الافتتاحية

الكيل بمكيالين

بدون أن تشعر بأي حرج أو وخز ضمير، خرجت بسيمة الحقاوي، وزيرة التضامن والأسرة، خلال ليلة رأس السنة، لتزف للفقراء خبر عدم إمكانية الجمع بين تعويضات بسيطة من برنامجين للحماية الاجتماعية، لأن النصوص المنظمة تمنع ذلك، مع العلم أنها هي من أشرفت على وضع قوانين المنع خلال ولايتها الأولى ضمن فريق حكومة عبد الإله بنكيران، قبل أن تذرف عليها اليوم دموع التماسيح خلال حكومة العثماني.
ماذا ننتظر، إذن، من حكومة تنتشي بحرمان الأرملة واليتيم من جمع الاستفادة بين دعم الأرامل بـ300 درهم وتعويضات 120 درهما في إطار برنامج «تيسير» المخصص للهدر المدرسي للفقراء، في حين تحلل وتبارك للبرلمانيين والوزراء مراكمة التعويضات التي يجمعها رموز حزب العدالة والتنمية بالجملة دون حسيب أو رقيب.
وينتاب المرء الكثير من السخط حينما يدرك أن حكومة العدالة والتنمية، التي منعت جمع الفقراء بين برنامجين للحماية الاجتماعية لا تتجاوز تعويضاتهما الشهرية 400 درهم، هي الحكومة نفسها التي سمحت لعبد العالي حامي الدين وأمنية ماء العينين، وخالد بوقرعي وعبد الله بوانو، وإدريس الأزمي وعبد العزيز العماري، ومحمد الصديقي ومحمد إدعمار وغيرهم، بمراكمة التعويضات بالملايين بسبب مداخيل البرلمان وتعويضات عمودية المدن ونيابة رئاسات الجهات والتمثيلية بالمؤسسات الدستورية.
لا نعلم أي منطق وأي قانون هذا الذي يحرم أيتام وأرامل المملكة من الحصول على تعويضات بسيطة تقدمها برامج اجتماعية متعددة.. هل يعتقد وزراء الحزب الحاكم، المطوقون بجيش من الخدم والحشم والسائقين والسيارات الفارهة، والغارقون في تعويضات الهاتف والماء والكهرباء والتدفئة والسكن والسفر و”الكوزينة”، أن 300 درهم المخصصة لليتيم قادرة على سد حاجيات مأكله ومشربه وملبسه، وتعليمه وتحقيق الحد الأدنى من متطلباته، بينما يصرف رموز “البيجيدي” الملايين شهريا من جيوب دافعي الضرائب على أبنائهم لإتمام دراستهم بالخارج وضمان عيشهم بترف.
ورغم أن حزب العدالة والتنمية جاء إلى السلطة ممتطيا صهوة شعار تخليق الحياة العامة ومحاربة الريع والفساد، وشعارات تحقيق العدالة الاجتماعية، إلا أنه تحول إلى أكبر مشتل سياسي لإنتاج واستهلاك أفيون الريع، وسوق رابحة لتحويل السياسة إلى مصدر للإثراء السريع وغير المشروع.
للأسف، ابتلانا الله بحكومة تنتج قانونا على مقاس بيت العنكبوت، ينقض على كل الحقوق البسيطة التي تخدم مصالح الطبقة الضعيفة، بينما يتغاضى عن امتيازات الحيتان الكبيرة التي لا تخضع لأي شكل من التضييق القانوني، بل بالعكس يتحول القانون لديها إلى مصدر لشرعنة استفادتها من الريع بشكل قانوني، رغم أنها تدرك يقينا أن ذلك التضخم مناف للأخلاق والعدالة الاجتماعية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى