الرأي

حديث في الصناعة 2.1

عبد الرزاق الحجوي

تجاوز فيديو قصير شاركته إحدى صفحات «فيسبوك» 2,5 مليون مشاهدة، وتفاعل معه عشرات الآلاف من المتابعين، يعرض هذا الفيديو مقتطفا من كلمة لوزير الصناعة في إحدى المناسبات، حيث تحدث السيد حفيظ العلمي عن رأي مستثمر ألماني في المهندسين الشباب المغاربة، الذين اعتبر مستوى أدائهم سر نجاح صناعته المتقدمة في كل من طنجة وإنجلترا، وهو ما لا يعتبر غريبا بحكم عدة شهادات تواترت عن تميز أداء كثير من المهاجرين المغاربة، ممن اشتغلوا بالمعامل الأوروبية، تفوقوا حتى بمستوى تعليمي عادي مقارنة بزملائهم من باقي الجنسيات. هذه الفئة هي ثروة حقيقية لم نحسن توظيفها في صنع قوة دفع جبارة للاقتصاد الوطني، لأن الاهتمام بطاقاتها لم ينتبه إلى كونها مشتل تفريخ لخلايا بناء الثروة، فهي ليست مجرد سواعد أو أطر.
إن اقتصاد المغرب كان جاهزا للإقلاع مبدئيا منذ سنة 2010، لأن قرار توقيع اتفاقيات التبادل الحر لم يتخذ من دون دراسات ومشاورات كانت تبشر بأنه فرصة حقيقية لتحقيق هذا الإقلاع، فكل العناصر كانت متوفرة ظاهريا، من يد عاملة وشبكات طرق وموانئ تنتظر فتح الأسواق العالمية، حيث ستنتقل عدة سلاسل للإنتاج عاملة في تلك الأسواق إلى المغرب، بحكم عاملي القرب وتنافسية متوسط الأجور، لتجني أرباحا أكبر، بعد رفع الحواجز الجمركية. فحتى لو هددت تلك الاتفاقيات بعض القطاعات، فإنها كانت ستنبت قطاعات جديدة بمردود أكبر، بحكم ميل كفة ميزان سعر التكلفة لصالح المغرب. وهو ما حصل فعلا، لكن بنسب أقل بكثير من المنتظر، ما يؤكد عمق جذور خلل ما، بحكم ضخامة واردات تلك الأسواق مقارنة بحجم حاجتنا إلى توطين المعامل والمصانع، فالمحصول حتى مع تدرجه المتصاعد يظل أدنى من الممكن حسابيا. خلل بلغ من القوة والسند، القدرة على كبح كل هذه الآليات والمنظومة لتتحرك قاطرة الصناعة الوطنية بسرعة لم تف بعد بربع حاجياتنا من التشغيل ومن الضرائب. فبحجم الفخر الذي يبثه حديث السيد الوزير عن كفاءة المهندس المغربي، بحجم الألم عن نزيف الكفاءات نحو الخارج، بل إن الدراسات أكدت أن نسبة كبيرة ترغب في الهجرة بين المشتغلين داخل أرض الوطن.
فزيادة على مستوى أداء العنصر البشري المغربي ووفرة اليد العاملة، كلفت البنية التحتية ملايير الدولارات عبارة عن قروض فاقمت حدتها سلبية مردود بعض هذه الاتفاقيات، التي كانت فرصة للربح وليس للخسارة بالنسبة إلى المغرب. فلا ننكر بأن المجهودات كبيرة والنوايا حسنة، لكن السؤال ملح في 2021 عن سر استفحال البطالة، ونزيف الكفاءات، وبطء منحى التحسن الذي لم يف بطموحات واحتياجات لا المالية العامة ولا الدخل الفردي.
لا شيء سيقنع الكفاءات بالبقاء فكل من نال فرصة قفز إلى الخارج، بعضها تأمينا لمستقبل ذريته أكثر من رغبته في مضاعفة الراتب، هذه الكفاءات يكلف تعليمها أرقاما ضخمة تنالها الأسواق المنافسة هدية منا.
إن نسبة من بين الكفاءات المحلية ونسبة من بين المهاجرين ونسبة ضخمة من بين المستثمرين الصغار محليين وأجانب، هي في الأصل مشتل تفريخ نخبة قد تكون أكبر من حاجتنا إلى المقاولين الأكفاء والناجحين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى