شوف تشوف

اللي فاتك بـ12 قرن…

لفهم تحامل وحقد حكام الجزائر على المغرب تجب العودة دائما إلى التاريخ.

فمشكلة القادة الجزائريين هي أنهم لا يستطيعون قبول فكرة أن المغرب دولة عريقة عمرها 12 قرنا فيما الجزائر كدولة لم تظهر سوى بعدما منحها دوغول حق الاستفتاء من أجل الاستقلال، ودغول نفسه في خطاب شهير يقول إن الجزائر لم تكن في يوم من الأيام دولة مستقلة، فقد غزاها الرومان والوندال والبيزنطيون والفينيقيون والترك ثم الفرنسيون.

وحتى عندما سلم العثمانيون الجزائر للفرنسيين لم يسلموهم تندوف لأنها كانت أرضا مغربية، وعندما أعلن الجنرال دوغول الاستفتاء حول استقلال الجزائر رفض سكان تندوف المشاركة فيه بحجة أنهم مغاربة، والوثائق الفرنسية تؤكد هذه الحقيقة التاريخية.

وحين كانت الجزائر تعيش في جلباب الاستعمار الفرنسي، فتح المغرب أذرعه لاحتضان شباب وجدوا في المملكة الشريفة ملاذهم، وفي المناطق الحدودية تكونت النواة الأولى لما عرف بـ”مجموعة وجدة”، التي كانت مرابطة في الشرق، وشكلت قاعدة خلفية لدعم حركة التحرير الجزائرية انطلاقا من الأراضي المغربية وبتعاون وتوجيه مغربي.

لذا ظل المكون الجزائري حاضرا في التركيبة الديموغرافية للمغرب متعايشا بشكل سلس.

‎لذلك فالمتمعن في تركيبة الطبقة الحاكمة بالجزائر سيكتشف أن فئة منها ولدت في المغرب وفئة أخرى تلقت تعليمها في المغرب، قبل أن تشغل مناصب عليا داخل دواليب الدولة الجزائرية، بعدما نهلت من معين التجارب المغربية.

قليلون يعرفون أن محمد المقري، الصدر الأعظم، والفقيه محمد المعمري، وعبد الوهاب بنمنصور مؤرخ المملكة، ومحمد الربيع مدير الأمن الأسبق، وعلي يعتة، الأب الروحي للحزب الشيوعي المغربي، وغيرهم من الشخصيات المؤثرة في تاريخ المغرب، كانوا جزائريين.

والتاريخ يسجل أنه عندما أرسلت الجزائر أولى دفعاتها من المترجمين، كان ولد معمر زواوي ضمنها، وهو المولود سنة 1880 بمنطقة القبائل الجزائرية، لكنه تولى بين 1908 و1912 إدارة المدرسة الفرنسية الإسلامية بالرباط، واشتغل إلى جانب المولى يوسف مربيا للأمراء، ثم مديرا للبروتوكول فكاتبا خاصا للملك محمد الخامس، وبعد نفي الملك عاد إلى بلده الجزائر، ثم عاد إلى المغرب إثر حصول المملكة على الاستقلال حيث عين وزيرا للقصور الملكية والتشريفات.

وهذا لم يشكل أية عقدة بالنسبة للمغرب، بل بالعكس فقد اعتبر المغرب دائما المكون الجزائري إضافة هامة لتنوعه البشري والعرقي.

لكن في الطرف الآخر، هناك جزائريون ظلوا يخجلون من أصولهم المغربية ويتنكرون لها، مصرين على مبادلة مسقط الرأس بالتنكر والعدوان أحيانًا. طبعا ليسوا كلهم جاحدين لكن الاستثناء لا يبرر القاعدة.

‎وإنه ليضيق المجال لجرد لائحة الجزائريين ذوي الأصول المغربية الذين وصلوا سدة الحكم في الجارة الشرقية، أمثال قاصدي مرباح وعلي التونسي الملقب بالغواتي، وشريف بلقاسم ونور الدين دلسي، إضافة إلى محمد المكناسي مدير ديوان بوتفليقة واللائحة طويلة.

‎عاش الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة جزءا من حياته في مدينة وجدة عاصمة الجهة الشرقية للمملكة، عاش الولد اليافع طفولته في فصول مدرسة سيدي زيان أول مؤسسة للتعليم الرسمي العمومي في المغرب، وفي شهر أكتوبر من سنة 1940 أنشئت فيها أقسام للسنة الأولى من التعليم الثانوي، الأمر الذي مهد لبناء ثانوية عبد المومن.‎

‎قبل عامين، دار في الجزائر جدل سياسي حول مسألة الخلافة، بعد تردي الوضع الصحي للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، فالدستور الجزائري يمنح رئيس مجلس الشعب صلاحية رئاسة الدولة في حالة وفاة الرئيس لفترة معينة إلى حين انتخاب رئيس جديد، وفقا للمادة 88، لكن تطبيق هذه المادة اصطدم بإشكال آخر هو أن الرجل الثاني في الدولة مغربي الأصل ويتعلق الأمر بعبد القادر بن صالح. لذا طالبت جبهة العدالة والتنمية في الجزائر بتعطيل هذا القانون كي لا يحكم الجزائر مغربي الأصول.‎

ولأن رئيس البرلمان الجزائري بن صالح لا يملك الجنسية الجزائرية، فإن تدبيره زمام مرحلة ما بعد بوتفليقة ولو بطريقة انتقالية، كان مثار جدل في الجزائر والمغرب على حد سواء. لأنه من غير الجائز دستوريا تولي شخص لا يحمل جنسية البلد مقاليد الرئاسة.

‎لكن أتباع رئيس مجلس الأمة يؤكدون أن عبد القادر بن صالح “اكتسب الجنسية الجزائرية في السنوات الأولى للاستقلال، وبالتالي فهو يملك شروط تولي رئاسة الجمهورية”. هذا الرد لم يقنع معارضيه الذين أوضحوا أن بن صالح يجب أن يكون “حاملا لجنسية جزائرية أصلية، فيما واقع الحال لدى بن صالح أنه مغربي”. لذا صرخ بن خلاف قائلا: “لا يمكن أن نولي أمرنا لرئيس مغربي الأصل”، رغم أن فضل المغرب على بن خلاف كبير.

‎درس عبد القادر بن صالح في مدينة وجدة وحصل في المغرب على شهادة الإجازة في العلوم القانونية، ليختار مسارا في مجال الإعلام ووظف قلمه لخدمة الجزائر حتى وإن اقتضى الأمر القيام بغارات إعلامية على بلده الذي يحمل جنسيته، استنادا إلى رواية تقول إنه مولود رسميا بولاية تلمسان من والدين مغربيين.

و‎رغم أن مقامه بالمغرب كان قصيرا، إلا أن الرئيس الجزائري الأسبق أحمد بن بلة، فجر قبل وفاته مفاجأة من العيار الثقيل، حين قال إنه مغربي الانتماء، وهو ما جعل المغاربة يتلقون العزاء في فقدانه إسوة بالجزائريين.

‎يقول أهل منطقة زمران بإقليم قلعة السراغنة نواحي مراكش، إن أصول الرئيس أحمد بن بلة، من هذه التربة، التي يرقد في أحشائها أجداده، وهو ما جعله من أبناء المغرب الأوفياء، رغم أنه من مواليد مدينة مغنية التي لا تبعد عن وجدة إلا ببضعة كيلومترات، فيما تلقى تعليمه الثانوي في مدينة تلمسان المتاخمة للشريط الحدودي للمغرب مع الجزائر، وحين جلس بن بلة على كرسي الرئاسة وأمسك بزمام الحكم ظلت والدته تقطن بمدينة وجدة وتتنقل إلى العاصمة الرباط للقاء ابنها كلما حل بالمغرب.

‎ورغم أنه تلقى تعليمه في مغنية وتلمسان، إلا أن لبن بلة ذكريات بمدينة وجدة، مهد الثوار الجزائريين، حيث كان بعض أفراد عائلته يقيمون فيها مع والدته من قبيل أختيه وعمه، وهناك بعض الكتابات التي تحدثت عن تنقلات الزعيم الجزائري بدراجة هوائية بين مغنية ووجدة، من أجل زيارة العائلة ولعب مباريات في كرة القدم، بعد أن ارتبط بعلاقات صداقة متينة مع لاعبي المولودية الوجدية.

‎أما نور الدين يزيد الزرهوني رئيس المخابرات الجزائرية فهو من مواليد مدينة زرهون المغربية سنة 1937، درس بمدينة مكناس، قبل أن يلتحق بالخلية الشرقية لجيش التحرير الوطني حيث عهد إليه بالجانب التوثيقي. وبرزت ميولات الرجل الاستخباراتية فعين سنة 1961 بالاستعلامات لدى جيش التحرير الوطني، وفي سنة 1961 شارك نور الدين كمراقب في أولى المفاوضات مع الحكومة الفرنسية بإيفيان.

‎تنقل الرجل بين كثير من المناصب ذات الارتباط بالاستعلامات، وشارك ضد بلاده المغرب في حرب الرمال حين شغل منصب مدير العلاقات الخارجية لدى وزارة الدفاع الوطني، قبل أن يرأس الإدارة العامة للأمن الوطني الجزائري سنة 1979، ويعين وزيرا للداخلية.‎

وعلى الرغم من جذوره الزرهونية وتردده على مدينة مكناس في أكثر من مناسبة، إلا أنه تنكر للأصول وعرف بخرجاته الإعلامية المناوئة للمغرب ورده على خطب الملوك المغاربة الذين آمنوه من خوف في طفولته وشبابه قبل أن يشتد عوده.

‎أما دحو ولد قابلية فهو من مواليد رابع ماي من سنة 1933 في مدينة طنجة، حين كانت تحت الوصاية الدولية، وتقول بعض الروايات التاريخية إن والدته كانت “قابلة” لذا استلهم اللقب الذي تحول إلى اسم عائلي، وانضم إلى صفوف جبهة التحرير الوطني، بعدما حصل على شهادة الباكلوريا سنة 1955 لينتقل إلى فرنسا حيث أكمل تعليمه الجامعي بجامعة تولوز في شعبة الحقوق.

‎عرف مشوار الرجل ارتباطا وثيقا بالقيادة الترابية إذ عين واليا في عهد الرؤساء الذين تعاقبوا على حكم الجزائر في كثير من الولايات أبرزها مستغانم وتلمسان وتيارت وسكيكدة ووهران قبل أن يتقلد منصب والي العاصمة الجزائرية سنة 1971 ثم يدخل الحياة النيابية كبرلماني ثم وزيرا للداخلية مكلفا بالجماعات المحلية.

‎ورغم أنه ينحدر من مدينة تلمسان على غرار عبد العزيز بوتفليقة، إلا أن مراد مدلسي نال شهادة الباكلوريا في وجدة، قبل أن يرحل بعد استقلال الجزائر إلى باريس لاستكمال دراسته الجامعية في شعبة العلوم الاقتصادية. وحين عاد إلى الجزائر عين محاسبا في شركة للغاز ثم مديرا لشركة التبغ ليبدأ رحلة تسلق سلاليم المسؤوليات، ليصل إلى كرسي وزارة التجارة والمالية ليدخل بعدها إلى وزارة الخارجية.

‎أما قاصدي مرباح فهو المسؤول المخابراتي الجزائري الذي نشأ في المغرب وكان يحمل في دفتر الحالة المدنية اسم خالف عبد الله، وهو من مواليد 16 أبريل 1938، وانتهى رئيسا للوزراء في عهد الشاذلي بن جديد الذي أقاله حين علم أنه “يلعب بذيله” فاعتصم في مكتبه إلى أن نال “مأذونية” قيادة حزب سياسي.‎

ومن الوجوه المغربية التي سيطرت على المشهد السياسي في الجزائر، الراحل شريف بلقاسم الذي ولد في عين البيضاء بالحدود المغربية الجزائرية وعاش بين وجدة وبوعرفة، لكن روايات أخرى تقول إنه من مواليد الدار البيضاء التي تابع فيها دراسته في المغرب، قبل أن يلتحق بجيش التحرير الوطني، ليتولى قيادة منطقة تلمسان إلى غاية نهاية 1959 وهي السنة التي التحق فيها بقيادة أركان جيش التحرير الوطني بصفته مسؤولا عن الجهة الغربية. وعلى امتداد مساره تقلد الرجل مهاما وزارية أبرزها وزارة التعليم ووزارة المالية قبل أن يرأس المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي ويلتحق بالأمانة التنفيذية لحزب جبهة التحرير الوطني ليغادر الساحة السياسية نهائيا سنة 1975، وظل يتردد على المغرب بين الفينة والأخرى حين اعتزل السياسة.

‎أما علي تونسي المغربي الأصول فهو لا يتردد في التنكر لجذوره، ويصر على أن مسقط رأسه كان في مدينة ميتز الفرنسية يوم 27 شتنبر 1937، فيما تقول روايات أخرى بأنه ولد في جرسيف وتحول من مطارد من الأمن إلى مدير عام للأمن الوطني في الجزائر في الفترة ما بين سنة 1995 إلى غاية اغتياله في مكتبه بالجزائر العاصمة سنة 2010 على يد مسؤول وحدة عتاد الطيران بجهاز الشرطة العقيد ولطاش شعيب وذلك بمبنى المديرية العامة للأمن الوطني الجزائري.

‎لذلك فعلى الذين يشتمون المغرب سواء في الجزائر أو غيره من الأقطار العربية أن يفتحوا كتب التاريخ لكي يعرفوا أن هذه المملكة عمرها أكثر من 1200 سنة، والمغاربة يقولون “اللي فاتك بليلة فاتك بحيلة”، فكيف بمن فاتك باثني عشر قرنًا؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى