شوف تشوف

الطاصيلة والفاصيلة

كتاب «جون واتربوري» حول صناعة النخبة السياسية بالمغرب لازالت استنتاجاته صالحة لفهم الوضع السياسي المغربي إلى اليوم.
فمنطق «الطاصيلات والفاصيلات» لازال سائدا بشكل كبير في تشكيل النخبة السياسية التي تسير الشأن العام، أو تتستر وراء تسيير الشأن العام لكي تدبر الشأن الشخصي والخاص بهدف الاغتناء.
فعندما نرى كيف يسفح المرشحون دماء بعضهم البعض وتتوقف قلوب البعض الآخر بسكتات مفاجئة، فيما يتجرع آخرون السموم محاولين الانتحار في سبيل منصب مستشار، نفهم أن اللعبة لا تتعلق بمجرد منصب تطوعي يتقاضى صاحبه مقابلا عنه لا يزيد عن 1500 درهم، أي نصف الحد الأدنى للأجر بالمغرب، بل إن الأمر يتعلق بمنصب مصيري يمكن أن يترقى صاحبه طبقيا بحكم اقترابه من دوائر القرار المحلي.
لقد انتقدنا لسنوات طويلة في هذا العمود سيطرة عائلات معروفة على دواليب التعيينات في المناصب الحساسة وفي الأجهزة التقريرية للأحزاب السياسية، واليوم نرى كيف أن العدوى انتقلت من العائلات «العريقة» إلى عائلات سياسية عادية، منها جزء كبير يعتبر من محدثي النعمة الذين نجحوا في التسلق طبقيا بفضل سلم السياسة.
وحتى الأحزاب السياسية التقدمية لم تفلت من هذه العدوى، وأبرز مقال على ذلك لائحة تحالف اليسار في مقاطعة الرياض أكدال، ففي هذه اللائحة التي وكيلها هو عمر بلافريج نعثر على هند بنعمرو، ابنة النقيب بنعمرو، وعلى سميرة سعود التي ليست سوى زوجة ابن خالة بلافريج، جواد عواد.
وإذا استثنينا بشرى اللويزي، صاحبة محل للتدليك، فإننا نعثر على مها القادري التي ليست سوى حفيدة بوبكر القادري وابنة خال أنس الشاوي المرشح في نفس اللائحة ورئيس مؤسسة عبد الرحيم بوعبيد، التي تذكرتها لجنة التفتيش بمناسبة الحديث عن الدعم المقدم للجمعيات والمؤسسات ذات المنفعة العامة.
وطبعا لم يترشح عمر بلافريج لوحده، بل إنه جاء معه بوالده الجراح سعيد بلافريج لكي يشد به أزره في اللائحة.
أما نجيب أقصبي فقد وضع ابنه «الديدجي» أمين أقصبي في اللائحة، إضافة إلى أنيسة بوزيد خالة عمر بلافريج وأخت منيرة بوزيد أم زوجة علي اليازغي ابن محمد اليازغي الأب، والتي شغلت زوج ابنتها في شركتها «ألمنيوم دي ماروك» قبل أن ينتقل إلى منصب كبير في صندوق الإيداع والتدبير.
ولعل المثير للاستغراب في لائحة تحالف اليسار بحي أكدال الرياض هو أن أغلب مرشحيه يشتغلون في البنوك، ضدا على أفكار اليسار ومبادئه العامة التي تعتبر السياسات البنكية سبب خراب الطبقات الشعبية واستعبادها.
فعمر بلافريج وكيل اللائحة مستشار في الشركة المالية الدولية التابعة للبنك الدولي، وعمر الحياني بنكي سابق في بنك الأعمال، وأمين إيبا بنكي أعمال.
وطبعا فأنا متأكد ألفا بالمائة أن لا أحد من الذين رشحوا أبناءهم وآباءهم وإخوانهم في لوائحهم الانتخابية سبق له أن قرأ كتابات «جون واتربوري»، بل وأشك في أنهم يعرفون ما إذا كان «واتربوري» هذا كاتبا أو ماركة لمسحوق تصبين أمريكي.
لذلك فالدافع الرئيسي للترشيح العائلي في المغرب اليوم هو ضمان وكيل اللائحة عدم انقلاب المرشحين معه ضده في آخر لحظة، وقد رأينا كيف تم «ثقب» لوائح كثيرة بسبب أن مرشحين «باتو ما صبحو» تاركين وكيل اللائحة «يبرق» في عينيه أمام مقر العمالة، فمنهم من تجرع السم بسبب ذلك ومنهم من تمرغ في التراب وغاب عن الوعي، خصوصا الذين يأخذون قرضا من البنك لدخول غمار الانتخابات فيكتشفون أن هناك من باعهم الوهم واختفى فجأة.
وهناك سبب آخر للترشيح العائلي وهو ضمان أصوات المرشحين لفائدة الرئيس، وكذلك تحصين موقع المرشحين التنظيمي داخل دواليب الحزب، فمن يفوز مع إخوانه وأبنائه وزوجته ليس كمن يفوز وحده، فالمغاربة يعملون بمنطوق الحكمة الشعبية التي تقول «الحمية تغلب السبع».
وتبقى أغرب لائحة عائلية هي لحزب التقدم والاشتراكية بمدينة تاونات التي يقودها البرلماني عبد الله الإدريسي البوزيدي، وتضم اللائحة 7 من أفراد عائلته، وهم أحمد الإدريسي البوزيدي، وعبد الرحيم البوزيدي، ورشيد الإدريسي البوزيدي، وعلي الإدريسي البوزيدي، وحسن الإدريسي البوزيدي، ووكيلة اللائحة النسائية تقودها قريبته سناء الإدريسي البوزيدي، ومعها شقيقتها سعاد الإدريسي البوزيدي.
«فرقة ديال الكرة هادي ما بقاتش لائحة انتخابية».
أما في أكادير فنجد عبد الصمد قيوح وكيل لائحة حزب الاستقلال ببلدية أولاد تايمة الذي رشح معه ضمن اللائحة شقيقته البرلمانية زينب قيوح وكيلة لائحة النساء، وشقيقه المستشار البرلماني اسماعيل قيوح ضمن اللائحة، ووالده علي قيوح وهو مستشار برلماني ورئيس غرفة الفلاحة ترشح في لائحة الجهة.
أما محمد عبو، وزير التجارة الخارجية، فقد ترشح إلى جانب والده المستشار البرلماني، محمد عبو صاحب معاصر زيت الزيتون، الذي فاز برئاسة غرفة الفلاحة بجهة فاس مكناس، كما يترشح شقيقه إدريس بمدينة فاس، ضمن لوائح التجمع الوطني للأحرار.
أما في الهرهورة، منتجع الوزراء الجدد من محدثي النعمة، وعلى إثر استقالة مجموعة من الأعضاء ومستشاري حزب الاستقلال ببلدية الهرهورة التابعة لعمالة تمارة الصخيرات، فقد استنجد المستشار البرلماني والقيادي الاستقلالي فوزي بنعلال بأبنائه وأفراد عائلته لتغطية الدوائر الانتخابية ببلدية الهرهورة التي يملك بها استثمارات تبدأ بحمامات التدليك وتنتهي بالتجزئات العقارية، حيث ترشح هو بالدائرة رقم 6 ورشح شقيقه فرح بنعلال بالدائرة رقم 1، ورشح ابنه ياسر بالدائرة رقم 16 ورشح ابنه الثاني هشام بالدائرة رقم 15، هكذا «فين ما دار بنادم فالهرهورة يلقا بنعلال قدامو».
وفي فاس هيمنت عائلة المستشار البرلماني العضاض عزيز اللبار المطرود من حزب الأصالة والمعاصرة بعد واقعة اشتباكه مع شباط بالبرلمان وعضه ليد الكيحل، على كل لوائح حزب الحركة الشعبية، ونصب عزيز اللبار نفسه وكيلا على لائحة الجهة وعلى اللائحة المحلية بمقاطعة أكدال، ورشح شقيقه سعيد اللبار وكيلا على لائحة مقاطعة سايس، بعدما فازت ابنته صفاء بمقعد بغرفة التجارة والصناعة والخدمات، وتم ترشيح ابن شقيقه محمد اللبار وكيلا على لائحة مقاطعة زواغة التي يترشح فيها شباط، كما رشح ابن شقيقه فيصل اللبار في المرتبة الثانية ضمن اللائحة التي يقودها المستشار البرلماني عزيز الفيلالي المستقيل من حزب الاستقلال، بمقاطعة فاس المدينة، كما رشح اللبار يده اليمنى ومسير الملهى الليلي «زلاغ» في المرتبة الثانية باللائحة الجهوية وثانيا في لائحة مقاطعة جنان الورد.
وكذلك الشأن بالنسبة لحميد شباط، الأمين العام لحزب الاستقلال الذي ترشح وكيلا للائحة الجهة، ووكيل لائحة حزب الاستقلال بمقاطعة زواغة بنسودة، إلى جانب زوجته البرلمانية فاطمة طارق، فيما تم ترشيح ملوك العلوي، زوج ابنته ريم شباط، ضمن لائحة الحزب في مقاطعة فاس المدينة، ورشح ابنه نوفل شباط وكيلا على لائحة حزب الاستقلال بمدينة تازة.
أما في الصحراء فعائلة بلفقيه تسيطر بقوة على لوائح حزب الاتحاد الاشتراكي بمدينة كلميم، حيث ترشح المستشار البرلماني عبد الوهاب بلفقيه، وكيلا للائحة الحزب بجهة «كلميم واد نُون»، فيما ترشح شقيقه البرلماني محمد بلفقيه، كوكيل لائحة لحزب «الاتحاد الاشتراكي»، في الانتخابات الجماعية ببلدية كلميم، ويشغل محمد بلفقيه حاليا رئيسا للمجلس الإقليمي لكلميم وبرلمانيا عن دائرة سيدي إفني، كما يشغل عبد الوهاب منصب رئيس لبلدية كلميم حاليا.
وفي سيدي سليمان لازالت عائلة آل الراضي، «مول الغابة»، تسيطر على مفاصل الخريطة الانتخابية بجهة الغرب الشراردة، حيث ترشح عبد الواحد الراضي، أقدم برلماني مغربي، بجماعة «القصيبية» التابعة لإقليم سيدي سليمان، باسم حزب الاتحاد الاشتراكي، فيما تراجع ابن عمه المستشار البرلماني، إدريس الراضي، عن الترشح بمدينة القنيطرة، واختار العودة إلى الترشح بنفس الجماعة، باسم الاتحاد الدستوري، ووضع ابنه البرلماني ياسر الراضي، وكيلا للائحة «الحصان» بمدينة سيدي سليمان، التي يشغل والده رئيسا لمجلسها الإقليمي.
أما في الرباط فقد رشح إدريس لشكر ولده الحسن وكيل لائحة بمقاطعة اليوسفية، فيما رشح عرشان صاحب حزب النخلة نفسه وكيلا للائحة الجهة ورشح ولده وكيلا للائحة محلية.
وفي الدار البيضاء، وبالضبط في مرس السلطان، رشح شفيق بنكيران عن حزب الأحرار ابنه زكرياء بنكيران وعمه، وفي سوس رشحت عائلة الوزير بوهدود، أمينة أخت الوزير ووالدها.
أما الأنصاري محمد رئيس الفريق الاستقلالي بمجلس المستشارين فقد رشح نفسه وكيلا للائحة الاستقلال بالراشيدية فيما رشح أخاه وكيلا للائحة الحزب بمكناس.
الاستقلالي مضيان رشح نفسه وكيلا للائحة الاستقلال في جماعة تارغيست فيما رشح أخاه وكيل لائحة في الحسيمة.
الاستقلالي آل حمدي ولد الرشيد، رشح ابنه رئيس الغرفة وابنه الآخر المستشار في الغرفة الثانية، فيما ترشح الحركيان الأخوان السنتيسي عمر وكيل لائحة سلا الجديدة وإدريس وكيل لائحة في سلا المدينة.
ولأن الجميع رشح أبناءه وأفراد عائلته فإن رئيس الحكومة لم يخرج عن القاعدة، فرشح ابنه أسامة الابن البكر لعبد الإله بنكيران بالرباط أكدال، فيما رشح ابنته سمية بنكيران ضمن الجزء الثاني من لائحة النساء بمقاطعة حسان.
وكذلك فعل لحسن الداودي وزير التعليم العالي مع ابنه الذي رشحه في لائحة أكدال، بعدما تدبر له منصب عمل كمدير في إحدى شركات بلادن.
وإذا كان المرشح مبارك الطرمونية عن حزب الاستقلال والدركي السابق قد رشح ابنه في مدينة الجديدة، فإن النموذج الأكثر إثارة للاستغراب هو ترشيح أحدهم عن حزب العدالة والتنمية في نواحي تزنيت لجدته البالغة من العمر 82 سنة.
فعوض أن يرسل هذا الحفيد جدته إلى الحج لكي تطوف حول بيت الله أرسلها لكي تطوف حول بيوت عباد الله من أجل استدرار أصواتهم لصالح لائحة حفيدها.
ولله في خلقه شؤون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى