الرأي

المصالحة الفلسطينية الجزئية

حسام كنفاني
لا يمكن التقليل من حجم الخطوة الفلسطينية نحو المصالحة وإنهاء الانقسام، والتي تمثلت في المؤتمر الصحافي المشترك لأمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح، جبريل الرجوب، ونائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، صلاح العاروري، والذي كان تحت عنوان مواجهة المخطط الإسرائيلي لضم أراض واسعة من الضفة الغربية. ويمكن اعتبار هذا المؤتمر، وما كشف عنه من ملامح تقارب بين الحركتين المتخاصمتين، أول إجراء فلسطيني جدي لمواجهة المخطط الإسرائيلي، من بين كل ما أعلنت عنه السلطة الفلسطينية من إجراءات. هذا على الأقل من ناحية الشكل، إذ إن وجود قياديين من الحركتين في مؤتمر صحافي مشترك لا يعني أن الانقسام في طريقه إلى النهاية قريبا، خصوصا أن شياطين التفاصيل دائما ما كانت تفجر أي محاولة اتفاق بين الطرفين، وهو ما تكرر على مدى 13 عاما، هي عمر الانقسام الفلسطيني.
من الجيد اليوم الابتعاد عن وهم تحقيق المصالحة التامة بشكل نهائي، على الأقل في المدى المنظور، والتركيز على إمكان التفاهم والتنسيق الجزئي بين «فتح» و»حماس» في مواجهة المخاطر التي تواجه القضية الفلسطينية، وفي مقدمتها اليوم مخطط الضم، والذي يمكن أن ينسف فكرة «الدولة الفلسطينية» من أساسها. التنسيق الجزئي هذا يحتاج من الطرفين التغاضي عن عناوين الخلافات الكثيرة بينهما، وحصر العمل المشترك في عنوان واحد، وهو التفاهم على الخطوات الممكنة لصد المخطط الإسرائيلي.
لا وقت اليوم، بالنسبة إلى «حماس» على سبيل المثال، لفتح ملف الانتخابات الرئاسية والتشريعية، ولا مكان للحديث عن إصلاح منظمة التحرير، ولا لإدانة مسار السلطة ومفاوضاتها مع إسرائيل خلال العقود الماضية. الأمر نفسه بالنسبة إلى «فتح»، لا مجال لانتقاد خيارات «حماس» في حكم غزة، ولا تحميلها مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع هناك، ولا التقليل من أهمية العمل العسكري المقاوم في قطاع غزة، واعتباره السبب في الحروب الإسرائيلية على القطاع. عناوين مثل هذه، وغيرها كثير، كانت وستبقى محل خلاف بين الطرفين، ومن شأن استعادتها اليوم أن تعيد الأمور إلى المربع الأول.
الأهم حاليا هو البناء على نقطة الالتقاء القائمة بين الطرفين، وتوحدهما ضد مخطط ضم الضفة الغربية، وعدم الغوص في نقاط الخلاف الأخرى، وجعلها من شروط التفاهم على المواجهة. لا ضير في المصالحة الجزئية بين «حماس» و«فتح» على عناوين موحدة، ونبذ نقاط التفرقة. لكن المشكلة الآن أن لا معلومات رشحت بعد المؤتمر الصحافي المشترك، بين الرجوب والعاروري. إذ بعدما انفض الجمع، لم تخرج أي معطيات حول آلية التنسيق المرتقبة لتنظيم تحركات في الضفة الغربية أو قطاع غزة، أو حتى توزيع العمل الدبلوماسي بين الطرفين، بحسب ما أشار العاروري نفسه، بين المجتمع الدولي والدول الإسلامية. الخوف من أن يكون هذا المؤتمر الصحافي مجرد إجراء فلكلوري، لا تبعات حقيقية له، تماما مثل لقاءات كثيرة سابقة جمعت مسؤولين من «فتح» و«حماس» في السنوات الماضية، وانتهت كلها إلى مزيد من الخلافات، وخصوصا أن «فتح» حينها كانت تستخدم هذه اللقاءات أداة ضغط على إسرائيل والولايات المتحدة، في مسار المفاوضات المتعثر.
من المفترض ألا يكون هذا هو الوضع اليوم، سيما أن لا مفاوضات حاليا بإمكانها أن تنقذ المركب الغارق، والذي يحمل الأطراف الفلسطينية كافة، في ظل التفاهم التام بين اليمينين الإسرائيلي والأمريكي، والذي يريد نتنياهو استغلاله إلى أقصى درجة. لذا لنأمل أن يكون ما يجمع «فتح» و«حماس» اليوم أكثر مما يفرقهما، وأن تكون المصالحة الجزئية اليوم طريقا لوحدة الصف الفلسطيني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى