الافتتاحية

المرفق العمومي

«تمخض الجبل فولد فأرا». هذا المثل ينطبق بحذافيره على مشروع قانون ميثاق المرافق العمومية الذي صادقت عليه الحكومة في مجلسها الأخير، إذ ظل الرأي العام ينتظر لثماني سنوات لإخراج قانون مشوه نص عليه الدستور في فصله 157 الذي نص على أنه «يحدد ميثاق للمرافق العمومية قواعد الحكامة الجيدة المتعلقة بتسيير الإدارات العمومية والجهات والجماعات الترابية الأخرى والأجهزة العمومية».
صحيح أن الحكومة استطاعت أخيراً، بعد تعرضها لتنبيه ملكي تضمنه الخطاب الأخير لعيد العرش يقضي بتسريع إخراج «القانون الراكد في بطن الحكومة إلى الحياة، لكن فحوى القانون الذي يراهن عليه المشرع الدستوري في ضمان أقصى حد من المساواة بين المواطنات والمواطنين في الولوج والاستفادة من المرافق والإدارات العمومية، وتحقيق الإنصاف في تغطية التراب الوطني، وضمان الاستمرارية في أدائها للخدمات التي تقدمها، والشفافية والجودة وربط المسؤولية بالمحاسبة، واحترام قيم الموضوعية والتجرد والحياد، جاء دون التطلعات التي تجعل منه دستور الإدارة والقادر على إنقاذها من غياهب التخلف الجمود.
لقد أصرت الحكومة على وضع ميثاق أخلاقي خال من الخصائص التي تعطي للقانون معنى وجدوى وإلزامية في حياة الناس. وبطبيعة الحال، فلن يكون مصيره أفضل من مدونة سلوك البرلمانيين والصحفيين والمهنيين، وميثاق الأغلبية التي يتم خرقها كل حين. فالمشروع الحكومي اقترح إحداث مرصد وطني للمرافق العمومية لدى السلطة الحكومية المكلفة بإصلاح الإدارة والوظيفة العمومية، يتولى مهمة رصد مستوى فعالية أداء المرافق العمومية ونجاعته، لكن لم يقدم أي ضمانات وقوة إلزامية لهذا المرصد في علاقاته مع القطاعات الوزارية، والأكيد أن هذا المرصد سيلقى نفس مصير المجلس الأعلى للوظيفة العمومية الذي تحول إلى مجلس شبح وجوده كعدمه.
الأمر نفسه ينطبق على آلية التقييم السنوي لحصيلة منجزات الإدارة، التي طالبت الوزراء عند الاقتضاء بتحديد الصعوبات التي حالت دون تحقيق أهداف وزاراتهم المسطرة أو بعضها، وكذا التدابير الواجب اتخاذها لتجاوزها، وإجراء عمليات منتظمة للتدقيق، كما تسهر على إخضاع مصالحها لرقابة داخلية، ضمانا لحسن سيرها ونجاعتها. فهذه الإجراءات مستهلكة ويكفي الرجوع إلى مراسيم تنظيم فئة المفتشين العامين للوزارات الذي صدر منذ سنوات، للاقتناع بأن هاته الإجراءات لن تحقق أي شيء على ارض الواقع.
أمر جيد أن يطالب الميثاق الإدارة بتطبيق الأحكام القضائية، لكن ذلك غير كاف ولدينا عدد من القوانين الجنائية التي تلزم الإدارة باحترام المقررات القضائية وتنفيذها، لكنها لا تلتزم بها، ولذلك لا يستطيع ميثاق إخلاقي إجبار الإدارة على تنفيذ التزاماتها، فيما عجزت عن ذلك قوانين ملزمة ويترتب على خرقها جزاء.
للأسف، أن الحكومة تعتقد أن التخمة في وضع النصوص وإحداث اللجان كفيل بإصلاح أعطاب الإدارة التي لا تحصى، ولذلك اختارت، بعد ثماني سنوات من التلكؤ، وضع برنامج للنوايا الحسنة لن يقود لتحقيق شيء، باستثناء أنه سيكتب في صحيفة حكومة العثماني أنها أخرجت ميثاقا للإدارة سيتحول إلى شاهد زور.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى