شوف تشوف

الرئيسية

الفرق بين «الخِدمة العمومية» والفابور

يونس جنوحي
ماذا سيقدم التعديل الحكومي المرتقب للحكومة، ما دام جُل الوزراء يدافعون عن حصيلة الوزارات التي تُسيرها أحزابهم، خصوصا الوزارات المرتبطة أساسا بالخدمات العمومية المجانية في بقية دول العالم، والتي تتجه حكومتنا بكل ثقة إلى خوصصتها.
نحن في المغرب نلجأ إلى التدبير المفوض في ربط المنازل بالماء والكهرباء، وحتى في جمع الأزبال والنفايات، وكأننا في هذا البلد لا نتوفر على مهندسين وأطر لتدبير قطاعات بهذه الأهمية. حتى في التعليم، لم تعد المدرسة العمومية تستقطب أبناء الطبقات الشعبية، وعلى وزير التعليم أن يفهم الآن أن مياومين في قطاعات غير مهيكلة والباعة المتجولين وحراس العمارات، أصبحوا يفضلون المدرسة الخصوصية على المدارس العمومية ويلجؤون إلى نشاط اقتصادي في آخر النهار، كالسمسرة في المنازل أو بيع العصير فوق العربات الخشبية لتوفير الواجب الشهري للمدارس الخصوصية.
وهذا التحول الاجتماعي الخطير في المغرب، لا يخدم إلا مصالح القائمين على تجارة التعليم الخصوصي في المغرب. وستجدون أن هؤلاء اللاجئين الجدد إلى الخدمات الخاصة بدل الخدمات العمومية المفترض أن تكون مجانية، على قدر من الصواب. فعندما يُخبرك مواطن يعمل في قطاع غير مُهيكل ولا يتوفر لا على تغطية صحية ولا ضمان اجتماعي وليس منخرطا في أي تجمع نقابي أو عمالي، أنه ذهب بابنه إلى المدرسة العمومية القريبة من الحي العشوائي الذي يقطن به، ولم يجد داخلها سوى مدير يتحدث لغة خشبية غير عابئ نهائيا بأبناء الشعب، ولا يعير اهتماما لشكايات أولياء الأمور بخصوص نظافة الأقسام وسلوك بقية التلاميذ في ساحة المدرسة حيث تباع المخدرات وكل ما يخطر على البال، وقتها سوف تُدرك ربما سبب لجوء هؤلاء الآباء إلى خيار التعليم الخاص ظنا منهم أنهم يحمون مستقبل أبنائهم، وليس جريا وراء «الموضة» الجديدة فقط.
هناك مُستثمرون في القطاع الخاص، ينتمون، للأسف، لأحزاب تسمي نفسها وطنية، يعملون ليل نهار على تسفيه المدرسة العمومية والمستشفى العمومي وينشرون أفكارا مفادها أن الحل هو خوصصة كل القطاعات الحيوية في المغرب لكي ترفع الدولة يدها عنها وتتركها للخواص يُدبرونها حسب سوق العرض والطلب. ووقتها سوف يكون دور الوزراء ورئيس الحكومة هو التجول بسيارات الدولة في الشوارع والطرق السيارة مجانا وتوقيع اتفاقيات التدبير المفوض مع الشركات الخاصة..، ليصبحوا تماما في بطالة مُقنعة.
ما يحاول هؤلاء الناس طمسه هو جذوة الأمل التي توفرها بعض الإدارات العمومية رغم كل هذه المآسي المحيطة بنا. إذ إننا لا زلنا نعاين تفوق أبناء الشعب في مدارس عمومية تقع في مناطق معزولة وفقيرة، لكن سكانها لم يفقدوا بعدُ رصيدهم من دماثة الأخلاق ولا يزالون يُصرون على تنشئة أبنائهم على القيم النبيلة، ولا يزالون يحترمون رسالة التعليم، وتجد بداخلها أساتذة يقتنون لأبناء الشعب أدوات ومحافظ من مالهم الخاص دون أن ينتظروا عونا من أي جهة رسمية. وتجد مندوبا في وزارة الصحة يتجول بسيارته بين المستشفيات للوقوف على أسباب تأخر حصول المواطنين على مواعد الكشف، حتى أن مندوبا لوزارة الصحة أوقف مرة سيارة إسعاف وأعاد سيدة مُسنة إلى مستشفى عمومي لإجراء عملية جراحية مجانا، بعد أن أرسلها القائمون على المستشفى إلى مصحة خاصة لكي تجري العملية بمبلغ يكفي لاقتناء شقة في السكن الاقتصادي بحجة أن مستشفى الدولة لا يتوفر على التجهيزات الكافية. وبمجرد تدخل المندوب الجهوي للصحة، ظهر واضحا أن مستشفى الدولة يتوفر فعلا على التجهيزات المطلوبة، لكن لوبي القطاع الخاص توغل كسرطان مدمر وسط الإدارة العمومية. إذا تفرغنا هنا لسرد أمثلة من الواقع اليومي للمغاربة، كدليل على توحش القطاع الخاص في كل القطاعات الحيوية في المغرب، فربما لن ننتهي. والخلاصة أن هؤلاء الذين يكسرون رؤوسنا يوميا أن عهد المجانية قد انتهى، يعتقدون أن الحصول على خدمة تقتضي أولا الانخراط معهم في الأحزاب التي حولوا جُلها إلى دكاكين تُفتح بكلمة من الأمين العام، وتُغلق بأمر منه كلما اقتضى الأمر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى