الرئيسيةالملف السياسي

النموذج التنموي الجديد وملامح مغرب المستقبل

إعداد: محمد اليوبي – النعمان اليعلاوي
خلال الأسبوع الماضي، ترأس الملك محمد السادس، بالقصر الملكي بفاس، مراسيم تقديم التقرير العام الذي أعدته اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي، واستقبل بهذه المناسبة، شكيب بنموسى، رئيس هذه اللجنة، الذي قدم للملك نسخة من هذا التقرير، الذي يتضمن تشخيصا للنموذج التنموي الحالي، ويقترح توصيات وآليات لتفعيل النموذج الجديد المقترح. ويعتبر التقرير بمثابة وثيقة مرجعية لتشخيص مفصل ودقيق للوضعية التنموية الحالية بالمغرب، لأن تجديد النموذج التنموي يشكل مرحلة جديدة في توطيد المشروع المجتمعي، ويرسم ملامح مغرب جديد في أفق سنة 2035، لكن يبقى أهم سؤال مطروح هو كيف سيتم تنزيل هذا النموذج على أرض الواقع؟

تنزيل النموذج التنموي الجديد…مصادر التمويل
يتطلب النموذج التنموي الجديد تمويلات عمومية إضافية من الناتج الداخلي الخام سنويا في مرحلة الانطلاق (2022- 2025)، وفي مرحلة السرعة القصوى في أفق سنة 2030.

وحسب التقرير العام للجنة الخاصة بالنموذج التنموي، فإن النموذج الجديد يتطلب تعبئة موارد مالية هامة لإطلاقه وتفعيله، كما يستدعي وضع استراتيجية تمويل ملائمة، وتقدر التقييمات الأولية أن الإصلاحات والمشاريع المقترحة في النموذج التنموي الجديد ستتطلب تمويلات عمومية إضافية بنسبة 4 في المائة من إجمالي الناتج الداخلي الخام سنويا في مرحلة الانطلاق (2022- 2025)، وبنسبة 10 في المائة من إجمالي الناتج الداخلي الخام في مرحلة السرعة القصوى في أفق سنة 2030.

وأضاف التقرير ذاته أن بعض أهداف التنمية، سيما تلك المرتبطة بأوراش الرأسمال البشري ومشاريع الإدماج (تعليم، تعليم عالي، صحة، حماية اجتماعية، شبيبة)، ستتطلب نفقات عمومية منتظمة ومهمة في أعقاب تعميمها. وتابع التقرير أن مشاريع أخرى في صلب النموذج، كالرهانات الخمسة المعتمدة، والإصلاحات الهيكلية المصاحبة لها (الماء، الطاقة، النقل، اللوجيستيك، والرقمنة…)، والتحول الهيكلي للاقتصاد، وتنمية المنظومات الترابية (مشاريع جهوية، صناديق دعم، أقطاب للبحث والتكوين إلـخ)، يتعين إطلاقها ابتداء من سنة 2022 لتشجيع خلق القيمة ومناصب شـغل ذات جودة.

وتستهدف استراتيجية التمويل في النموذج التنموي الجديد، على الخصوص، مرحلة الانطلاق، بدعم من الدولة بهدف تأمين شروط الاستحواذ من طرف القطاع الخاص. وتفترض أن انطلاقة ناجحة ستولد دينامية إيجابية من شأنها تمكين النموذج التنموي الجديد من تمويل ذاتي جزئي، من خلال المساهمة في زيادة الموارد.

وستؤثر دينامية التحول والإصلاح إيجابيا على قدرات تعبئة الموارد العمومية: فالأوراش الرئيسية للنموذج الجديد، بالنظر لآثارها التحولية، من شأنها أن تحدث نقلة نحو مستوى جديد للنمو السنوي للناتج الداخلي الخام، الذي يمكن أن يستقر في حدود 6 في المائة ابتداء من 2025 و7 في المائة ابتداء من 2030.

وأشار التقرير إلى أن الدينامية الاقتصادية الإيجابية التي يمكن الحصول عليها من خلال تسلسل ملائم للإصلاحات والمشاريع، ابتداء من الأكثر هيكلة وتلك التي لها تأثير اقتصادي أقوى، ستتيح انتعاشا للإيرادات الضريبية، مما سيساعد على خفض الاحتياجات التمويلية للدولة، وبالتالي دعم استدامة المالية العمومية.

ووفقا للتقرير، فإن العائد المتوقع من النموذج التنموي الجديد يبرر استراتيجية تمويل إرادي تتناول هذه النفقات الإضافية كاستثمارات في المستقبل على المديين المتوسط والبعيد، يأخذ في الاعتبار التأثير الديناميكي المحتمل للنموذج التنموي الجديد نحو دائرة نمو مثمرة، تضمن تخصيص الموارد اللازمة لانطلاق مشاريع هيكلة للنموذج الجديد ولفتح مرحلة جديدة من التوسع.

وترتكز استراتيجية تمويل النموذج التنموي الجديد علـى خمس دعامات مهيكلة تحتاج إلى التمويل العمومي والخاص، وتهدف إلى إطلاق المشاريع الكبرى للنموذج التنموي الجديد، التي يجب تفعيلها بشكل متزامن، ويتعلق الأمر، يضيف التقرير، بسياسة مالية تتماشى مع أهداف النموذج التنموي الجديد، وتعيد توزيع الموارد الضرورية لتمويل أوراشه التحولية، مشيرا إلى أن هذا الأمر يتطلب على الخصوص إعطاء الأولوية لتخصيص الموارد لفائدة الرأسمال البشري، من خلال إعادة توجيه تكاليف المقاصة نحو آليات الحماية الاجتماعية المندمجة، وكذا ترشيد التحويلات إلى المؤسسات والمقاولات العمومية وزيادة أرباحها، من خلال إصلاحها وتحسين أدائها. وعموما، ستمكن مراجعة النفقات الاستراتيجية وبرمجة الميزانية متوسطة المدى من تخصيص الموارد بشكل أفضل بما يتماشى مع الأهداف.

وتتعلق الرافعة الثانية بسياسة ميزانياتية مرنة تندرج في إطار الديناميكية المتوسطة وبعيدة المدى يتطلبها كل نموذج تنموي. وسجل التقرير أن اللجوء المتزايد إلى الدين قصير الأمد أمر ضروري، وينبغي استخدامه بطريقة مدروسة لتمويل المشاريع والأوراش التي تعزز التنمية وترفع من النمو على المديين المتوسط والطويل، خاصة في ما يتعلق بالرأسمال البشري والتحول الاقتصادي المهيكل، وأضاف أن هذه المقاربة تعتبر أنه من الضروري، مؤقتا على الأقل، نهج قطيعة مع القواعد الماكرو- اقتصادية الملزمة، مع ضمان الاستدامة المالية على المديين المتوسط والبعيد اللازمين للحفاظ على ثقة الفاعلين الاقتصاديين.

ووفقا للجنة، يمكن أن يستند اللجوء إلى الدين إلى الفرص المتاحة في سوق الرساميل، واللجوء إلى عمليات التدبير النشط للدين، فضلا عن فرص التمويل بشروط ميسرة ومجموعة من آليات التمويل المتاحة في إطار شراكات دولية.

وترتبط الرافعة الثالثة بسياسة جبائية أكثر نجاعة، من شأنها تعبئة موارد إضافية، تقدر بنسبة تتراوح ما بين 2 و3 في المائة من الناتج الداخلي الخام. وسيتم ذلك من خلال تحسين العدالة الجبائية، وتوسيع الوعاء الضريبي، وإدماج القطاع غير المهيكل، دون إغفال تحسين النفقات الضريبية بالمعنى الواسع، سيما منافذ الإعفاء الضريبي التي لم تعد مبررة. وترتكز الاستراتيجية كذلك على انطلاق سريع للتحول الهيكلي للاقتصاد، الكفيل بتوليد موارد على المدى المتوسط تسمح باستدامة النموذج، وتستدعي زيادة دور المؤسسات والمقاولات العمومية والقطاع الخاص الوطني والدولي.

إن توليد نمو قوي، يساعد أكثر على خلق مناصب الشغل التي تحفز الطلب الداخلي، لا يمكن أن يتم دون الانخراط السريع في تنويع الاقتصاد وزيادة قدرته على استغلال جميع فرص النمو.

وفي إطار استراتيجية التمويل هاته، يتم ضمان الاستدامة من خلال دينامية النمو التي تولد موارد جبائية إضافية وتمكن من نقل هذه الموارد كأولوية إلى أوراش الرأسمال البشري والإدماج، والتي ستزداد احتياجات التمويل إليها في أفق النموذج التنموي الجديد.

ويستدعي هذا التحول الهيكلي التفعيل السريع لاستراتيجية التنويع التي يدعو إليها النموذج التنموي الجديد، بالإضافة إلى الوسائل ذات التأثير القوي على الاستثمار المنتج الخاص، مثل تلك المتوقعة في إطار صندوق محمد السادس للاستثمار.

كما يدعو إلى تعبئة قوية للمؤسسات والمقاولات العمومية، خاصة تلك العاملة في القطاعات الاستراتيجية، للاضطلاع بدور القاطرة الاقتصادية ودينامية المنظومة الترابية، وذلك بناء على توصيات النموذج التنموي الجديد المتعلقة بمساهمة الدولة وإصلاح بعض القطاعات الرئيسية (الطاقة، والماء، والرقمنة، واللوجستيك وغيرها). وتهم الرافعة الخامسة توفير الظروف المواتية لزيادة الاستثمار الخاص الوطني والدولي، عبر إطار استثماري جذاب وتنويع آليات وأنظمة التمويل خدمة للتحول الاقتصادي.

ويرتكز النموذج التنموي الجديد على تعبئة قوية للاستثمار الخاص لتحقيق أهدافه، ويدعو إلى زيادة حصة القطاع الخاص في الاستثمار (تبلغ في الوقت الراهن حوالي 35 في المائة). وسجلت اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي أن الزيادة في الاستثمار الخاص تتطلب تنويع آليات وأنظمة التمويل، من خلال عرض تمويل بنكي تنافسي، وسوق مالية دينامية وجذابة مع معايير تنظيمية تتماشى مع المعايير الدولية الفضلى، واللجوء إلى التمويلات المبتكرة. وتتطلب التعبئة الفعالة للمدخرات المؤسساتية ونشرها لفائدة التمويلات طويلة الأمد للنموذج التنموي الجديد، من خلال تكييف الإطار التنظيمي الذي ينظم صناديق التقاعد والحماية الاجتماعية والتأمينات، فضلا عن إعادة هيكلة المؤسسات والمقاولات العمومية ذات الطبيعة الاقتصادية.

كما تتطلب تطوير الشراكات بين القطاعين العام والخاص والترتيبات المالية المبتكرة لتمويل المشاريع، سيما من خلال الانفتاح على الاستثمار الخاص في قطاعات معينة، وإرساء إطار تنظيمي وفقا للمعايير الدولية، وإعداد المشاريع القابلة للتمويل، فضلا عن تعزيز القدرة على جذب الاستثمار الأجنبي المباشر.

النموذج التنموي..خيارات استراتيجية والرهانات المستقبلية
تقترح اللجنة خيارات استراتيجية من شأنها إطلاق دينامية جديدة لخلق الثروة، تمكن من إدماج جميع المواطنين وجميع المجالات الترابية وتعبئة إمكانيات البلاد واغتنام كافة الفرص المتاحة. وتتضمن بعض من هذه الخيارات تعزيز ما هو قائم أو تسريع وتيرة الإصلاحات الجارية، وهناك خيارات أخرى هي بمثابة قطيعة مع الوضع الراهن، على الأقل في ما يخص المنهجية، أو في ما يتعلق بالهدف المنشود، مما يستدعي تغييرا عميقا في طرق العمل والذهنيات.

فعلى المستوى الاقتصادي، تعتبر اللجنة أنه من الضروري تسريع وتيرة التحول الهيكلي للاقتصاد الوطني، قصد جعله أكثر دينامية وتنوعا وتنافسية، وقدرة على خلق مزيد من القيمة المضافة ومناصب الشغل ذات جودة ومدرة للموارد من أجل تمويل الحاجيات الاجتماعية، ولهذا يجب التركيز على دعم قدرات الاقتصاد الوطني من حيث الصمود والتكيف، سواء مع تبعات الأزمة الحالية أو مع أزمات أخرى، التي من المتوقع أن تزداد وتيرتها وحدتها مستقبلا.

وباعتباره دعامة لمغرب مزدهر، فإن التحول الهيكلي للاقتصاد يفرض تحديدا، أولا، تحرير المبادرة الخاصة وبث روح المقاولة من خلال مناخ أعمال شفاف ومطمئن وتوقعي عبر مساطر مبسطة وتقنين مستقل يحفز بشكل ملموس ولوج فاعلين جدد أكثر إبداعا. وثانيا، تحسين تنافسية النسيج الاقتصادي عبر التقليص من تكلفة عوامل الإنتاج وبشكل خاص الطاقة واللوجستيك؛ ثم ثالثا، توجيه استثمارات القطاع الخاص، سواء تعلق الأمر بكبريات الشركات أو المقاولات الصغرى والمتوسطة نحو القطاعات الرائدة والمستقبلية، وأيضا نحو الارتقاء بالنظام الإنتاجي، وذلك عبر إطار تحفيزي ملائم والولوج الموسع إلى آليات التمويل المتعددة وكذا عبر مواكبة المقاولات لتعزيز قدراتها التدبيرية والتنظيمية والتكنولوجية. وأخيرا، تثمين الاقتصاد الاجتماعي وجعله دعامة للتنمية ومصدرا لخلق فرص الشغل اللائق داخل المجالات الترابية.

وأكدت اللجنة في تقريرها على ضرورة اعتماد مقاربة نسقية ومندمجة، وأوضح التقرير أن اللجنة تطرقت بدقة إلى بعض الأنشطة القطاعية، اعتبارا لمكانتها في الاقتصاد الوطني ونتيجة للإشكاليات التي طرحتها أزمة «كوفيد-19» على مستقبل هذه القطاعات، خصوصا في ما يتعلق بقضايا السيادة والقدرة على مواجهة الأزمات، ويتعلق الأمر بكل من قطاعي الفلاحة والسياحة.

فبالنسبة إلى القطاع الفلاحي، فإن الأزمة الصحية الراهنة أبرزت الرهانات المرتبطة بالسيادة الغذائية وضرورة تطوير فلاحة عصرية وذات قيمة مضافة عالية، دامجة وتكرس معايير المسؤولية الاجتماعية والبيئية، وبالإضافة الى تقوية اندماج سلاسل القيمة الفلاحية، من أجل تثمين أفضل للإنتاج المحلي، وإيلاء الأهمية لاستدامة الموارد، خصوصا الماء، فإن ترسيخ السيادة الغذائية يستدعي تحفيز أنشطة البحث والابتكار وإرساء حكامة شمولية أكثر تنسيقا على مستوى المجالات الترابية.

في ما يتعلق بقطاع السياحة، فإن آثار الأزمة الصحية تجعل من الضروري إعادة التفكير في تطور هذا القطاع، وفق مقاربة ترتكز على الاستدامة ودعم قدرات الصمود أمام الأزمات. ويحتاج هذا القطاع إلى نفس جديد، يمتد على المديين المتوسط والبعيد، ويرتكز على تثمين مؤهلات كافة المجالات الترابية، قصد تحفيز السياحة الداخلية وكذا الرفع من جاذبية القطاع لبعض مكونات الطلب الخارجي. ولهذا الغرض، يتحتم تكميل عرض الإيواء بعرض يخص التنشيط وتقديم تجارب متنوعة ذات جودة، وفق مقاربة منظوماتية، وكذا دعم ريادة الأعمال وتعزيز الكفاءات في مجال الخدمات السياحية وتسريع التحول الرقمي للقطاع، بالإضافة إلى تعزيز التنسيق على المستويين الاستراتيجي والعملي.

ويشكل تجويد الرأسمال البشري من أجل مغرب الكفاءات، أمرا ضروريا لتحريك آليات الارتقاء الاجتماعي ولتمكين المغرب من التحسين الكبير لترتيبه ضمن التصنيفات العالمية ذات الصلة، وذلك بفضل الترسيخ القوي لاقتصاد المعرفة.

وفي مجالي الصحة والتعليم، باعتبارهما ركائز هامة لتجويد الرأسمال البشري، فإن اللجنة تقترح التعزيز الجوهري لعرض الخدمات العمومية بمجموع المجالات الترابية وضمان الولوج المنصف إليها وذلك إلى جانب قطاع خاص كشريك مسؤول ونزيه؛ والتركيز على جودة الخدمات وتقييمها انطلاقا من المعارف المكتسبة من طرف التلاميذ ومن مستوى كفاءات الطلبة وقابليتهم لولوج سوق الشغل وكذا عبر عرض صحي يواكب التعميم الفعلي للتغطية الصحية؛ ثم تثمين الموارد البشرية وتقوية قدراتها، سواء بالنسبة إلى الأساتذة والباحثين أو الأطباء ومستخدمي القطاع الصحي.

وفي هذين القطاعين، خلصت اللجنة إلى أنه لا يمكن تجويد أداء ونجاعة المرافق العمومية دون حكامة ترابية واستقلالية أكبر للمؤسسات التعليمية والجامعات والمراكز الاستشفائية، ويتحقق كل ذلك في إطار من المسؤولية إزاء الالتزامات المبنية على النتائج والنجاعة وآليات منتظمة للتقييم.

وبشكل أكثر تحديدا، ترى اللجنة أنه بالإضافة إلى مهمتها الجوهرية في ما يتعلق بالتكوين وتنمية القدرات، فإن المدرسة المغربية يتحتم عليها الاضطلاع بدور هام في مجال نشر وترسيخ القيم، من خلال تربية وطنية ودينية متجددة، تستند على تاريخنا العريق، وغنى وتنوع ثقافتنا الوطنية وارتباطنا بمنهج الإسلام المنبني على التآلف والتضامن. وعبر تطوير قيم المواطنة، التي تكرس احترام الآخر بمنأى عن الاختلافات، وأهمية المنفعة المشتركة وسمو المصلحة العامة والمشاركة المواطنة، فإنه بالإمكان تقوية الشعور بالانتماء للوطن وترسيخ التشبث بثوابت الأمة.

وفي قطاع الصحة، إن التحديات الجديدة التي تطرحها أزمة «كوفيد- 19» والمخاطر المحتملة لظهور أزمات صحية مستقبلا، تجعل من الضروري والملح تقوية قدرات منظومة الصحة من حيث اليقظة والوقاية والصمود. وبالموازاة مع تعزيز الجهود المبذولة حاليا من أجل استدراك التأخر الهيكلي ومقاومة آثار الجائحة الحالية، سيكون من المهم بذل جهود كبيرة لتقوية السيادة الوطنية في مجال الصحة، عبر تطوير صناعة صيدلية وطبية تكون قادرة على إنتاج الأدوية، واللقاحات وإجراء الفحوص، فضلا عن المعدات الطبية والمستهلكات الطبية، للاستجابة للحاجيات الوطنية في هذا المجال، وأيضا لتلبية طلب البلدان الإفريقية.

بنموسى: تفعيل النموذج التنموي الجديد يستدعي قيادة للتغيير
أكد رئيس اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي، شكيب بنموسى، أن النموذج المقترح من طرف اللجنة يرتكز على طموح وطني جديد في أفق سنة 2035. وأوضح بنموسى، في كلمة له خلال ندوة صحفية خصصت لتقديم التقرير الخاص بالنموذج التنموي، أن هذا الطموح، الذي يندرج ضمن مرجعية مشتركة للتنمية، يتضمن أهدافا واضحة المعالم وقابلة للقياس، في إطار جملة من الخيارات الاستراتيجية ذات البعد التحولي.

وأضاف أن تفعيل هذا النموذج يستدعي قيادة للتغيير تستمد نجاعتها وفعاليتها ليس فقط من خلال رافعات للتحول وتعبئة مصادر التمويل والشراكات، بل أيضا عبر آليات للتتبع والتحفيز تدعم التملك الجماعي لكافة الأوراش التحولية وتضمن الشروط الكفيلة بإنجاحها. وأشار بنموسى إلى أن هذا النموذج المقترح يشكل نقطة انطلاق نحو مرحلة جديدة من أجل الدفع قدما بالمشروع المجتمعي للمملكة، تحت قيادة الملك محمد السادس، مع ما يستدعي ذلك من ضرورة ترسيخ قيم المواطنة المسؤولة والفاعلة، وتعزيز الشعور بالانتماء إلى الأمة، وتكريس الهوية المغربية المتجذرة عبر التاريخ والغنية بتعددية روافدها الثقافية وبتشبثها بقيم الانفتاح والحوار والاعتدال.

هذا التقرير، يضيف رئيس اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي، هو ثمرة سنة من العمل الدؤوب من خلال الاجتماعات واللقاءات والمشاورات وجلسات الإنصات، التي قامت بها اللجنة، لوضع تصور واضح وعملي للمغرب الذي نطمح إليه، مغرب الغد حيث يتمركز العنصر البشري في صلب أولويات السياسات العمومية، مسجلا أن ذلك سيساعد على جعل المغرب بلدا مزدهرا ودامجا لكل مواطنيه، حريصا على استدامة موارده الطبيعية، مثمنا لكل كفاءاته داخل الوطن وخارجه. وقال «إن المغرب الذي نطمح إليه سيكون قوة قادرة على مواجهة التحديات والأزمات ذات البعد الإقليمي أو الدولي وتحويل المخاطر الناجمة عنها إلى فرص سانحة لصالح تنمية بلادنا».

وتابع بنموسى أن «موقعنا الجغرافي، رصيدنا الحضاري، قيمنا الدينية السمحة المنسجمة مع القيم الإنسانية النبيلة، وكذا الروابط المتينة والمتجذرة بين الملك والشعب والتي شكلت عبر التاريخ الأساس لأي تحول هام في المسار التنموي للبلاد، كلها عوامل تؤهل المغرب للارتقاء إلى مصاف الدول الرائدة التي تكرس مبادئ الحوار والانفتاح والشراكة، خدمة لرفاه مواطنيه وإسهاما منه في بناء عالم أفضل»، ولفت إلى أن هذا الطموح تمت ترجمته عبر أهداف للتنمية كفيلة بجعل المملكة تتبوأ مكانة ضمن الثلث الأول من التصنيفات العالمية في عدة مجالات، مبرزا أن هذا الطموح يستدعي تعبئة شاملة للكفاءات الوطنية للدفع قدما بمسيرة التنمية، في ظل سياق دولي يتسم بحدة التعقيدات والتحولات السريعة.

وأكد بنموسى أن آليات التنفيذ والتتبع تشكل لبنة أساسية لتطبيق أمثل وفعال للنموذج التنموي الجديد، مشيرا إلى أن الوثيقة ركزت بشكل كبير على كيفية التغلب على صعوبات تنفيذ هذا النموذج ، بناء على إطار مرجعي مشترك من أجل تجسيد العديد من الأهداف.

وأوضح رئيس اللجنة الخاصة للنموذج التنموي أنه لضمان تنفيذ أمثل لهذا المشروع والتزام دائم، يقترح التقرير آليتين لتفعيل هذا النموذج، من بينها ميثاق وطني للتنمية، الذي يطمح أن يكون لحظة توافق والتزام للقوى الحية للأمة حول مرجع مشترك يتقاسمه الجميع، وأضاف أن هذا الميثاق سيكون أداة لتجديد علاقات الدولة مع الفاعلين في التنمية (الأحزاب السياسية والمؤسسات الدستورية والقطاع الخاص والشركاء الاجتماعيين والمجالات الترابية والقطاع الثالث)، مشيرا إلى أن تحمل المسؤولية، والتمكين، والتفريغ، والشراكة، والاستدامة، والإدماج، تمثل العبارات الأساسية لهذا التجديد.

وأبرز أن الميثاق الوطني من أجل التنمية يمكن اعتماده بشكل علني من طرف الفاعلين المعنيين، ويشكل التزاما معنويا وسياسيا أمام صاحب الجلالة والأمة برمتها، مضيفا أن هذا الميثاق سيمهد الطريق لمرحلة تاريخية جديدة في مسار تنمية البلاد، سواء على مستوى رمزيته، أو على مستوى بعده الاستراتيجي وطبيعته الوظيفية. وتتمثل الآلية الثانية التي أوصت بها اللجنة الخاصة للنموذج التنموي في إحداث آلية تحت السلطة المباشرة لصاحب الجلالة لتتبع النموذج التنموي الجديد وحفز الأوراش الاستراتيجية، ودعم إرادة التغيير.

وأشار إلى أنه من خلال السهر على الانسجام العام والتناسق في وضع الاستراتيجيات، والدفع بالإصلاحات التحولية، ستمكن هذه الآلية من وضع الفاعلين أمام مسؤولياتهم وتقوية التأثير عند المواطنين مع خلق تآزر يتجاوز مدة الولايات الحكومية من أجل تعبئة واسعة في إطار التوافق.

إدريس الفينا أستاذ الاقتصاد بالمعهد الوطني للإحصاء والاقتصاد التطبيقي : «النموذج التنموي الجديد ملزم أخلاقيا والعملية الديمقراطية لم تعد تنتج نخبا جديدة»

يرى الخبير الاقتصادي وأستاذ الاقتصاد بالمعهد العالي للإحصاء والاقتصاد التطبيقي بالرباط، إدريس الفينا، أن «التقرير الصادر عن اللجنة المكلفة بإعداد النموذج التنموي الجديد يأتي في مرحلة صعبة يمر منها العالم وأيضا المغرب، وهي المرتبطة بأزمة انتشار وباء كورونا، التي حملت معها معطيات جديدة وجب على المغرب مواكبتها، وقد جاء هذا التقرير بعد أقلمته مع التطورات المرتبطة بالوباء»، مبينا أن «التقرير هو بمثابة الوعي بالوضع الذي نعيشه وأيضا التحديات التي تواجهنا، والتقرير أيضا مؤشر على أن المغرب يتفاعل مع هذه المعطيات الجديدة لأزمة كورونا وآثارها على الاقتصاد والمجتمع»، مبينا أن «الأفكار الجديدة التي جاء بها التقرير انصبت حول قراءة الاختلالات الهيكلية التي تعيق النمو السريع للمغرب»، وأن «النموذج التنموي الجديد يخلق نوعا من الوعي الجماعي الذي يرفع مستوى الذكاء الجماعي للمغاربة ويضعهم أمام الصورة الحقيقية لما هو واقع وما يجب أن نصبو إليه في مواجهة المشاكل الحقيقية».

وشدد الفينا على أن «التقرير وضع اليد على مجموعة من الإشكاليات، وتطرق إلى مجموعة من الإشكالات التي تعيق التنمية في البلاد، كما جاء بمجموعة من التوجهات الاستراتيجية الجديدة التي من أهدافها الوصول إلى مغرب مزدهر عبر اقتصاد قوي متنوع ومعولم»، مبينا أن «تقرير النموذج التنموي حدد بعض العناصر التي يجب أن يمتاز بها الاقتصاد الوطني من قبيل أن يشمل كل التراب الوطني دون استثناء ويعتمد على قطاعات متعددة ويقوم باستغلال كل الفرص المتاحة وطنيا، أو ما يسمى بـ(الفرص النائمة)، كما سماها التقرير»، معتبرا أن «التقرير قدم توجهات جديدة على مستوى القطاع الفلاحي وأيضا على مستوى قطاع السياحة الذي يراهن عليه كقطاع مستقبلي، بالإضافة إلى الاقتصاد الأخضر، وكل ما هو مرتبط بحماية البيئة، كماقدم توجيهات جديدة أيضا في مجال الصناعة، وأنواع الصناعات التي يجب أن يتخذها المغرب لتطوير القطاع برمته»، مؤكدا على أن التقرير «قدم كذلك بعض التوجهات المرتبطة بفئات الشباب، وكذلك على مستوى دمج المرأة في الدورة الاقتصادية، لأن نسبة دمج المرأة اليوم تبقى ضعيفة».

وبخصوص دور النخبة السياسية في تنزيل النموذج التنموي الجديد، قال الفينا إن «التقرير جاء من أجل رفع مستوى الوعي الجماعي بالمغرب، وهذا معناه أن هناك إشكالا في النخب المغربية، كما أن العملية الديمقراطية لم تعد تنتج نخبا جديدة بقدر ما بتنا نلاحظ شبه تداول بين نفس الأفراد، وهذا الأمر هو الذي أدى إلى تردي النموذج التنموي في المغرب، وبالتالي فإن العملية الانتخابية مطالبة اليوم بإنتاج نخب جديدة محليا وجهويا ومركزيا ذات كفاءات عالية، لأن المغرب اليوم في حاجة إلى الكفاءات والعلماء من أجل تطوير الاقتصاد الوطني والنهوض بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، لتجاوز الخلط واللخبطة المقصودة التي تسيء للمسار التنموي للبلاد»، حسب الفينا، مبرزا أن «النموذج التنموي الجديد لا يشمل طرفا واحدا بل يهم جميع الأطراف المساهمين في مسلسل التنمية، من الجماعات الترابية إلى الإدارات المركزية والحكومة ووزارات القطاعات»، مبرزا أن «الجميع معني بالقراءة الجماعية لهذا التقرير والوعي بما جاء فيه»، معتبرا أن «هذا التقرير هو بمثابة المرآة التي تعكس الصورة الحقيقية للمجتمع والبلاد، وهي المرآة التي تكشف مكامن الخلل على مختلف الأصعدة»، مبينا أنه «لا يمكن أن يتم خلق جهاز مواز للأجهزة القائمة من أجل تنزيل النموذج التنموي الجديد، فالمغرب دولة قائمة، ولديه مؤسساته التي هي مطالبة بالعمل على تنزيل هذا التقرير ومعالجة ما أضاءه من مكامن الخلل».

وبين الفينا أن «جميع المؤسسات العاملة والنخب السياسية والاقتصادية مطالبة بالتفاعل مع هذا التقرير، من خلال دمجه في برامجها المستقبلية وتنزيل ما تضمنه من رؤى، كما هو الشأن بالنسبة لمحاربة الرشوة والريع والفساد الإداري والمالي، وهي المشاكل التي تعني جميع الأطراف والمؤسسات التي هي مطالبة بقوة بمعالجتها».وشدد الفينا على أنه «لا يمكن أن نحدث جهاز شرطة أو مندوبا ساميا من أجل تنفيذ النموذج التنموي الجديد، فهذا غير معقول، فالأمر يتعلق بمفهوم ميثاق وطني للتنمية، وهو ملزم أخلاقيا وليس قانونيا، وهو عمل جماعي وتوجيه ملكي، ويمثل تحديا لنا جميعا ومستقبلا رهينا بتنفيذ هذه الورقة».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى