الرئيسية

بأي ذنب يقتلون ؟!

مريم كرودي

تخيل أنك تزمع السفر خارج وطنك بهدف التجوال والاكتشاف، وأنك تشد الرحال إلى أرض أخرى رغبة في الانفتاح على عوالم جديدة للتعلم والترويح عن النفس.. تخيل، وأنت تودع أسرتك، تعدهم بأن تجلب لهم هدايا وتذكارات من البلد الذي تنوي زيارته… وأنت تحزم حقيبتك ترص فرحتك إلى جانب الأمتعة… تخيل أنك تبحث في الأنترنيت عن البلد الذي ستزوره، عن مناظره الطبيعية، عن مناخه، عن الأماكن التي تستهوي السياح وتستحق الزيارة، عن أسلوب عيش سكانه، عن أكلهم، دينهم، لباسهم التقليدي… تخيل أنك تصعد الطائرة وترفع سقف توقعاتك كابحا رغبتك الجامحة في الوصول سريعا إلى أرض استقطبتك لأسباب عدة وأثارت فضولك المعرفي وإعجابك…
ثم تصل اللحظة المنتظرة، وتطأ قدماك المكان، ثم لا يسعك الكون فرحا.. كل شيء كما توقعته، طبيعة خلابة، شعب مضياف، صناعة تقليدية، مطبخ متفرد، بساطة، أمن وهدوء.. وقمة جبل مشهور لطالما حلمت بتسلقه.. حلم جميل قادك إلى هذا المكان شرع في التحقق أو قرر ذلك قبل أن يتربص به لصوص الأحلام وقتلتها..! باغتصاب وذبح وانتهاك لحرمة جسد وروح لا ذنب لها سوى أنها عشقت هذه الأرض ولبت النداء…!
أتعلم ما معنى أن تقتل لمجرد أنك مختلف؟ أن تعذب وتعنف وتنحر لمجرد أنك لا تشبه القاتل؟ أن تسرق حياتك من بين يديك لمجرد أنك تعتنق ديانة أخرى؟! كارثة بكل المقاييس، والأخطر أنها تنسب للإسلام، دين التسامح والتعايش، دين الرحمة والتضامن، دين محمد عليه الصلاة والسلام، نبي الخلق العظيم الذي ضرب أروع الأمثلة في حسن الخلق ورقي التعامل مع اليهود والنصارى بصدق وأمانة واحترام…! والذي ترك خلفه سيرة تعبق بالخصال الحميدة والمواقف السمحة.. ثم تأتي اليوم شرذمة ضالة تعتنق فكرا ظلاميا، تعيث في الأرض فسادا وتقتل أنفسا بغير حق، ودون أدنى اعتبار للإنسانية تخبرنا، بأسلوب دموي، أنها مسلمة وتحارب من أجل الإسلام، ثم ترفع شعار «الله أكبر» عاليا لتبرر جرائمها الشنيعة، أو بالأحرى لتشوه صورته وتبعث في نفوس العالم بأسره إسلاموفيا قاهرة يندى لها جبين كل المسلمين…
الإسلام بريء من هذا التسيب وبعيد كل البعد عن هكذا أعمال وأفكار..! فأن يصفق ثلة لهذه الأفعال الإرهابية ويشيدوا بها لهو إرهاب أيضا، إرهاب صامت أو إرهاب لم ينضج بعد..! لأن الإرهابي ليس من تجرأ وتجرد من إنسانيته وانفلت عن دينه وأهدر دماء الأبرياء وحسب، بل هو شخص يعيش معنا وبيننا، يلقي التحية علينا صباح مساء، يحتسي وإيانا فنجان قهوة ويجلس بجانبنا في الإدارات والمواصلات وربما يبادلنا أطراف الحديث كل يوم. هو شخص لم تسنح له الفرصة ليقتل وإن فعلت لن يتردد في الإقدام على ذلك.. الإرهاب فكر وليس فعلا وحسب، الإرهاب ظلام يتربص بالنفوس، يعشش في العقول ويصور لصاحبه سوداوية العالم ونقاءه المتفرد، الإرهاب وباء يلتصق بالبشر وينتشر انتشار الأوبئة القاتلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى