحات والبرامج المحالة عليه خلال أجل لا يتجاوز شهرين، وتقلص هذه المدة إلى شهر إذا دعت الضرورة إلى ذلك. وأثيرت حالة الاستعجال في رسالة الإحالة الموجهة إلى المجلس من قبل رئيس الحكومة أو رئيس أحد مجلسي البرلمان.
والخيار الثاني المطروح أمام وزير التعليم العالي، حسب المصادر ذاتها، هو إعادة النظر في القانون شكلا ومضمونا انسجاما مع توصيات المجلس الأعلى للتربية والتكوين. وفي هذه الحالة سيكون من المفروض عليه إحالة مشروع القانون مرة أخرى على أنظار المجلس لإبداء الرأي فيه، وهذا سيتطلب المزيد من الوقت، ما يجعل هذا الخيار مستبعدا، لأن الداودي عازم على تمرير القانون خلال الولاية الحكومية الحالية، طبقا لمصادر جريدة «الأخبار»، التي أكدت أن أطر الوزارة وجدوا أنفسهم أمام سابقة، لأنه لأول مرة يحال مشروع قانون على المجلس الأعلى ويتحفظ عليه، ويوصي بإعادة صياغته شكلا ومضمونا. وخلص المجلس إلى أن المشاكل المنهجية والقانونية التي يطرحها، تدفع نحو إعادة التفكير في الاختيار بين سلوك طريق التعديل وطريق نسخ النص برمته، مع تعويضه بقانون جديد متماسك وواضح، يستجيب لعمق وحجم التغييرات المراد إدخالها.

الداودي يضرب الجامعة العمومية ويعترف بجامعات للتعليم العالي الخاص
لم ينتظر لحسن الداودي، وزير التعليم العالي والبحث العلمي، حسم الصيغة النهائية للتعديلات التي تقترحها وزارته على القانون المنظم للتعليم العالي، بعد تحفظ المجلس الأعلى للتربية والتكوين على العديد من التعديلات، وسارع إلى إصدار مرسوم صادق عليه المجلس الحكومي، يتعلق بتحديد قائمة الجامعات والمؤسسات التي تربطها اتفاقية شراكة مع الدولة في مجال تطوير التعليم والتكوين والبحث العلمي، وهي الجامعة الدولية بالرباط، وجامعة محمد السادس لعلوم الصحة بالدار البيضاء، والجامعة الدولية الزهراوي لعلوم الصحة بالرباط، وجامعة محمد السادس متعددة التقنيات ببنجرير، والمدرسة المركزية بالدار البيضاء، ومدرسة الهندسة المعمارية بالدار البيضاء.
وحسب القانون المنظم للتعليم العالي، يعتبر اعتراف الدولة بإحدى مؤسسات التعليم العالي الخاص بمثابة إشهاد على المستوى العالي لجودة التكوينات المدرسة بهذه المؤسسة، ويعلن عن هذا الاعتراف بعدما يتخذ استطلاع رأي اللجنة الوطنية لتنسيق التعليم العالي، ويؤشر رئيس الجامعة الذي يعين بنص تنظيمي على الشهادات المسلمة من مؤسسات التعليم العالي الخاص المعترف بها من لدن الدولة، وتقبل الشهادات المذكورة لمعادلة الشهادات الوطنية، ويسمح القانون بمساهمة أساتذة التعليم العالي العام في التكوين بهذه المؤسسات، كما يمكن إلحاق الموظفين العموميين لدى مؤسسات التعليم العالي الخاص، كما أن الطلبة المسجلين بهذه المؤسسات يتم قبولهم بمؤسسات التعليم العالي العام على أساس معادلة شهاداتهم أو مستواهم الدراسي، وكذلك يسمح لهم باجتياز المباريات والامتحانات المماثلة لتخصصهم في مؤسسات التعليم العالي العام وولوج أسلاكها.
وأكد عبد الكريم مدون، عضو لجنة تنسيق التعليم العالي، أنه باعتباره ممثلا عن النقابة الوطنية للتعليم العالي داخل اللجنة، سجل تحفظه على المرسوم الذي عرضه الداودي على أنظار اللجنة، وحذر من استهداف الجامعة العمومية بهذا المرسوم الذي سيخول لمؤسسات التعليم الجامعي الخاص مجموعة من الامتيازات على حساب التعليم الجامعي العمومي الذي يلجه حوالي 95 في المائة من أبناء المغاربة، وكشف مدون أنه بعد الاعتراف بهذه المؤسسات ستكون الدولة ملزمة بتخصيص مجموعة من الاعتمادات المالية وتوفير الدعم للجامعات الخاصة المعترف بها، رغم أن الجامعة العمومية هي في أمس الحاجة إلى هذه الإمكانيات، وقال مدون إن هذه تستفيد من دعم مباشر ومن توفير البنايات والوعاء العقاري، كما أنها تخضع للمراقبة المالية البعدية خلافا للجامعات العمومية التي تخضع للمراقبة المالية القبلية. وأشار إلى أن هذا المرسوم سيتسبب في خلق فوضى عارمة بالتعليم العالي، وسيضرب مبدأ الإنصاف والعدالة الاجتماعية.
ويأتي قرار الداودي في وقت أعلن فيه المجلس الأعلى للتربية والتكوين عن رفضه لتوجهات الوزير الهادفة إلى فتح الجامعات المغربية أمام الرأسمال للإستثمار، وكذلك التمييز بين مؤسسات التعليم العالي الخاص، من خلال تفضيل جامعات خاصة بمنحها معادلات للشهادات التي تمنحها، وإقصاء باقي الجامعات والمعاهد الخاصة، والتي يفوق عددها 200 مؤسسة جامعية للتعليم العالي الخاص، ومن بين الانتقادات التي وجهها المجلس الأعلى لمشروع القانون الذي أعده الداودي، هي أنه لم يتناول النظرة الشمولية لإصلاح التعليم العالي، واكتفى بالتركيز على النقطة الجوهرية في المشروع وهي تمكين بعض الجامعات الدولية المحظوظة دون أخرى من الحصول على معادلة الشهادات العليا، في إطار ما يعرف بقطاع الشراكة عام-عام، والتي اعتبرها المجلس “لا تستند على أي أساس قانوني”، مشيرا إلى غياب أي تعريف لهذه العبارة المبتكرة لأول مرة في القانون، لا يمنع من الاستنباط، انطلاقا من المقتضيات المقتضبة الواردة بشأنها، أن مجالها قد ينحصر في الشراكات بين هيئات التعليم العالي العمومي والمؤسسات التابعة للدولة ولفروعها، لينحصر العمل في مجال نظام الشراكة داخل القطاع العمومي، ويبتعد بالتالي عن المعنى المتداول المتمثل في التعاون بين الدولة والخواص.
واعتبر مصدر من المجلس الأعلى للتربية والتكوين، أن القرار المتسرع للوزير الداودي، دليل على عدم اهتمامه بمؤسسة دستورية هي المجلس الأعلى للتربية والتكوين، وكأن رأي المجلس بخصوص موضوع الشراكة لا يهمه، خاصة أن الجامعات التي ستستفيد من الشراكة ستمنح دبلومات تعادل الدبلومات الوطنية التي تمنحها الجامعات العمومية، مشيرا إلى الجدل الذي أثاره مرسوم وزير التعليم العالي والمتعلق بالاعتراف بالدبلومات التي تمنحها مؤسسات التعليم العالي الخاص، وهو المرسوم الذي وضع شروطا تعجيزية أمام مؤسسات دون أخرى، قبل أن يقترح الداودي تعديل القانون بإضافة مادة إلى القانون تتعلق بالشراكة عام-عام، ومحاولة تمرير القانون عبر البرلمان.

الحكومة تغلق باب التوظيف بالجامعات وترفع تقاعد الأساتذة الجامعيين إلى 71 سنة

 تتجه الحكومة إلى إغلاق باب التوظيف بالمؤسسات الجامعية، ورفع سن تقاعد الأساتذة الجامعيين إلى 71 سنة، وذلك حسب مشروع القانون الذي صادق عليه المجلس الحكومي أخيرا، والذي أحيل على غرفتي البرلمان، ضمن مشاريع القوانين الخاصة بإصلاح نظام المعاشات المدنية وتوسيع التغطية الاجتماعية.
وأكد لحسن الداودي، وزير التعليم العالي والبحث العلمي، في تصريح نشره الموقع الرسمي لحزب العدالة والتنمية، على رفع سن تقاعد الأساتذة الجامعيين إلى 71 سنة، وأوضح أنه يمكن لأساتذة التعليم العالي أن يستمروا في التدريس داخل الجامعات ست سنوات إضافية إن هم رغبوا في ذلك، على اعتبار أن القانون المعمول به اليوم يحدد سن تقاعدهم في 65 سنة، مضيفا أن هذا القرار يبقى «اختياريا»  وليس «إلزاميا» بالنسبة لأساتذة التعليم العالي.
هذا وعقد المكتب الوطني للنقابة الوطنية للتعليم العالي اجتماعا مع وزير التعليم العالي، بخصوص ملف الترقي من إطار أستاذ مؤهل إلى إطار أستاذ التعليم العالي، ولتهييء اللقاء المرتقب مع رئيس الحكومة حول الدرجة الاستثنائية والدرجة «د» في إطار أستاذ التعليم العالي، وكذلك حول مناقشة اقتراح بخصوص النظام الخاص لتقاعد الأساتذة الباحثين.
ودعا المكتب الوطني للنقابة إلى تسريع وتيرة عمل اللجنة المشتركة الخاصة بالنظام الأساسي للأساتذة الباحثين، وجدد تأكيده على ضرورة إعفاء تعويضات البحث العلمي من الضريبة على الدخل، داعيا الحكومة إلى إعادة النظر في أجور الأساتذة الباحثين.
وجدد المكتب الوطني للنقابة مواقفه السابقة من المشروع الحكومي لإصلاح أنظمة التقاعد، ورفضه لتحميل الأجراء والموظفين تبعات الفساد والاختلالات التي عرفتها صناديق التقاعد، محذرا من الآثار السلبية على رواتب الأساتذة الباحثين لهذا المشروع، في الوقت الذي يتطلع الأساتذة الباحثون إلى استدراك ما ضاع من قدرتهم الشرائية بسبب جمود رواتبهم لعشرين سنة.
واتفق أعضاء المكتب الوطني للنقابة الوطنية للتعليم العالي مع وزير التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر، في اجتماع بحضور مديرة الموارد البشرية ومدير الشؤون القانونية، على معالجة مجموعة من النقاط في الملف المطلبي. وأوضحت النقابة أنه «وقع التأكيد على أن نظام التقاعد الخاص بالأساتذة الباحثين نظام خاص على مستوى سن التقاعد الذي يبقى بالنسبة للأساتذة الباحثين في 65 سنة ويمكن تمديده حسب رغبة الأستاذ سنتين قابلة للتمديد مرة واحدة».
وأضافت النقابة أن من بين نقط الاتفاق التأكيد على «ضرورة تفعيل الدرجة الاستثنائية الخاصة بأساتذة التعليم العالي (ج) من خلال تجويد المرسوم ومواكبته، لانحباس المسار المهني للأساتذة الباحثين، وتعميق النقاش في هذه القضايا وكل ما يتعلق بالتعليم العالي والبحث العلمي في اللقاء المرتقب مع رئيس الحكومة».
وكشفت المصادر عن وجود خصاص كبير تعرفه الموارد البشرية بقطاع التعليم العالي والبحث العلمي، وخصوصا في فئة أساتذة التعليم العالي، حيث يعرف القطاع نزيفا سنويا يتراوح ما بين 400 و800 أستاذ يغادرون الجماعات، بسبب وصولهم إلى سن التقاعد المحدد في 65 سنة. وحسب التوقعات التي أعلن عنها لحسن الداودي، أثناء تقديم الميزانية القطاعية لوزارة التعليم العالي، أمام لجنة التعليم بمجلس النواب، سينخفض عدد الأساتذة الباحثين بالتعليم العالي الجامعي من 12 ألف أستاذ سنة 2015 إلى أقل من 10 آلاف أستاذ نهاية سنة 2019، أي بنسبة تتجاوز ناقص 14 في المائة سنويا، وذلك بسبب ارتفاع عدد الأساتذة الذين يصلون سن التقاعد. ومن خلال التوقعات الرسمية، فإن عدد المتقاعدين الذين غادروا مدرجات الجامعة سنة 2014، بلغ 498 أستاذا، وخلال السنة الماضية 636، وخلال السنة الحالية سيرتفع العدد إلى 795، وفي السنة المقبلة سيصل إلى 833، وفي سنة 2018 سيصل إلى 960 متقاعدا، ليصل إلى 1010 أساتذة جامعيين متقاعدين سيغادرون الجامعة مع مطلع سنة 2019. ولتجاوز الخصاص، فإن وزارة التعليم العالي في حاجة إلى توظيف ألف أستاذ جامعي سنويا للحفاظ على مستوى التأطير البيداغوجي في حدود 52 طالبا لكل أستاذ.
وعوض تخصيص الحكومة لمناصب مالية جديدة لسد الخصاص المهول بقطاع التعليم العالي، وفي ظل سياسة التقشف في التوظيف التي تنهجها، لجأت إلى حيلة بإلحاق الموظفين الحاصلين على شهادات الدكتوراه الذين يعملون بمختلف القطاعات الحكومية الأخرى، وإلحاقهم للعمل بقطاع التعليم العالي أساتذة للتعليم العالي مساعدين، بعد اجتياز مباريات تعلن عنها المؤسسات الجامعية. وفي هذا الإطار، خصصت الوزارة، ضمن قانون المالية لسنة 2014، حوالي 500 منصب لإلحاق الدكاترة العاملين بالوظيفة العمومية، مع الاحتفاظ بمناصبهم المالية بالقطاعات التي كانوا يعملون بها دون تعويضها.

عبد الكريم مدون : الحكومة لا تتوفر على استراتيجية للجامعة العمومية وتوجهاتها تهدف إلى خوصصتها

  • ما تقييمكم لعمل الحكومة في مجال التعليم العالي؟

أعتقد أننا إذا أردنا أن نضع تقييما علميا ودقيقا فالأمر يحتاج لكثير من الوقت، لكن من خلال النتائج الأولية التي رصدناها خلال هذه المرحلة فقطاع التعليم العالي يعرف الكثير من المشاكل، بل أكثر من ذلك أن الكثير من المكتسبات التي تحققت في أواخر القرن الماضي وبداية القرن الحالي عرفت تراجعا كبيرا، وتكفي العودة إلى مؤشرات من قبيل أن عدد الطلبة الجامعيين تضاعف خلال العشرية الأولى من القرن الحالي وهو ما واكبه تراجع في مستوى التأطير، فالمناصب المالية الجديدة المخصصة لأستاذة التعليم العالي لا تتعدى 500 منصب في السنة في الوقت الذي يرفع عدد المغادرين من خلال التقاعد وسيصل في عام 2018 إلى 4000 أستاذ متقاعد.
من جهة ثانية، فتزايد عدد الطلبة أثر على جودة ومردودية نظام الدكتوراه والماستر والإجازة بحيث أن هذا النظام يحتاج إلى مجموعات صغيرة وإلى مؤطرين أكثر، لذلك فارتفاع عدد الطلبة الذي يقابله انخفاض كبير في عدد الأساتذة المؤطرين أثر على السير العادي لهذا النظام، دون إغفال أن الحكومة لم يكن لها تصور استراتيجي للمطلب الاجتماعي للتعليم العالي، حيث لم تضع هذه الحكومة نظرة استراتيجية لحاجة المجتمع إلى التعليم العالي، وعلى سبيل المثال فالمقترح المتعلق بفتح كلية متعددة التخصصات في تاونات ينطلى على البعد الأمني المرتبط بما يحدث في كليات فاس أكثر من البعد العلمي الاجتماعي المبني على استراتيجية واضحة.

  • هل الأمر نفسه ينطبق على البحث العلمي؟

الميزانية المخصصة للبحث العلمي لم تصل إلى المعدل المطلوب، وهو تخصيص 1 في المائة من الناتج الداخلي الخام للبحث العلمي، هذا إذا استحضرنا أن البنيات التحتية للمختبرات ولفرق البحث ولمركز البحث لا ترقى إلى مستوى تطوير البحث العلمي، بالإضافة أيضا إلى أن مهام الأستاذ اصبحت متعددة وبالتالي فهذا التعدد يكون على حساب البحث العلمي، إضافة إلى أن الحكومة تأبى التعاون مع النقابة الوطنية للتعليم العالي، فقد اشتغلنا على نماذج ومخططات لتطوير الجامعة المغربية ولكن للأسف جدنا بأن هذه الحكومة تعمل على قتل الجامعات العمومية المغربية من خلال فتح جامعات خاصة ومؤدى عنها.

  • ما موقفكم من توجه الوزارة نحو توقيع شراكة مع الجامعات الخاصة والاعتراف الرسمي بها؟

إن التوجه الذي سلكته الحكومة الحالية ودعمته بشكل كبير يتمثل في فتح الباب على مصراعيه للجامعات الخاصة، حيث إن الدولة تمنح الوعاء العقاري لهذه الجامعات من أجل بناء مؤسساتها كما تمنحها قدرا ماليا سنويا أكثر مما تعطي للجامعة العمومية، هذا بالإضافة إلى أن هذه الحكومة عوض أن تصدر قانونا فيه دفتر تحملات يحمي الجامعة العمومية، فإنها تصدر مراسيم لإعطاء الحق لهذه المؤسسات المؤدى عنها لإعطاء وتسليم شهادات تحمل نفس صفة الشهادات الممنوحة من الجامعات العمومية، وهو ما نعتبره قتلا للجامعات العمومية ولطاقات هذه الجامعات، ولمستقبل البلاد، لأن الكفاءات العلمية والاقتصادية والسياسية لا تأتي إلا من الجامعة العمومية، فهناك الكثير من الدول التي ذهبت في منحى خوصصة القطاع ثم تراجعت عن هذا الأمر لخطورة النتائج التي يسفر عنها، فما سارت فيه الحكومة حتى اليوم هو القضاء النهائي على الجامعة العمومية.

  • أين وصل ملف إصلاح القانون المنظم للتعليم العالي؟

إن النقابة الوطنية للتعليم العالي كانت تشتغل مع الوزارة الوصية على مشروع التعديل الشامل لقانون المنظم، ولكن لاحظنا أن الهدف الأساسي بالنسبة للوزارة هو إدخال مؤسسات التعليم العالي الخاصة في إطار الشراكة، ولم يكن هدفها الأساسي التغيير الشمولي الذي يواكب التطور المجتمعي وحاجة المجتمع المغربي إلى البحث العلمي والتعليم العالي، وبناء على هذا التوجه الذي عبرت عنه الوزارة قررنا ألا نواصل النقاش معها حول تعديل القانون، ورغم ذلك فالوزارة غيرت النظام بالشكل الذي أرادت وبعثته إلى المجلس الأعلى للتربية والتكوين من أجل إبداء ملاحظته حوله، وهو ما كان حيث قال المجلس الأعلى كلمته بالدعوة إلى إعادة النظر في هذا القانون ويجب أن يرتبط بالثلاثي الذي طرحته النقابة والمتمثل في الانصاف والشراكة والعدالة، وبالتالي فالأمانة العامة للحكومة أوصت الوزارة بضرورة الأخذ بتوصيات المجلس الأعلى للتربية والتكوين.

3 أسئلة لـ محمد بنساسي : «قطاع التعليم العالي والبحث العلمي عرف ارتباكا وتقهقرا في ظل الحكومة الحالية»

  • ما تقييمكم لأوضاع الجامعة العمومية في ظل الحكومة الحالية؟

منذ تولي هذه الحكومة مسؤولية تدبير وتسيير الشأن العام بالمغرب، وقطاع التعليم العالي والبحث العلمي على أهميته واستراتيجيته يعاني الويلات على جميع المستويات والأصعدة، بسبب سوء التدبير والتسيير والارتجالية والانفرادية في اتخاذ القرارات والعشوائية في نهج الإصلاحات، مع غياب تام لمبدأ المقاربة التشاركية بين الأطراف المعنية بالإصلاح، والتي تعد العمود الفقري لإنجاح أي إصلاح. هذا كله أدى بالجامعة المغربية إلى تراجع كبير وتقهقر ملحوظ وارتباك ملموس، بحيث إذا وضعنا قراءة كرونولوجية مقتضبة وموجزة حول الجامعة منذ تولي هذه الحكومة زمام الأمور، سنجد استفحال العنف داخل الحرم الجامعي نتيجة سياسة إقصائية ممنهجة، وتذيل الجامعة المغربية للتصنيفـات الإقليمية والدولية بسبب سياسة الترقيع، وتراجع الجامعة عن القيام بأدوارها التكوينية والعلمية، وعزلها عن سوق الشغل نتيجة سياسة إقصائية جوفاء لا تساير التطورات والتحولات التي يعرفها العالم اليوم، خاصة في المجال الاقتصادي، ما أدى إلى أزمة ثقة بين الجامعة ومحيطها الخارجي، وهذا ما يفسر لنا ارتفاع معدل البطالة بشكل مهول وخطير.
إلى جانب هذا كله، نجد الحكومة، وبالرغم من أنه لا تفصلنا عن انتهاء عمرها إلا أشهر معدودة، تغيب عندها استراتيجية إصلاح واضحة المعالم ومنسجمة العمارة والبنيان، من أجل النهوض بقطاع التعليم العالي والبحث العلمي الذي يعد من المعايير الأساسية التي يقاس بها مدى تطور الشعوب وارتقائها وازدهارها، ذهبت الحكومة في اتجاه تشجيع التعليم الخاص ومؤسسات التكوين المهني على حساب الجامعة المغربية التي ظلت عبر التاريخ تزود الدولة ومؤسساتها بأطر وكفاءات وخبرات تقنية وعلمية وفكرية وثقافية ذات جودة عالية وإمكانات قوية.

  • هل هذا يترجم حالة اللاتوازن بين منتوج الجامعة وسوق الشغل؟

إن حالة الارتباك والتخبط بالجامعة المغربية وعدم كسبها لثقة سوق الشغل نظرا لضعف منتوجها، (وبالمناسبة هذا الضعف لا يتحمل فيه المسؤولية الطالب الجامعي)، وهو الأمر الذي يتضح لنا من خلال جحافل من المعطلات والمعطلين يجوبون الشوارع بمختلف مدن المملكة، والذين لم يجدوا لحد الآن مقعدا في صفوف الوظيفة العمومية، هذا الضعف يتحمل مسؤوليته بالأساس القائم على تدبير القطاع، والذي مازال يتعامل مع الجامعة بمقاربة ترقيعية مرحلية، عوض وضع بديل استشرافي ناجع قادر على تجاوز الإكراهات والصعاب والانطلاق نحو البناء.
إن استمرار الجامعة المغربية على شكلها الحالي دون مقاربة إصلاحية شمولية مسؤولة، تنهل من تجارب الماضي وتستحضر متطلبات الحاضر وتستشرف رهانات المستقبل، بدون شك ستكون العواقب وخيمة وقد لا ينفع معها الندم في وقت لاحق. فالعالم يتطور بسرعة فائقة جدا بفضل العولمة والتكنولوجيا الحديثة، والمغرب بطبيعة الحال ليس في منأى عن هذا التطور، فهو بدوره يتأثر وعليه أن يواكب بالإيقاع والحجم المطلوبين، وذلك لن يتأتى إلا عن طريق بناء منظومة تربوية وتعليمية ناجعة قائمة على أسس متينة محددة الأهداف وواضحة المعالم، من أجل كسب رهان التنافسية العالمية في شقيها المعرفي والاقتصادي التكنولوجي.

  • هل ينعكس الأمر أيضا على ارتفاع العنف الجامعي؟

إن إقرار الحكومة المتأخر بالأزمة الخانقة التي تكتنف المنظومة التربوية والتعليمية في بلادنا، لن يجعلها بمنأى عن المحاسبة التاريخية منها والسياسية والأخلاقية، لأنها وحدها تتحمل مسؤولية فشل برامج ومخططات الإصلاح التي تعاقبت على منظومة التعليم ببلادنا، وتبذير ملايير الدراهم التي رصدت لها دون نتائج ملموسة قابلة للقياس، وفوتنا الفرصة على أجيال من أبناء هذا الوطن حرموا من حقهم في التعليم، كما أن العنف داخل الجامعة تتحمل الدولة جزءا يسيرا منه والتاريخ شاهد على ذلك. إن تنامي أحداث العنف والعنف المضاد المفضي في غالب الأحيان إلى جرائم قتل في صفوف الطلبة في الآونة الأخيرة، أثر ويؤثر بشكل كبير على سمعة الجامعة المغربية أمام نظيرتها الإقليمية والدولية، ويعطي الدليل بالملموس على حجم وثقل وضخامة ثقافة العنف الكامنة في الجامعة المغربية، في مقابل انعدام ثقافة التعايش المبنية على السلم والسلام بين الطلبة الذين هم في الأخير أبناء هذا الوطن.
إن مظاهر العنف داخل الجامعات المغربية على مستوى ربوع المملكة، تجد مجالها بالأساس في ضعف ترسانة الحقوق الاجتماعية للطالب الذي يعاني من شتى أنواع الإقصاء والتهميش والحيف حتى في أبسط حقوقه الاجتماعية التي يقرها ويكفلها له القانون، ولا أحد يأخذ على عاتقه الدفاع عن حقوقه ومكتسباته المادية والمعنوية رغم المجهودات التي تبذلها التنظيمات الطلابية الديمقراطية والمشروعة، إلا أنها تبقى محتشمة مقارنة بحجم الإكراهات والصعاب التي تعترض المسار الجامعي للطالب، فضلا عن المضايقات الممنهجة التي تعترض التنظيمات الطلابية بالمغرب من قبل بعض المسؤولين داخل الجامعات المغربية وخارجها، والذين لازالوا يكرسون ثقافة مخزنية حسبنا، وللأسف أننا قطعنا معها مع الدستور الجديد.
نحن اليوم في أمس الحاجة إلى وقفة مع الذات، مرفوقة بكثير من النقد الذاتي، إلى جانب تشخيص دقيق وعميق، شامل ومسؤول، أكثر من حاجتنا إلى إصلاحات ترقيعية مؤقتة فارغة المحتوى تفتقد لرؤية استشرافية واضحة ومتكاملة، والتي لا تزيدنا إلا تراجعا وتأزما وتقهقرا. فمن أجل إخراج الجامعة المغربية من مستنقع العنف والعنف المضاد الذي غالبا ما يذهب الطالب بشكل مباشر أو غير مباشر ضحية نتائجه، والانطلاق بها نحو الرقي والازدهار وجعلها معادلة حقيقية في بناء مجتمع المعرفة، يجب الوقوف على مكامن الخلل والضعف، فالاقتتال بين الطلبة في ما بينهم داخل الفضاء الجامعي الذي من المفروض أن تكون له حرمته وقدسيته اعتبارا لكونه فضاء للتراشق والتنابز بالفكر والأفكار والعلم والمعلومة، ومجالا خصبا لزرع ثقافة التعارف والإخاء والمحبة والتعاون والتآزر بين الطلبة، عوض جعله ساحة للإقصاء وسيطرة القوي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى