الرأي

الربيع الكروي

حسن البصري

في ساعة مبكرة من صباح يوم الاثنين الماضي، صدر بيان رابطة «دوري السوبر الأوروبي» من سطرين يعلن قيام بطولة «أكابر» تحكمها الأندية المؤسسة لهذه البطولة النخبوية البالغ عددها اثني عشر فريقا من كبار القارة العجوز.
تنبني فكرة البطولة على إقامة دوري للأندية الكبرى مهما كان تصنيفها في البطولات المحلية، وتروم جلب موارد مالية ضخمة تساعد الفرق على تجاوز محنتها الناجمة عن مضاعفات وباء كورونا، بل إن «مخرج» هذه البطولة الانفصالية فلورنتينو بيريز، رئيس نادي ريال مدريد، تعاقد مع شركة للتواصل عابرة للقارات من أجل الترويج للفكرة، كما تلقى وعدا من بنك استثماري أمريكي بتمويل المشروع، وقدم لأتباعه وعودا بمضاعفة عائدات تسويق صفقات بيع حقوق البث والصفقات التجارية الأخرى المرتبطة بالبطولة.
وراهن المؤسسون على استقطاب أندية أخرى لها شعبية جارفة، على غرار باييرن ميونيخ الألماني وباريس سان جيرمان الفرنسي وبنفيكا البرتغالي وفرق أخرى، لكنهم لم يوفقوا في دغدغة مشاعر رؤسائها، ورفضوا العمل بالقول المغربي المأثور «اتبع الكذاب حتى لباب الدار»، قالوا نحن رؤساء لا يحركنا الطمع ولا تغرينا الوعود ولا يسيل لعابنا لمجرد زيادة في الدعم.
استغربت جبهة معارضة الانفصال الكروي لقدرة المال على جمع رئيس ريال مدريد وبرشلونة في صف واحد، وباشرت حملتها لإجهاض دوري السوبر من خلال بيانات تدين هذه الحركة الانفصالية غير المسبوقة، فيما تعهدت الاتحادات المحلية والقارية والاتحاد الدولي لكرة القدم بفرض عقوبات قاسية على صناع التفرقة، وصلت إلى حد منع لاعبي تلك الأندية من المنافسة في بطولات الاتحاد الأوروبي للمنتخبات.
ويتبين بالملموس والمدسوس أن المتحكمين في الكرة يريدون إفراغها من الشعبية التي لازمتها، إنهم يريدون كرة «هاي كلاس»، يلعبها الكبار ويصفق لها الصغار. تاريخيا كانت اللعبة ملاذا للفقراء ونموذجا لديمقراطية الملاعب التي تجعل فريقا مثقلا بالديون يهزم فريقا ميسور الحال، وهنا تكمن متعة الكرة.
لماذا تريد الأندية الأوروبية الكبيرة أن تنفصل عن مسابقات الاتحاد الأوروبي لكرة القدم؟ وما الدافع وراء هذا الانقلاب الأخضر؟ أكيد لا يمكن أن نسأل العقرب عندما يلسع الضفدع الذي ينقله عبر النهر، إنه الجشع في أكبر تجلياته.
في البطولات الإفريقية لا يمكن أن يتحد رؤساء الفرق الكبرى حول مشروع واحد، لأن حلمهم الكبير هو الخلود في المنصب، أما الفرق العربية فإنها تسير على نهج الأسلاف حيث يتفق رؤساؤها على ألا يتفقوا. وحده نادي أسوان المصري كتب عبر صفحته الرسمية على موقع فيسبوك: «نعلن جاهزيتنا لتحد جديد، وخوض منافسات دوري السوبر الأوروبي»، علما أن النادي يحتل الصف الثاني عشر في ترتيب الدوري المصري، أكيد أن كاتب البيان لم يتناول دواءه الاعتيادي.
في المغرب كل الفرق مدعمة من طرف الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، تتعايش منذ زمن بعيد مع هذا الوضع وترضى بأن تكون يدها هي السفلى، وحين ضرب كورونا بطولتنا اصطف الرؤساء في طوابير المساعدات وهرع كثير من اللاعبين صوب مقدم الحارة بحثا عن استمارة بطاقة راميد.
في بلادنا «السوبر» للأثرياء والعادي للبسطاء، سواء أكان بطولة أو لباسا أو ساندويشا أو بنزينا في محطة الوقود، لذا سيكون الربح الأول من الحركة الانفصالية تحقيق مكاسب مالية جديدة، رغم أن الكذاب هو الشخص الوحيد القادر على الإطاحة بالطماع.
في بلادنا لا يضع رئيس الوداد يده في يد رئيس الرجاء مهما كان المشروع، لأن العداء بين قطبي الكرة المغربية بلغ أعلى درجات الاحتقان، إلا إذا كانت للدرهم قدرة فائقة على تذويب خلافات قديمة.
في بلادنا يدخل رئيس الفريق على هودج ويغادره من الباب الخلفي، يأتي مزهوا ببرج الأسد ويرحل بعد أن يصبح دلوا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى