شوف تشوف

شوف تشوف

بوصلة العالم الجديد

يردد النظام الجزائري دائما أن مساندته واحتضانه لجبهة البوليساريو هدفهما تمكين الشعب الصحراوي من حقه في تقرير مصيره، والحال أن هدف النظام الجزائري منذ البدء كان هو إقصاء المغرب واقتلاعه من عمقه الإفريقي لأن الجزائر كانت لديها دائما أطماع توسعية في إفريقيا بكاملها، فهم يعتقدون أن الجزائر كما قال شنقريحة هي أقوى دولة في شمال إفريقيا ولذلك يحلمون، طبعًا أحلام يقظة، بالتحول إلى ما يشبه اليابان الإفريقية والسيطرة على الطرق التجارية البرية والبحرية والجوية مع دول القارة الإفريقية، ومن هنا نفهم الإزعاج الكبير الذي سببه لهم معبر الكركرات البري وميناء الداخلة البحري وشركة الخطوط الملكية الجوية التي وصلت الوقاحة بوزير الخارجية السابق مساهل حد اتهام طائراتها بنقل الحشيش نحو بلدان إفريقيا.
من حق الجزائر أن تحلم بالريادة في إفريقيا، لكن المطالب لا تنال بالتمني، ودولة كالجزائر لم تستطع أن تنشئ نظامًا بنكيًا مضبوطًا حتى داخل حدودها لا يمكنها أن تنافس المغرب الذي لدى أغلب بنوكه وشركات تأمينه فروع في أغلب الدول الإفريقية.
المغرب كما يقول المغاربة في عاميتهم “فاق بكري” والملك ظل يقوم بزيارات منتظمة إلى مختلف الدول الإفريقية قبل أكثر من خمس عشرة سنة ووقع معها اتفاقيات تعاون، إلى الحد الذي أصبح فيه المغرب ثاني أكبر مستثمر في إفريقيا.
وهنا يختلف المغرب عن الجزائر في مقاربته الإفريقية، ففي الوقت الذي اختارت فيه الجزائر استعمال عائدات النفط والغاز لشراء الولاءات اختار المغرب التركيز على الاستثمار، وهذا ما يدوم في نهاية المطاف، فالأفارقة محتاجون لشراكات بمنطق رابح رابح وليس بقشيشًا.
لذلك فتوجه المغرب نحو عمقه الإفريقي ليس ترفا سياسيا أو نزوة استراتيجية، بل هو توجه مبني على تفكير عميق ونفس طويل وبعد نظر. فإفريقيا هي مستقبل العالم وسلك غذائه. والأرقام هي ما يقول ذلك، فنسب الناتج الداخلي الخام بإفريقيا حققت معدل نمو وصل إلى 3.3 في المائة بين سنتي 2010 و2015.
لإثبات استمرارية التنمية الإفريقية، حسب مكتب دراسات ماكينزي، ينتظر أن تنتقل نفقات الأسر والمقاولات من 645 و970 مليار دولار على التوالي بحلول سنة 2025، إلى 5500 مليار دولار، وذلك من أجل خلق سوق إفريقية ضخمة.
الألماس الإفريقي، واحتياطي اليورانيوم، والمعادن النادرة والوقود الأحفوري تجذب اهتمام باقي دول العالم منذ مدة، مستثمرون صينيون حققوا تقدما ملموسا في القارة خلال العقود الماضية، بعدما تفاوضوا حول مشاريع للبناء واتفاقيات حول النفط والغاز.
هذه السوق الإفريقية التي يصل رقم معاملاتها إلى 5500 مليار دولار، تفتح شهية كبار هذا العالم، فالصين على سبيل المثال ترى في إفريقيا خزانا للمواد الأولية من الطاقة والمعادن. وبالنسبة للدول الإفريقية، تعتبر بكين فاعلا تجاريا مثاليا، لا يفرض أية شروط سياسية خاصة على مزوديه، كما يضمن لهم دعما دبلوماسيا، عكس واشنطن أو باريس أو برلين.
إلا أن العلاقات الصينية الإفريقية تصطدم بمصالح الولايات المتحدة الأمريكية المقلقة، وأيضا بتنويع إمدادات النفط، خاصة أن حماس إفريقيا تجاه الصين قد يضعف بسرعة، حيث إن ارتفاع أثمنة المنتجات الفلاحية سيكون له تأثير سلبي على الاقتصاد الإفريقي.
وهنا مرة أخرى سيكون المغرب أمام فرصة استثنائية للعب دور تنظيمي هام بفضل المكتب الشريف للفوسفاط، وسياسات الحكومات الزراعية المنجزة من طرف الفلاحة المغربية.
إذا ظلت التدفقات التجارية بين الصين والقارة السمراء محدودة، فإن نموها ذو مغزى، فالمبادلات بين الصين وإفريقيا وصلت خلال سنة 2003 إلى حوالي 18.4 مليار دولار، عكس السنة الماضية التي سجلت حوالي 12.39 مليار دولار. اليوم، الصين تعتبر من الشركاء التجاريين الرائدين للعديد من الدول الإفريقية (الزبون الثاني للغابون بعد الولايات المتحدة، المزود الثاني للبنين، المزود الخامس لجنوب إفريقيا، المزود السادس للجزائر…). والمقاولات الصينية في مجال البناء والأشغال العامة، أصبحت منافسة لمجموعات فرنسية، كـ”Dumez” و”Bouygues”. الصين ضاعفت خلال السنوات الأخيرة تشييد البنى التحتية، وهو مجال مشهود لها فيه بخبرتها وتنافسيتها.
ثلاثة عوامل يمكنها، إذن، تفسير تواجد الصين في إفريقيا. بطبيعة الحال، هناك هيمنة المخاوف الطاقية والتجارية، وأبعد من ذلك، أن الزعماء يتشاركون مصالح سياسية متبادلة، فهناك النفط، الفلاحة والتسلح.
وبالنسبة للأمريكيين، فيتعلق الأمر فقط بتفاصيل عسكرية، فالولايات المتحدة الأمريكية تتوفر رسميا على قاعدة عسكرية دائمة في جنوب إفريقيا، وأخرى بجيبوتي. باستثناء مصر، فربوع القارة تدخل ضمن اختصاصات قيادة الولايات المتحدة الأمريكية بإفريقيا، أفريكوم والقوات الأمريكية. المستشارون وأفراد القوات المتخصصة، جلهم متواجدون في العشرات من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء والصومال، ومجموعة من الحكومات الإفريقية تتنافس حول استضافة المقر الرئيسي لـ”أفريكوم” المتواجد بشتوتغارت بألمانيا.
لهذا كله فالتوجه نحو العمق الإفريقي هو توجه نحو المستقبل، فالشمال لم يعد هو بوصلة العالم بل صار الجنوب هو البوصلة.

مقالات ذات صلة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى