شوف تشوف

الرأي

الهند وميانمار.. بين الديمقراطية والمصالح

ذكر الرحمن

في 2015، حين أجرت ميانمار أول انتخابات عامة بعد تشكيل حكومة مدنية، وبعد مرور 50 عاما من الحكم العسكري، كان يبدو أن البلاد تسير بثبات على طريقها إلى الديمقراطية. لكن مسيرة البلاد نحو الديمقراطية كان يصحبها تأثير متواصل من جنرالات الجيش الذين ظلوا في مقعد القيادة. وهذا لأن دستور البلاد يكفل 25 في المائة من المقاعد لنواب عسكريين غير منتخبين في البرلمان. وللجيش الحق أيضا في نقض التعديلات الدستورية. وهذا يعني مواصلة جنرالات الجيش فرض سيطرتهم.
وفي نونبر الماضي عقدت انتخابات عامة في البلاد وحقق حزب «الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية»، الذي تنتمي إليه «أونج سان سو كي» فوزا كاسحا، مما أكد شعبية الناشطة الفائزة بنوبل للسلام وسط الجماهير. ونُظر إلى هذه اللحظة باعتبارها الوقت الملائم الذي سيحكم فيه المدنيون البلاد. فقد حصد «حزب الرابطة القومية» من أجل الديمقراطية 346 مقعدا، متجاوزا عدد المقاعد المطلوب توافرها لتشكيل الحكومة التالية والبالغ 322 مقعدا. لكن كان هناك علامات واضحة على أن جنرالات الجيش في البلاد غير راضين عن الشعبية المتصاعدة لسو كي.
وفي الأيام القليلة الماضية، أطاح المجلس العسكري في ميانمار بـ«سو كي» في انقلاب عسكري، واعتقلوها إلى جانب أعضاء بارزين آخرين من الحزب، وأعلنوا حالة طوارئ لمدة عام في البلاد. وحاول الجيش تسويغ عمله باتهام الرابطة الوطنية بتزوير الانتخابات، قائلا: إن الحكومة لم تستجب لمزاعم الجيش بوجود تزوير في انتخابات نونبر، وإنها سمحت بالمضي قدما في الانتخابات رغم جائحة فيروس كورونا. وشهد الانقلاب اضطرابات متزايدة مع خروج حشود من المحتجين المدنيين في أنحاء البلاد في مسيرات. ورد حكام البلاد العسكريون على هذه الاحتجاجات بقطع الإنترنت. وأصبح الأمر، وكأن الزمن عاد إلى الوراء، حين كان الجيش في كامل سلطته مع محو المكاسب التي تحققت في السنوات الأخيرة.
ولقيت التطورات في ميانمار انتقادات من حول العالم. وحثت ديمقراطيات مختلفة حول العالم الجيش على احترام العملية الديمقراطية والإفراج عن كل المعتقلين. وكان رد الفعل الأمريكي هو الأشد، فقد طالبت الولايات المتحدة بالإفراج عن الزعماء المدنيين، وإلا فإنها قد تفرض عقوبات. والرئيس جو بايدن ربما يواجه أصعب اختبار في ميانمار ويبحث فرض عقوبات. والصين لها علاقات راسخة بالمجلس العسكري، لكنها أيضا تعزز علاقاتها بحزب «الرابطة الوطنية». وأعلنت بكين أنها تراقب التطورات في ميانمار، وتأمل أن يعالج كل الأطراف في هذا البلد خلافاتهم في إطار دستوري وقانوني، مع الحفاظ على الاستقرار السياسي والاجتماعي.
وردت الهند، باعتبارها أكبر ديمقراطية في العالم، بسرعة لكن بحذر على الأزمة التي تتكشف فصولها في ميانمار، معبرة عن «عميق القلق» وأهمية دعم «حكم القانون والعملية الديمقراطية». لكن في طوايا قلق نيودلهي هناك أيضا براغماتية شديدة تقر بأن البلاد بحاجة إلى استمرار النشاط الاقتصادي مع جنرالات الجيش، لتعزيز المصالح في الأمن والطاقة، والمصالح الاستراتيجية بصفة عامة. وغالبا ما يشير منتقدون إلى أن علاقات الهند بالمجلس العسكري في ميانمار تعززت على حساب المحافظة على التقاليد الديمقراطية، منذ تسعينيات القرن الماضي. ولا يرجح أن تغير الهند السياسة ثنائية المسار التي تدعم التقاليد الديمقراطية في جانب، وتسعى إلى تحقيق ما يعتبر من المصالح القومية في جانب آخر.
ومنحت الهند ميانمار على مدار سنوات مكانة بارزة في سياستها الإقليمية. وتحتاج الهند إلى الطاقة لتحقيق طموحاتها الاقتصادية وتنظر إلى ميانمار، بما لها من مخزون من النفط والغاز، باعتبارها عنصرا محوريا يضمن تلبية احتياجات الهند في مجال الطاقة. كما أن ميانمار مهمة أيضا للهند لتأمين حدودها في الشمال الشرقي. فقد ساعدت ميانمار الهند في حماية حدودها في الشمال الشرقي، حيث يحتمي متمردون بمناطق على حدود ميانمار بعد تنفيذ هجمات داخل الهند. وحتى الآن، ما زالت أهداف الأمن القومي، في معظم الدول بما في ذلك الصين والهند، حاسمة حين يتعلق الأمر في التعامل مع حكام ميانمار العسكريين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى