شوف تشوف

الرأي

النار النووية.. الذكرى السبعين للاستخدام الأول والأخير لها

عند الساعة الخامسة والنصف صباحا من يوم 16 يوليو كان رهط من العلماء يضعون على أعينهم واقيات الوهج (مثل لحامي الأوكسجين) ليروا بأعينهم أول تجربة لانفجار أفظع قنبلة عرفها الإنسان في التاريخ.
كان الوهج من القوة بحيث أنار السماء بشواظ من نار، أضاءت له المنطقة على بعد عشرات الكيلومترات، بحيث ظنت عائلة (ويسلمان) التي كانت تمشي قريبا من (البوكيركي) أن الشمس بزغت مبكرة في ذلك اليوم النحس.
احتار من كان في المنطقة في تفسير الزلزلة، والنور الهائل المبكر؛ فعمدت السلطات الأمريكية لترويج قول مفاده أن مستودعا للذخيرة انفجر. هو فعلا مستودع ولكن فيه عشرون ألف طن من مادة التفجير ت . ن . ت؟
بعدها بثلاثة أسابيع، كانت القنبلة الأولى التي حملت على ظهر بارجة من سان فرانسيسكو باتجاه جزيرة تينيان في المحيط الهادي تحمل عبوة تشبه (قنينة الغاز الكبيرة). قيل للقبطان والبحارة إنها سلعة لا يمكن التضحية بها بحال. (ضربت البارجة بطوربيد ياباني في طريق الرجعة فغرقت ومعها 900 بحار ولو ضربت في طريق الذهاب لنجت هيروشيما فسبحان مقدر الأحوال).
بالطبع لم يكن يخطر في بال أحد أن جهد العلماء على مدى سنتين ونصف مكنهم من وضع أيديهم على أعتى سلاح على وجه الأرض؛ الطاقة من الذرة. حسب معادلة آينشتاين في علاقة المادة بالطاقة أنها تتحول إلى تسعين مليار مرة من القوة.
كانت القنبلة الأولى من اليورانيوم المخصب (235) كما فعلت إيران، أي القنبلة السخيفة من الجيل الأول (الحرارية وصلت إلى أقوى من هيروشيما بأكثر من ألف مرة). هذه أي قنبلة 235 يورانيوم لم تجرب وكان العلماء يتوقعون أن تنفجر، وهي التي نزلت على رؤوس اليابانيين في هيروشيما في صباح يوم 6 غشت من عام 1945م عند الساعة الثامنة و16 دقيقة؛ فكان موعدهم الصبح مع شروق الشمس فرأوا الشمس النووية، حين نزل الوقود فوق جلودهم فاحترق فورا سبعون ألفا من الأنام، لحقه في الأيام التالية بل والسنوات اللاحقة عشرات الآلاف من طوابير الموتى.
بعد ثلاثة أيام تم ضرب (ناغازاكي) بنفس القنبلة ولكن من نوع مختلف هي قنبلة البلوتونيوم 239 (قنبلة هيروشيما من نوع 235). ويقال أن ثمة قنبلة ثالثة ضربت بها ناغازاكي ولم تنفجر وسلمها اليابانيون إلى الروس ليفهموا تركيبها وليصنعوا بها قنبلتهم الأولى (قنبلة جو 1 عام 1949).
أهم ما في السلاح النووي الذي تسعى إيران إلى الوصول إليه، أنه القوة العظمى التي تمسح مدنا من على وجه البسيطة. وقنبلة إيران جد متواضعة ولكنها وضعتها في النادي النووي الشيطاني، فانضم ملالي طهران إلى أبالسة العالم.
من أعجب الأمور أن القوى العظمى التي تملك هذه العاتية تحاول التخلص من هذه المصيبة، وحين تم تركيب هذا السلاح كانت الأفكار أن يستخدم ضد روسيا أيضا والصين إذا تطلب الأمر لأنه القوة الأعظم (كان هذا طلب الجنرال ماك آرثر في حرب كوريا عام 1950 فقال «أحتاج إلى 17 قنبلة فأنظف الشرق كله من كوريا حتى الصين وروسيا» حيث كانت كل المؤشرات تقول أن ألمانيا استسلمت، وبقي أمام اليابان أن تفعل كذلك، باستثناء أن البنتاجون توقع مقتل ربما مئات الآلاف من الجنود الأمريكيين لحين استسلام جنود الساموراي (قتل 75000 جندي أمريكي في احتلال جزيرة أوكيناوا)!
كان ذلك واضحا في الانتحارات الجماعية، حين أذاع الإمبراطور خبر استسلام الإمبراطورية بدون قيد وشرط. قالوا لن نرضى بهذا والموت أرحم. (بقي لعشرات السنوات مئات الجنود اليابانيين في جزر المحيط تائهين يظنون باستمرار الحرب حتى عثر عليهم أقرب لقرود البابون).
أهم ما في قصة هذا الصنم الذي تسعى إيران لبنائه أنه سلاح ليس للاستعمال، خطير جدا حتى على من صنعه، شديد الكلفة، يحتاج إلى صيانة خرافية، وحقن مادة التريتيوم ليبقى شغالا يوم الزلزلة. ولكن مع هذا فإيران وكوبا وبقية الجيوب الستالينية يسيل لعابهم لهذا السلاح، لاستغلال القوى العظمى وابتزازها، كما يفعل بلطجية الحارات وكما فعلت إيران فأدخلت في جيبها مائة مليار دولار ويزيد، وهي في حالة أقرب إلى الإفلاس. هذه المرة قد تحك رأسها في قتل الأطفال السوريين، كما لا يستبعد أن تتحرك قوى إصلاحية داخل إيران لكنس نظام الملالي ولو بعد حين.
سلاح ليس للاستخدام. صنم لا يضر ولا ينفع ولا يملك موتا ولا حياة ولا نشورا. سلاح وصل إلى سقف الجنون، بامتلاك القوى العظمى أكثر من سبعين ألف رأس نووي، منها ما يحمله صاروخ ليصل إلى هدفه في عشرين دقيقة، في أي مكان في العالم؛ فينشر سبعة رؤوس من قنابل حرارية نووية كأنها جمالات صفر، ويل يومئذ للمكذبين. إنها حفلة جنون كاملة أليس كذلك؟
كان جورباتشوف على حق حين قال «العصر النووي يحتاج عقلية مختلفة». ونحن مازلنا على عصر الغابة والهراوة بسبب تحكم السياسيين بالعلماء وليس العكس.
حقيقة لم أفهم لماذا حرص أوباما على صفقة النووي؟ ألم يكن بإمكانه أن يتركها تمتلك سلاحا لن يستخدم كما حصل مع باكستان؟ حين قامت أمريكا بغزو باكستان فقالت الأخيرة أنها تخاف على سلاحها النووي. إنها نكتة ولكن لا تضحك مخلوقا.
حفلة الجنون النووي دخلته إيران متأخرة، والكل يحاول أن يودع هذه الحفلة في أربع أو خمس اتفاقيات بين العملاقين (ستارت وسولت 1 و 2) وتحريم استخدام وتجريب السلاح النووي فوق الأرض أو تحت الأرض أو في البحر، بعد أن جربت روسيا في صحراء بالاتنسك المئات، وأمريكا في صحراء نيفادا أكثر من 600 تجربة؛ ليصل الجميع إلى القناعة التي تقول إنه سلاح يفتح بوابة جهنم لمن أراد الدخول، ولكن ملالي طهران يريدون العبور إلى الجنة من خلال دخول النار، وهذا مستحيل للمتقين فمن دخلها لم يخرج منها قط.
ربما قد يصلح للتفسير أنه تفاهم مع إيران أن تدخل بيت الطاعة الأمريكية؛ فتأتمر بأمرها، ولا يقوم المجانين الأيديولوجيين بخطيئة استخدام هذا السلاح؛ لأنه سيعني نهاية إيران، وتلويث المنطقة إلى ثلاثين ألف سنة والتربة العالمية، بل وإشعال فتيل حرب نووية عالمية، لينتهي الجنس البشري من وراء الفكر الانتحاري الديني، كما رأينا في حوادث (أبها) حين فجر انتحاري نفسه في ذكرى هيروشيما (6 غشت 2015م) وداخل مسجد؛ فأخذ معه إلى العالم الأخروي تسعة أنفار؛ فكان عدد من قتل (تلك عشرة كاملة).
كان فرويد وآينشتاين يتراسلان في ظروف الحرب الكونية؛ فذكر الأول شيئا عن (التانتوس) و(الليبديو). أي لذة الحياة ويأس الموت. إنهما غريزتان مغروستان في جيناتنا، ولذا فمجانين إيران قد يقدمون على مثل هذا الجنون. طبعا مجموعات داعش سوف تستخدمه بدون تردد؛ فمجانين العالم أكثر من رمال صحراء الربع الخالي. ولا ندري قد نكون على بوابات نهاية العالم كما رأينا في بشار البراميلي وقتله مئات الآلاف من السوريين كله من أجل كرسي لن يدوم.
قال الشيطان «يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى». كذب عليه مرتين وضحك عليه ثلاث مرات. فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما، وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة. وعصى آدم ربه فغوى.. قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو. لحسن الحظ فالبعض للبعض، وليس الكل للكل كما في كتاب ليفياتان لهوبس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى