الرأي

الدرجات العلمية

عمرو الشوبكي

لم يتخيل الكثيرون أن يأتي اليوم وتصبح درجة الدكتوراه لقبا للوجاهة الاجتماعية، أو شعارا يوضع على لافتة انتخابية، لأن الدول الجادة والراغبة في التقدم لا تخلط الجد بالهزل والعلم بالتهريج، مهما كان شكل نظامها السياسي.
والمعروف أن الدرجات العلمية تمنح لأي شخص/ باحث يريد أن يتعمق في موضوع علمي، سواء كان في العلوم الطبيعية أو الإنسانية، فيبدأ في إعداد رسالة الماجستير، التي يفترض أن تختبر قدراته في تنظيم وعرض مادته العلمية، والتأكد من امتلاكه أدوات البحث العلمي، دون أن يطلب منه تقديم إضافة علمية جديدة، أما الدكتوراه فيفترض نظريا أنها تقدم أطروحة أو إضافة علمية جديدة وتعتمد على التحليل والنتائج، وليس فقط التجميع الجيد للمادة العلمية.
والمؤكد أن هناك شكوى في بلادنا من تدهور مستوى بعض الرسائل التي يفترض أنها علمية، وهناك حالات وثقت فيها سرقات علمية، أو رسائل تقبل مجاملة رغم ضعف مضمونها، وهناك بعض الحوادث التي قام فيها بعض «المحترفين» بكتابة رسائل لبعض الأثرياء من داخل مصر وخارجها، ممن يعتبرون أن لقب الدال دون أي مضمون هدف في حد ذاته، ومع ذلك ظلت هذه الظواهر على الهامش واحتفظت معظم الرسائل العلمية بمضمونها وجديتها.
والمؤسف حقا هو انتقال ظاهرة «البحث عن اللقب» أو المواطن بشرطة من مجال التجاوزات الجامعية التي عرفها مجتمعنا ومجتمعات أخرى، إلى مجال التنافس الانتخابي، وبدا الأمر صادما ومؤسفا أن يقوم البعض بشراء ألقاب علمية، وليس درجات علمية مثل الدكتوراه الفخرية أو سفيرة النوايا الحسنة، من أماكن وهمية أو كيانات في «بير السلم»، متصورين أنهم بذلك أصبحوا شيوخا وحكماء، وهي في الحقيقة جريمة مزدوجة، لأنها من ناحية تعكس الحرص على الشكل واللقطة دون أي مضمون، كما أنها من ناحية أخرى تعكس تزييفا وكذبا على الناخبين.
المطلوب تجريم هذه الظاهرة وفضحها، وتفعيل القوانين لمحاسبة كل من يقوم بها، والأهم تكريس قيمة أن المواطن دون لقب أو رتبة أو حصانة، محترم ومعزز وله قيمة ولا يحتاج إلى إشارة على سياراته ولا زجاج غير شفاف، لكي يقول للناس إنه «مهم».
أذكر أن فرنسا التي درست فيها، على خلاف بلاد مثل بريطانيا وألمانيا، لا يستخدم فيها لقب دكتور إلا أحيانا للطبيب، وأن أساتذتي هناك (بعضهم كانوا دكاترة وعلماء كبارا) كانت لغة التخاطب المتبادلة بيننا جميعا هي السيد: «Monsieur أو Madame للدكتورة»، أما في بلد مثل ألمانيا التي يستخدم فيها لقب دكتور لحاملي هذه الدرجة العلمية، فلا يتصور أحد أن هدفه المنظرة والوجاهة وادعاء الأهمية، إنما يعكس مضمونا وجهدا وعرقا بذل في رسالة علمية حقيقية.
تعزيز احترام المواطن دون أي ألقاب، ومحاسبة كل من يشتري أو يزور لقبا، سيقضيان حتما على هذه الظاهرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى