الرأيالرئيسية

القمح أم الرقائق الإلكترونية؟

الأمن الطاقي العالمي يشكل الآن هاجسا كبيرا للعلماء والحكومات. الدول التي تعتمد على البترول عمودا فقريا لاقتصادها باتت تعلم أكثر من أي وقت مضى أن المستقبل للطاقات المتجددة، وأنه يتعين عليها الاستثمار في مجالات أخرى. أما الدول التي تتفوق عالميا في الصناعات الدقيقة، تعرف أن صناعات الرقائق -التي تدخل في صلب صناعات الحواسيب والسيارات الذكية والهواتف والبرمجيات- هي المجال الحقيقي الذي يجب تأمينه.

بالنسبة لحكومات أمريكا وأوروبا، فإن أخبار تراجع الاحتياطي الغذائي وأزمة الحبوب، كلها بالنسبة لها قضايا متجاوزة تستطيع تدبرها باللجوء إلى المواد المصنعة. لكن خبرا من قبيل تراجع إمدادات تايوان لمصانع شركات الحواسيب والسيارات بالرقاقات التي تصنع منها الحواسيب، سيشكل حالة استنفار كبرى. والسبب أن هذه الصناعات هي العصب الجديد لاقتصاد العالم وأمنه أيضا، بعد أن صارت تدخل في صلب الصناعات العسكرية أيضا.

وزارة الاقتصاد التايوانية عممت بداية هذا الشهر بيانا قالت فيه إنها تقدم حوافز لتعزيز القدرة التنافسية لتايوان في مجال صناعاتها الرئيسية. وتقصد صناعات الرقائق الإلكترونية.

ومررت الحكومة التايوانية قانونا بموجبه يتم تقديم حوافز مشجعة لمصنعي الرقاقات الذكية وإعفاءات ضريبية لرفع الإنتاج والحفاظ على الصدارة أمام منافسة كل من اليابان والولايات المتحدة وأيضا دول أوروبا وكوريا الجنوبية.

يحدث هذا في وقت سبق لعلماء أمريكيين أن نبهوا إلى ضرورة اهتمام أمريكا أكثر بهذا النوع من الصناعات حتى لا تصطدم مستقبلا بأزمة «رقائق» مثل ما حدث سنة 2021 عندما اضطرت شركات صناعات السيارات إلى خفض إنتاجها بسبب أزمة الرقائق التي تستعمل في برمجة حواسيب هذه السيارات.

وحسب ما نشرته المنابر الإعلامية في تايوان، فإن الحوافز الجديدة سوف تصبح سارية المفعول قريبا خلال السنة الحالية. ويمكن للشركات التايوانية المتخصصة في إنتاج الرقائق الإلكترونية، البدء في إجراءات مطالبة حكومة بلادهم بإعفاءات ضريبية على 5 بالمئة من التكاليف السنوية التي تصرفها في شراء معدات تقنيات معالجة البيانات المتقدمة.

والمثير أن المتخصصين في تايوان أطلقوا لقبا «طريفا» على هذا القانون الجديد، وأصبحوا يتعارفون عليه في ما بينهم بـ «النسخة المحلية من قانون رقائق أمريكا».

جزيرة تايوان مهددة بأن تصبح مستقبلا شبه معزولة عن العالم. ولو أن اقتصادها يقوم على الإنتاج الفلاحي والبحري، لضربت حولها العزلة منذ سنوات. لكن استثمارها في الصناعات الذكية خلال العقود الأخيرة وتفوقها على أكبر دول العالم في مجال البحث التكنولوجي جعلها رقما صعبا في المعادلة الاقتصادية حول العالم. إذا أوقفت تايوان صناعة الرقائق، فهذا الأمر لا يختلف في شيء عن أزمة القمح في أوكرانيا بسبب الحرب الروسية.

العالم اليوم لم يعد يحتاج إلى الدقيق فقط، بل إلى الرقائق الإلكترونية التي تدخل في صناعة كل ما تصادفه أعيننا كل يوم.

الحكومة في تايوان تمنح الآن هذا الامتياز الضريبي للشركات لكي تشجع إنتاج الرقائق فوق ترابها، حتى تُبقي على صناعة أحدث تقنيات الرقائق في تايوان وليس في مكان آخر في العالم. أي أن الشركات التايوانية لن تضطر إلى مغادرة البلاد لكي تستمر في إنتاج الرقائق أو البحث عن «الجنات الضريبية» في مكان آخر، وسوف تحافظ على جذورها في بلدها الأصلي. هذه الإعفاءات الضريبية التي تقدمها الآن حكومة تايوان في هذا المجال الصناعي من شأنه أن يرفع إنتاج الرقائق. لكن بدل أن تسد حاجة دول العالم من القمح أو تهدئ خوف الدول الفقيرة من أزمات المياه وانتشار المجاعات، سوف يكون هناك اكتفاء كبير في المواد الصناعية الدقيقة والمتطورة.

يونس جنوحي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى