الرأي

جمعية ضحايا كحول المائدة

حسن البصري

يوما عن يوم ترتفع حصيلة ضحايا تناول الكحول في وجدة، وتزداد مخاوف العدوى من سائل تعايش معنا في فترة الحجر الصحي، قبل أن يعود إلى عادته القديمة ويصبح جزءا لا يتجزأ من مائدة ندامى درجة ثانية.
ما حصل في وجدة يثير الفزع حقا، بعدما تساقطت رؤوس مدمنين تناولوا هذه المادة المضرة بالصحة سرا، وأصبحوا مادة للإثارة جهرا. ارتفع عدد الضحايا وتضاربت الأرقام حول أعدادهم، وقيل إن من بينهم سيدة حديثة العهد بموائد الشيطان.
من يتذكر حكاية البيرة المغشوشة التي عثر عليها في خمارة بفندق في الدار البيضاء في ملكية محمد الزهراوي، والتي يرجع تاريخها إلى شهر مارس 1996، وكيف تمكنت هذه الجعة المستوردة من بلغاريا أن تعبث بأمعاء السكارى، بعدما تمايلوا مع جاذبية الكمان في ليلة تجندت فيها مستعجلات ابن رشد لإسعاف سكارى كانوا يصرون في تصريحاتهم أمام المحققين أنهم كانوا «ناشطين».
قضى الزهراوي فترة حبسية قصيرة، وزف خروجه صديقه الستاتي بأغنية يقول مطلعها «وامحمد ياوليدي»، عدد فيها مناقب الرجل وقال إنه يختال في مشيته حين يسير وسط القوم مرتهل القامة: «بلغتو زيواني تمشي بالمعاني».
وقبل عقد من الزمن استفاقت مدينة قلعة السراغنة على خبر تسمم جماعي لشلة كانت تحتسي مشروب «الماحيا»، تبين بعد التحقيق أن قطيع جرذان ارتوى من حوض ماء الحياة لتحوله إلى ماء الممات، اعتقل صاحب المصنع السري وأصبح أشهر «كراب» في سجن المدينة.
أكبر حالات «التسمم الحلال»، التي ضربت المغرب ترجع إلى سنة 1959، حين تناول جزء كبير من سكان مدينة مكناس زيوتا مسمومة، حولت أزيد من عشرة آلاف شخص إلى أشخاص يجترون إعاقات متشابهة، بعد أن اجتمعوا حول وجبات غذائية مزجت بزيوت ملقحة بزيت محركات الطائرات، التي تخلى عنها الجيش الأمريكي بعد مغادرة القواعد العسكرية. كانت فاجعة وطنية حقا ما زالت أعراضها ظاهرة على أبناء الإسماعيلية والضواحي.
أمام تنامي ظاهرة التسمم الكحولي ارتفعت أصوات في صفوف السكارى، تنادي بتكوين جمعية وطنية لضحايا الكحول المسمومة، ينضوي تحت لوائها كل من تعرض لضرر صحي جراء احتساء المواد المسكرة، وتتسع رقعة المنخرطين لتشمل «شاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه»، حتى تتسع قاعدة الاستقطاب.
لا يندرج كل مستهلكي الكحول في خانة المتسكعين، أو فئة «إس دي إف» الذين تصطادهم دوريات الشرطة ليلا وتحيلهم على مراكز إيواء المشردين، فيفرج عنهم صباحا بمجرد التخلص من حالة الشرود الذهني التي انتابتهم. هناك «كحوليون» يميلون إلى السوائل الكحولية ويعشقون رائحتها ليس لعجز يسكنهم، بل لأن الكحول تحقق لهم نشوة مخدر ينسيهم ما يريدون نسيانه، ميلهم إلى هذا السائل السحري جزء من ميلهم إلى الصمت والانعزال، وسعي للنيل من النفس في ما يشبه التجريح الذاتي.
الحكومة تحارب المواد المحشوة بالكحول برفع رسومها الضريبية والزيادة في أسعارها، وحده «لالكول يظل محافظا على سعره الرخيص» لينال صفة مشروب مسكر درجة ثالثة، أي أن شاربي ماء الحياة هم في مكانة أرفع في سلم الوجاهة الخمرية من مدمني «كويلة» متذيلي ترتيب العرابدة.
اشتهر القاضي الأمريكي مايكل سكونتي بعقوبات غريبة تحت مبدأ «الجزاء من جنس العمل»، ومنها حكم غريب على طبيب تم إيقافه من طرف الشرطة، وهو في حالة سكر طافح أثناء القيادة، إذ خير القاضي المتهم الماثل أمامه، وقد استفاق من غفوته، بين الحبس لمدة ستة أشهر، أو إلقاء محاضرات في المدارس عن أضرار الكحول، فاختار الرجل دور المحاضر.
ما أحوجنا اليوم إلى أدمغة خالية من الكحول، فيها متسع للخلق والابتكار. ما أحوجنا إلى قوانين زجرية تمنع دكاكين البقالة من ترويج قنينات الكحول، ما أحوجنا إلى تنزيل حرفي لقانون «بيع الخمور لغير المسلمين فقط».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى