الرئيسية

تبرع بقطعة أرضية لبناء درب الحاجب والقصر الملكي فكافأه القصر بمنصب في الجمارك

حسن البصري

في وسط مدينة الدار البيضاء، وبالضبط في تراب مقاطعة سيدي بليوط، يوجد زقاق لا يلفت نظر عابريه، إلا عند الضرورة، «زنقة بن دحان». يقول سكان الدار البيضاء القدامى إن هذا المكان استقرت به البورجوازية اليهودية الحاملة للجنسية المغربية، وظل فضاء للتضامن الاجتماعي بين مكونات الطائفة اليهودية.
ينتمي حاييم بن موشي بن دحان، لعائلة يهودية كان جدها مقيما في الجزائر، إذ اشتغل في مجال صباغة المباني، قبل أن يتحول إلى صاحب ورشة لبيع الصباغة وكل أشكال الطلاء، لذا حمل لقب دهان الذي تحول مع مرور الأيام إلى دحان.
أما حاييم فقد ولد في وهران وعاش فيها سنوات، قبل أن ينتقل إلى مدينة وجدة قبل احتلال المغرب، ومارس مهنة عائلته في فترة أولى، ومنها أصبح من كبار المزارعين بعد دخول فرنسا للمغرب عبر البوابة الشرقية. وحسب الباحثة إيفيت كتان «البورجوازيون والوجهاء الجزائريون في الأراضي المغربية»، فإن السلطات الفرنسية دعمت حضورهم في وجدة أولا، ومكنت اليهود أيضا من الاستثمار في مهن لها علاقة بالبدايات الأولى للتوغل الاستعماري في المغرب».
اشتغل بن دحان طويلا مع السلطات الاستعمارية الفرنسية في الجارة الشرقية، قبل أن يتلقى إشارة للاستثمار في المغرب حيث التحق بالدار البيضاء مع بداية عهد الحماية، وشرع في بناء منشآت صناعية لها علاقة وطيدة بالتسويق فانتعشت ثروته من ميناء الدار البيضاء وكبر رقم معاملات شركته «موزيس»، وأصبح من كبار الملاكين في الدار البيضاء وأول منعش عقاري في المملكة، بل إن أبناءه كان لهم حضور لافت في عالم المال والأعمال.
انتقل بن دحان إلى الدار البيضاء قبل توقيع عقد الحماية، واقتنى قطعا أرضية حولها إلى بساتين، وكان يقيم في الحي نفسه الذي حمل معبره الرئيسي اسمه، كما عاش عام 1915 محنة مرض زوجته سيتي عطياس، واضطر لمرافقتها إلى فرنسا قصد العلاج، قبل أن تموت من شدة الألم، لكن فراقها أثر فيه كثيرا فاختار الاعتكاف في بيته إلى أن لفظ أنفاسه الأخيرة عام 1918.
حين فكر السلطان مولاي يوسف في بناء حي بمواصفات عربية أصيلة، تطوع بن دحان فأهداه القطعة الأرضية التي سيبني عليها درب الحاجب والقصر، مساحتها حوالي 41.600 متر مربع، كانت عبارة عن بستان للخضراوات يدعى «بحاير لكرازم». وهبها اليهودي للسلطان مولاي يوسف تقربا منه كما تجمع كل الروايات. وفي 13 من شهر مارس عام 1917 وقع السلطان المغربي على عقد شريف من خلاله سيتم تفويت الأراضي المسماة «بحاير لكرازم» إلى دائرة الأحباس.
أشرف على بناء وتصميم الحي المهندس الفرنسي هنري بروست، الذي يعود له الفضل في بناء الأحياء التاريخية الجميلة للدار البيضاء، وستكون هذه المبادرة النواة الأساسية لبناء القصر الملكي بالدار البيضاء.
بناء حي كحي الأحباس بجميع تلاوينه ومرافقه بالتدرج سيدوم منذ سنة 1918 حتى سنة 1955، هذه المدة الطويلة لورش بهذا الحجم ستتطلب شراء خمسة هكتارات أخرى جديدة من لدن ورثة بن دحان، بعد وفاته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى