شوف تشوف

الرأي

الصاك والباك

حسن البصري
لست من المتحمسين للقول المأثور «إلى مجابها القلم يجيبها القدم»، ولست من دعاة هذه القولة التي لطالما ركب الكسالى فوق صهوتها وهم يركضون بعيدا عن الفصول الدراسية، ولا أنا ممن يرسخون في أذهان النشء صورة لعبة تقطر مالا، ويرسمون في مخيلاتهم صورة منظومة تعليمية مكلفة لا تفتح أبوابها إلا لمن استطاع إليها سبيلا.
في هذا القول المأثور الذي يردده المدربون ويؤمن به اللاعبون ويرعاه الآباء، العكس غير صحيح، أي إنه لا يمكن قلب الآية لتصبح على هذا النحو: «إلى مجابها القدم يجيبها القلم»، مادامت الكرة لا تمنح ممارسيها فرصة استدراكية للعودة إلى الفصول الدراسية، حينها سيصبح اللاعب بالتأكيد في حالة تسلل.
يرى الراسخون في فقه الكرة، أن هذه القولة لا علاقة لها بالدرس والتحصيل وأنها منهما براء، ولا تمت بصلة للمدرسة والمدرسين، ويؤكدون أنها صنعت على مقاس آخر، يتعلق بإمكانية تحقيق الانتصار بالأقلام في حالة عجز الأقدام عن تسجيل الأهداف، أو ما يعرف في قاموس «لكوايرية» بـ«الريزيرف».
أمام جاذبية كرة القدم وقدرتها على صنع النخب من بين لاعبين يضعون منذ صغرهم مسافة الأمان بينهم وبين الدراسة، ارتمت الناشئة في حضن الكرة ورمت بكراساتها في زاوية المتلاشيات، والحصيلة ارتفاع مهول في نسبة الهدر المدرسي في صفوف اللاعبين، الذين يعتبرون شهادة البكالوريا الحقيقية، هي الارتقاء إلى الفريق الأول وحمل قميص الكبار.
بعض اللاعبين الذين أقنعهم آباؤهم باجتياز امتحان البكالوريا، قبلوا على مضض الخضوع للاختبار، خاصة بعد أن تقرر تنظيمه في قاعات رياضية لا تشكل أي عائق ذهني للمرشحين، في هذا الفضاء الرياضي يمكن أن يستحمل اللاعبون صرامة المراقبين، ورائحة ورق الامتحانات الممزوجة بنسمة المعقمات.
يقال والعهدة على مدرب، إن أغلب اللاعبين يؤمنون بأن «الصاك» قبل «الباك»، فيتخلصون من محفظة المدرسة ويتأبطون حقيبة الكرة، حتى الذين اقتيدوا طوعا أو كراهية نحو قاعات الامتحان تعوزهم الرغبة والعزيمة، لأنهم يعانون من ضعف التنافسية الدراسية، ورصيدهم المعرفي عانى من أيام الحجر، حين عجز اللاعبون عن الجمع بين تداريب عن بعد وتعليم عن بعد.
لتجاوز هذا المأزق لم يجد بعض اللاعبين حرجا في الاعتماد على مهاراتهم في الغش، ومنهم من ضبط في عملية «واحد اثنين»، وتم تحرير محضر غش معروض على اللجنة التأديبية للامتحانات المدرسية، ومنهم من انسحب بداعي الإصابة. لحسن الحظ أن تقنية «الفار» لم تدخل بعد قاعات الامتحانات، وإلا لعشنا مشاهد أخرى تطيح برؤوس العديد من التلاميذ وتغير ملامح هذه البطولة.
فقد سجلت بلاغات الوزارة أن تفعيل إجراءات زجر الغش قد أدى إلى ضبط 1107 حالات غش، في ربوع المملكة، وأن الامتحانات سجلت غياب عدد كبير من المرشحين، الذين صرفوا النظر عن «الباك»، سيما في صفوف المرشحين الأحرار الذين وجدوا في إلغاء امتحان التربية البدنية فرصة لتقديم اعتذار، لإيمانهم بأن العقل السليم في الجسم السليم. وكشف كثير من مراقبي الامتحانات عن انتشار فيروس الغش المستجد في صفوف التلاميذ، بالرغم من حالة الاستنفار التعليمية والطبية.
لكن لست وحدك أيها اللاعب من يغش في بلد لا تسجل فيه محاضر الغش إلا من طرف شرطي مرور، أو في فصول الامتحانات، بينما يباح غش الأكابر ولا يسجل محضر إدانة في حق وزراء في الحكومة، منهم من يغش في مصائر مستخدميهم ويعبث بلقمة عيشهم، ومنهم من يغش في شهادات دراسية وينفخ فيها من أجل منصب سياسي عابر، فعند الامتحان يفضل السياسي ألا يهان.
أما الراسخون في الغش فيعتبرون امتحانات الحياة حروبا يومية تعتمد على الخداع كسلاح، ويلتمسون لأنفسهم أكثر من عذر لاستعماله.
فالحرب خدعة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى