شوف تشوف

جرائم العدالة والتنمية

في إطار تطويل أمد الأزمة الحكومية ألمح عبد الإله بنكيران إلى احتمال ذهاب حزبه إلى المعارضة، ونصح أتباعه بالقبول بهذا الاحتمال لأجل مصلحة البلاد، وأن لا يؤثر فيهم ذلك لأنهم إذا لم يسيروا الحكومة فإنهم يسيرون المدن.
ومنذ وصول إخوان بنكيران إلى قيادة الحكومة وتحمل مسؤولية تدبير الشأن العام المحلي بالمجالس الجماعية، أصبح قادة وأعضاء حزب العدالة والتنمية يتقنون فن تبرير الكوارث التي يتورطون فيها، وفِي بعض الأحيان تصل هذه التبريرات حد استغباء المغاربة، كما حدث بعد الفيضانات التي شهدتها مدينتا الرباط وسلا والتي فضحت هشاشة البنية التحتية بالمدينتين التي يشرف على عموديتهما كل من البرلماني محمد الصديقي وجامع المعتصم مدير ديوان رئيس الحكومة.
ومباشرة بعد حملة الاستنكار والاحتجاج التي عمت مواقع التواصل الاجتماعي، بعد انقطاع المواصلات بين عدوتي نهر أبي رقراق، شنت شبيبة الحزب وانكشاريته حملة مضادة، لتبرير ما وقع من فيضانات، مدعية أن ما وقع يحدث في كل بلدان العالم كألمانيا وإيطاليا، في الوقت الذي يجب فيه تحديد المسؤوليات وربط المسؤولية بالمحاسبة كما ورد في الدستور.
عندما كان الحزب في المعارضة كان يقيم الدنيا ولا يقعدها عندما كانت تحدث كوارث طبيعية، فكان أعضاء فريق الحزب بمجلس النواب يحولون اجتماعات لجنة الداخلية إلى جلسات لمحاكمة المسؤولين وجلدهم، متهمين الحكومة والمجالس بالتقصير ومطالبين بالمحاسبة.
أما جامع المناصب المعتصم بالكراسي، عمدة سلا، الذي شغل منصب نائب العمدة مكلف بقطاع التعمير، خلال الولايات السابقة، فتجب محاسبته بسبب ما وصلت إليه المدينة من هشاشة وتهميش، وبالنسبة للمتضررين من الفيضانات فمن حقهم اللجوء إلى المحاكم للمطالبة بالتعويض عن الأضرار التي لحقتهم جراء المسؤولية التقصيرية للمجلس الجماعي، الذي أطلق مجموعة من الأوراش قبل الانتخابات التشريعية الأخيرة لاستمالة أصوات الناخبين، إلا أن هذه الأوراش اختفت من أحياء وشوارع المدينة بعد إعلان نتائج الانتخابات وحصد الحزب الحاكم لأغلب المقاعد البرلمانية بالمدينة التي ترشح فيها رئيس الحكومة ورئيس المجلس الجماعي.
إن القانون التنظيمي للجماعات يفرض في مادته 78 على رؤساء الجماعات وضع برنامج عمل لمدة ست سنوات، لكن وإلى حدود اليوم وبعد مرور سنة ونصف على إجراء الانتخابات الجماعية، ليس هناك عمدة واحد في كل مدن المغرب وضع برنامجا لتطوير المدينة، ببنياتها التحتية أو التنموية وكل المجالات التي تدخل ضمن اختصاصات المجلس.
وبالعودة إلى مدينة سلا، التي تعتبر الدائرة التي يمثلها بنكيران داخل البرلمان منذ 20 سنة، فيمكن تصنيفها كمدينة منكوبة، بسبب غياب الإنارة العمومية، كارثة النقل العمومي، ضعف قنوات التطهير السائل ومحطات معالجة المياه العادمة، بالإضافة إلى الفوضى في السير والجولان، ونحن هنا نتحدى السي جامع المناصب المعتصم بالكراسي أن يعطينا البرنامج الذي جاء به للست سنوات المقبلة.
هؤلاء «الباجدة» يطلبون صوت المواطن في الانتخابات لإسقاط الفساد والاستبداد، وعندما ينجحون يقولون إن التحكم يمنعهم، لكن التحكم لا يمنعهم من الحصول على الراتب السمين والامتيازات التي يحصلون عليها من البرلمان والمجالس المنتخبة. يطلبون صوت المواطن للتسيير الجماعي وعندما يصلون إلى رئاسة المدن والجهات ويحتاج إليهم المواطن عندما تحدث فيضانات يقولون إن العامل والداخلية منعاهم، إذا كنتم تعرفون سلفا أن الداخلية ستمنعكم من العمل لماذا تكذبون على المواطنين وتطلبون أصواتهم للوصول إلى البلديات والجهات ؟
وحتى المشاريع التي برمجها المجلس السابق لسلا في إطار برنامج تأهيل المدينة، الذي أطلقه الملك محمد السادس أثناء زيارته لها، تعرف تعثرا كبيرا رغم الإمكانيات المادية الكبيرة المرصودة لهذه المشاريع، والتي بلغت 100 مليار سنتيم، فقد اختفت هذه المشاريع من شوارع وأحياء المدينة، مباشرة بعد الانتخابات التشريعية واستقطاب أصوات الناخبين التي منحت للحزب الحاكم أربعة مقاعد برلمانية، ومنها مقعدا بنكيران ومدير ديوانه المعتصم.
أما بنكيران فقد كان أول برلماني من العدالة والتنمية بعد الانتخابات الجزئية سنة 1998 إثر قرار إلغاء مقعد جمال لغماني من طرف المجلس الدستوري، والذي كان مفاجئا ومثيرا للجدل، وكان الهدف هو تمكين بنكيران من وظيفة منبرية بالبرلمان لمعارضة الاتحاد الاشتراكي وذلك برغبة من مخزن ذاك الزمان، في حين تم تعويض لغماني عن خسارته لمقعده البرلماني بمنصب مدير لدى وزارة الشؤون الاجتماعية ثم وزيرا للتشغيل.
وقد بدأت غزوة العدالة والتنمية لمدينة سلا منذ ذلك التاريخ لترتمي هذه المدينة في أحضان الخراب والظلام، والنتيجة أنها لا تتوفر على بنية تحتية ولا على بنية فوقية، مدينة عمرانها مشوه بسبب انتشار البناء العشوائي، وتحولت إلى وكر للجريمة ومرتع للفكر المتطرف، ومنذ سنة 2003 كان الحزب شريكا في تدبير الشأن المحلي، خلال الولايات السابقة، قبل حصوله على الأغلبية في الولاية الحالية، ودائما كان المعتصم هو النائب الأول للرئيس، ولسبب يعرفه جيدا كان يحرص على الحصول على تفويض التعمير، وبالتالي فهو مسؤول عن جرائم التعمير التي عرفتها المدينة طيلة 14 سنة، إن لم يكن بالمشاركة فبالتواطؤ والسكوت.
كما شارك حزب العدالة والتنمية، في صرف 150 مليار سنتيم التي رصدت لمخطط التأهيل الحضري 2004 /2007 على عهد العمدة السابق السنتيسي، والذي تحول بقدرة قادر من برنامج للتأهيل الحضري إلى حملة انتخابية للحزب في تشريعيات 2007، والانتخابات المحلية لسنة 2009، بعد إفراغه من محتواه، وتحويله إلى برنامج للتبليط والتزفيت من أجل استمالة أصوات الناخبين، وكان آنذاك المعتصم نائبا للعمدة السابق.
كما ساهم حزب العدالة والتنمية في إقبار الحي الصناعي الذي كان يحتاج إلى إجراءات تحفيزية لجلب المستثمرين وهو ما لم يتم، إلى أن تحول هذا المتنفس الذي كان يشغل حوالي 25 ألف مستخدم بين سنتي 1997 و2001، وشارك في خسارة المدينة لوعاء عقاري استراتيجي تصل مساحته إلى 9 هكتارات خصصت لإنجاز مشروع تابريكت الوسطى، قبل أن يعاد تفويت جزء من الوعاء العقاري لأحد المنعشين، مما كبد الجماعة خسارة بلغت 20 مليار سنتيم، وهو القرار الذي وافق عليه حزب العدالة والتنمية في فبراير من سنة 2015.
أما عبد اللطيف سودو، فهو كذلك مستشار جماعي ونائب للعمدة منذ 14 سنة، والذي أطلق عليه بعض ظرفاء سلا لقب «الصحاف»، لأنه آخر من يعلم بما يقع داخل المدينة، وكان طيلة 14 سنة التي قضاها بالمجلس مكلفا بالعلاقة مع شركة «ريضال»، وكان دائم السفريات على حساب الجماعة والشركة، وهو كذلك شاهد عيان على أربع عشرة سنة من الفساد المتعدد الأشكال، لأنه على علم بكل دقائق الأمور في السنوات السابقة، وعاش في ظل لزرق الذي فعل في سلا الأفاعيل، مباركا لكل القرارات الجماعية مدافعا عن موقعه فقط ولا شيء غير ذلك، وخاصة الصفقات المتعلقة بتهيئة مجموعة من شوارع المدينة والتي كلفت أزيد من 40 مليار سنتيم، كما أنه رفض إخضاع صفقات الإنارة لخبرة تقنية.
والكل يتذكر كيف جمع عمدة سلا الأسبق مستشاري العدالة والتنمية، بمن فيهم المعتصم وبنبراهيم والزويتن وهؤلاء الثلاثة هم من شكلوا لائحة بن كيران في الانتخابات الأخيرة، حيث سافر بهم رفقة مستشارين آخرين من الأحزاب الأخرى إلى ضيعة بنواحي مكناس، وهناك قضوا أسبوعا كاملا من الأكل و«النشاط»، قبل إحضارهم أثناء انعقاد جلسة انتخاب الرئيس، وبعد قضاء مصالحهم انقلبوا على العمدة في آخر ولايته بعدما كانوا هم العمود الفقري للمجلس، وتحالفوا مع نور الدين لزرق من الأحرار والذي أزاله أخنوش من منصب المنسق الإقليمي، وذلك بعدما كانوا من أكبر معارضيه، وكانوا يتهمونه بكل التهم، ويطعنون في ذمته، وبعد أن قضوا مصالحهم مع لزرق انقلبوا عليه بدوره، وهنا نتساءل مع المتسائلين لماذا لا يقدمون ملفات الفساد وهي بين أيديهم للقضاء ووزير العدل ينتمي إلى حزبهم؟
كيف لحزب العدالة والتنمية أن يتهرب إذن من المسؤولية في ما وقع بسلا وهو شارك في تسيير هذه المدينة المنكوبة طيلة السنوات السابقة، وتحالف مع حزب الأصالة والمعاصرة في المجلس السابق، ويتوفر حاليا على أزيد من 100 مستشار جماعي بالمقاطعات ومجلس المدينة، وعلى أربعة برلمانيين، فضلا عن رئيس الحكومة نفسه، إضافة إلى ثلاثة وزراء من الحكومة، وهم جميلة المصلي وعبد القادر عمارة بالإضافة إلى أمين الصبيحي.
لقد صوت الأتراك على أردوغان ليكون رئيسهم وحزب العدالة والتنمية لكي يحكمهم لأنهم شاهدوا كيف حول إسطنبول عندما كان عمدة لها من مزبلة إلى واحدة من أجمل مدن العالم.
بمعنى أن أردوغان بين «حنة يديه» في التسيير الجماعي والمحلي ومنه انطلق لكي يبين «حنة يديه» في التسيير الحكومي.
عندنا بمجرد ما تحمل مستشارو وعمداء العدالة والتنمية مسؤولية تسيير المدن نجحوا في شيء واحد هو تكثير أعداد الباعة المتجولين والانشغال بمنع الاختلاط في صالونات الحلاقة وغض الطرف عن البناء العشوائي.
والسبب هو أنهم يحتاجون الفقر والبؤس لكي يعششوا فيه ويستغلوا ضحاياه لكسب أصواتهم في الانتخابات، لذلك فليس من مصلحتهم محاربة الفقر والهشاشة لأنها رصيدهم الانتخابي الذي لا ينفد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى