شوف تشوف

الرفق بالحيوانات السياسية

 

 

 

المغاربة لديهم حكمة بليغة تقول “صام عام وفطر على جرادة”، وهذا ما ينطبق بالضبط على بنكيران الذي صام عن الكلام لفترة قاربت السنة، وعندما قرر أن يتكلم قال كل شيء إلا ما كان منتظرا منه، فتحدث عن علاقته بالحمير وضرورة الرفق بالحيوان وموقفه من البراريك التي لا توجد فيها مراحيض وغير ذلك من الأشياء التي ظل يكررها منذ 2011 إلى اليوم.

وإذا كان من خبر يمكن استنباطه من خرجته الأخيرة فهو اعترافه أن جهة ما طلبت منه الخروج في هذا التوقيت بالضبط لكي يخاطب الملك ويقول له إن ما ينقصه هو رجال مخلصون، وهذه الجملة تلخص بوضوح عقلية بنكيران الذكورية، فهو لا يتصور أن يكون في محيط الملك نساء مخلصات أيضا، يستطعن إلى جانب الرجال شغل منصب مستشارة كما كان الوضع بالنسبة لزليخة نصري.

والمثير في الشعارات التي رفعتها شبيبة الحزب واحد يصف بنكيران بالزعيم الأممي، كما لو كان بنبركة زمانه.

سمعناهم ينادون بنكيران بالزعيم الوطني قلنا لا بأس، فلفرط قلة الزعماء السياسيين في هذا البلد أصبح الناس يقولون لكل من يرونه راكبا فوق قصبة “مبروك العود”.

لكن “هادي ديال الزعيم الأممي شوية بزاف، مكالوهاش حتى العدالة والتنمية ديال تركيا على أردوغان اللي فلت من شحال من انقلاب وخلص الديون ديال تركيا كاملة وردها بلاد يقام لها ويقعد”.

وما استنتجته شخصيا من خلال ساعة وربع من كلام بنكيران هو أنه يفاوض، بطلب من الجهة التي دفعته للخروج، من أجل أن يعود إلى الحياة السياسية من موقع المستشار المقرب الذي يدعي الإخلاص، فهو لا يريد أن يعود دون إذن مسبق لأنه يعرف عواقب “التنقاز بلا سروال”، وفِي حالة بنكيران “بلا قشابة”.

حديث بنكيران عن الحاجة إلى الرجال المخلصين في المحيط الملكي وإعلانه تشبثه بالملكية بشكلها الحالي واعتبارها ضامنة للاستقرار، عكس ما ذهب إليه حامي الدين الذي اعتبر الملكية بشكلها الحالي عائقا للتنمية والتطور، يدخل في باب “نتا كُوي وأنا نبخ”، فالمنطق الذي يشتغل به الإخوان هو أن المخزن لا يفاوض إلا تحت الضغط أو عندما يشعر بالخوف على استقراره، ولذلك فقبل تقديم عرض سياسي له لا بد أن يسبقه تصعيد محسوب ضده، وهو ما قام به حامي الدين.

وهذا يدل على أن بنكيران لا يتحدث عن الرفق بالحيوانات، عندما تكلم عن صداقته مع الحمير التي كان يقتسم معها الفانيد، من باب السخرية السياسية فقط، بل إنه يقصد بالحيوانات الحيوانات السياسية، والتي يعتبر هو أحد كبارها.

والحيوانات السياسية غالبا ما تكون مفترسة، تتشبه بالسباع والضباع والفهود. لكن هناك نوعا آخر من الحيوانات السياسية تختار الدهاء والمكر والخديعة، ومثلها الأعلى هو الذئب والثعلب. لكن هناك حيوانات سياسية أخرى تختار نفاق التماسيح. وعندنا في المغرب محميات طبيعية واسعة حيث ترتع هذه التماسيح السياسية وتعيش. ومعروف عن التمساح أنه عندما يلتهم ضحيته، يبدأ في ذرف الدموع، ليس حزنا على ضحيته وإنما لأن عملية الهضم المعقدة التي يقوم بها الجهاز الهضمي للتمساح تتطلب ذلك، أي أنه يبكي لكي يهضم ضحيته بشكل أفضل.

وبالإضافة إلى التماسيح السياسية هناك في المغرب «جراثيم» سياسية تتكاثر حول جرح متعفن يسمونه السياسة يعرف الجميع أن الحل المتبقي لعلاجه هو اقتلاع الورم عوض دهنه بالمسكنات.

وكما أن هناك حيوانات تعطينا دروسا في الانتهازية والمكر والخديعة، هناك حيوانات أخرى تعطينا دروسا عميقة في الحياة. وبالنسبة للسياسيين من أمثال بنكيران فالحيوان المثالي الذي يجب أن يتعلموا منه الدروس هو الفيل.

فهذا الحيوان أولا لديه ذاكرة قوية، والذاكرة هي أهم جهاز يجب أن يحافظ عليه السياسي، لأنها تجنبه لعنة النسيان والزهايمر السياسي الذي يجعله يقول الشيء ويفعل نقيضه، وأيضا حتى لا يخطئ المعركة ويخلط الجلاد بالضحية، ويضع رجله في المكان الخطأ ويده في يد الحليف الخطأ.

ثانيا عندما يشعر الفيل بقرب نهايته يجرجر أقدامه الثقيلة إلى مقبرة الفيلة ويجثو على ركبتيه بانتظار النهاية، فهو يجنب أشباهه رؤية العجز الذي يصل إليه حيوان ينحدر من آخر سلالة الحيوانات الضخمة.

ولعل رجال السياسة عندنا يحتاجون إلى تعلم أخلاق الفيلة، بحيث ينسحبون إلى الظل بمجرد ما يشعرون باقتراب نهايتهم السياسية.

المشكلة أن أغلب «الحيوانات السياسية» عندنا مولعة فقط بتقليد الضباع والتماسيح والثعالب والقردة، لكن القليل منها يبدو معجبا بنموذج الفيل.

فهم يصرون على البقاء في «الحديقة» يتفرج عليهم العابرون، إلى أن يأتي من يطردهم منها أو يجهز عليهم بطعنة غادرة في الظهر.

إن بنكيران كان عليه أن يشعر بالخجل وهو يقدم النصح للملك بخصوص حاجته لرجال مخلصين في محيطه، لأنه إذا كان هناك شخص مؤهل لكي يعطي هذه النصيحة فهو ليس بنكيران عَلى كل حال، ببساطة لأن بنكيران لو كان يتوفر في محيطه على رجال مخلصين لما أسقطوه من الأمانة العامة للحزب بتلك الطريقة المذلة ولما ساهموا قبلها في إبعاده من رئاسة الحكومة عندما صوروا له الأمور على غير حقيقتها قبل أن يتنكر له أقرب مقربيه.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى