شوف تشوف

الرئيسيةملف التاريخ

حروب المعابر في صحراء المغرب.. القصص غير المروية

وثائق تنشر «الأخبار» مضامينها تقدم حججا على انتصار المغرب سياسيا قبل 4 قرون
«كان الصراع سنة 1966 محصورا بين المغرب وإسبانيا وموريتانيا فقط. أي بين الدول الثلاث التي لديها فعلا وجود على الأرض. وبعد إعلان استقلال موريتانيا لم يتبق للصراع سوى طرفين هما المغرب وإسبانيا. وقد ظهر في سنة 1967 بالأدلة أن إسبانيا كانت تستغل عددا من المناجم في الصحراء للتنقيب عن المعادن النفيسة، لكنها لم تصل إلى أي نتيجة. لكن بالمقابل، كان الإسبان في نفس السنة، أي 1967، يستغلون مناجم للفوسفاط.
لكن المثير أن الإسبان مولوا إنشاء جمعية مدنية في الصحراء، وافقوا على أن يمثل أعضاؤها في البرلمان الإسباني باعتبارهم ممثلين للصحراويين.
هذه الحقيقة التي لم يتوقف عندها المحللون المغاربة طويلا، لم تكن في الحقيقة إلا تمهيدا من إسبانيا لافتعال صراع في الصحراء المغربية. إذ كانت إسبانيا تخطط من خلال تلك الجمعية إلى تقسيم الصحراء المغربية بين المغرب والجزائر، وهو ما رفضه المغرب بقوة خصوصا سنة 1969، بعدما أصبحت موريتانيا بدورها طرفا في الملف، ولم تكن هناك أي مشروعية تاريخية للجزائريين لكي يطالبوا بجزء من الصحراء المغربية. وهكذا كان على الجزائر بقوة القانون أن تلتزم بالحدود المتعارف عليها حسب اتفاقيات انسحاب فرنسا من المنقطة.
وهكذا ولد مشكل الكركرات والنواحي ببطء شديد.. وفي هذا الملف أقوى المحطات التي عرفتها المنطقة بخصوص توترات المعابر في الصحراء».

مخطوط لشهادة نادرة لرحلة بالصحراء قبل 400 سنة

يذكر العلامة المغربي، المختار السوسي، أن تاريخ الصحراء المتشعب، حافل بعدد من المواجهات في فترات الموحدين وصولا إلى العلويين، لتأمين المعابر الطرقية نحو الصحراء من المغرب، حتى أن بعض المعارك دارت رحاها بين قبائل متمردة وبين قبائل كانت تعلن ولاءها التاريخي الدائم للدولة العلوية منذ عهد المولى إسماعيل 1672-1727. مؤرخون آخرون مثل عبد الكريم الفيلالي، وعبد الرحمن بن زيدان من قبله، أكدوا وجود مراسلات لملوك الدولة العلوية مع قبائل الصحراء أعلنوا فيها ولاءهم للدولة ودفاعهم في إطار الجهاد على تأمين المعابر للتجارة المغربية نحو عمق إفريقيا.
جاءت في العدد 162 من أرشيف مجلة «دعوة الحق» التي تصدرها الأحباس، إشارة مهمة إلى وثيقة تاريخية نشرت لأول مرة من خلال مخطوط نادر لرحالة مغربي هو الحاج العبدري، حيث تناول قضية الصحراء قبل أربعة قرون من اليوم، في مخطوط بعنوان «الرحلة المغربية». وقدم شهادة تاريخية مهمة بشأن حدود الصحراء المغربية في ذلك التاريخ والتي كانت تمتد إلى أبواب الصحراء الإفريقية.
«الرحالة العبدري صاحب الرحلة المغربية يخرج من بلاد «حاجة» في سنة 688. ويتجه جنوبا ثم شمالا مارا بالصحاري التي بشرق بشار إلى أن يصل تلمسان وهو في البلاد المغربية، وهو من الأولين الذين نجد عندهم اسم المغرب الأقصى لقطر الذي كان تحت النفوذ المريني، أما ما يتعلق بأجزاء المغرب الموجودة في جنوب المغرب وشرقه فزيادة على الحجج الموجودة المعروفة التي وردت في عدة كتابات منذ استقلال المغرب في أواخر 1955م وقبله فأنا نرى رحالة مغربيا آخر يتوجه أربعة قرون بعد العبدري في ركب الحج الذي خرج من مراكش سنة 1040هـ (1630م) أيام الوليد السعدي قاصدا المشرق على طريق الصحراء، وهذا الرحالة هو ابن مليح السراج الذي ألف رحلة بعد رجوعه سماها «أنس الساري والسارب» فنراه يمر بعد بلاد درعة بالساورة، ثم ببئر العظام قريبا من تاب لبالت التي أسسها المرابطون، حيث التقى بأحد قواد السلطان القائد جوهر ثم قطع بلاد تاب لبالت ثم دخل أراضي توات ونزل بالركان والتقى بالقايد على بن عبد القادر الشرقي وقد عزم على الذهاب إلى الحجاز مع هذا الركب الذي جاء من مراكش، ثم قطعوا مراحل في بلاد تديكلت، وسمي كثيرا من عيونها وآبارها منها بير سيدي موسى بن معرف صاحب ركب فاس إلى أن وصلوا بلاد سردلس قريبا من الفزان، وفي ناحيتها التقوا بالركب الآتي من فاس وعلى رأسه سيدي محمد الحفيان. وهم في كل هذه المراحل يتلقاهم نواب السلطان الوليد ويحتفى بهم إلى أن وصلوا بلاد الفزان التي لم تكن تابعة للمغرب».
قال المؤلف: «فاتصل الخبر بأميرها وذكر له من كبر محلتها وعظيم رئيسها أن بها شريفا قرشيا، فحار أمره لذلك و طاش عقله هناك، فوجه من فرسان دولته وخدام مملكته نحو اثني عشر فارسا لاختبار أحوال المحلة ومن فيها من الرماة وأصحاب التروس» إلخ. وهكذا نرى هذه المحلة تقطع كل بلاد المغرب من درعة إلى الفزان بدون أن يتعرض لها أحد ولا أن يشار إلى حكم حاكم أو إلى فرسان دولة خدام مملكة إلا قواد المغرب وولاته حتى وصل إلى الفزان، فهنالك فارق الركب المراكشي التراب المغربي واحتاج إلى المفاوضة مع مبعوثي أمير الفزان».
أسرى إسبان هاجموا معابر الصحراء في سيدي إفني سنة 1923
أكبر دليل على أن مشكلة المعابر الحيوية في الصحراء المغربية ظلت مصدر أطماع لدعاة الانفصال والاستعماريين، هو ما وقع سنة 1923 بمنطقة سيدي إفني.
نقدم هنا هذه الشهادة النادرة على عهد القايد الحسن باقا. وهو أحد قدماء الصحراويين الذين توارثوا السلطة لقرون وجددوا البيعة للدولة العلوية منذ أيام المولى الحسن الأول.
وقع في عهد هذا القائد اعتداء إسباني على منطقة سيدي إفني، وانبرى رفقة رجاله وقبائل أخرى في المنطقة للدفاع عن وحدة المغرب وسيادته على المعابر التجارية التي كانت طرقا يعرفها أجداده منذ قرون طويلة.
حسب الرواية التاريخية التي حصلت عليها «الأخبار» من حزمة وثائق أرشيفية لتأسيس جيش التحرير المغربي في منطقة أقا، فإن تلك المعركة كانت رحاها طاحنة ونتج عنها تصعيد إسباني منذ تلك السنة، أي 1923، حيث شنت هجمات على السواحل المغربية في الجنوب، وكانت القبائل تحمل في ذاكرتها الجماعية قصصا من أجدادهم عن هجمات البرتغاليين والإسبان على المنطقة. وهو ما جعل القايد الحسن باقا، في تلك الفترة وهو بعد شابّ، يجهز للتصدي لتلك الهجمات التي استمرت إلى حدود بداية الخمسينات. أي أن هذا الرجل المنسي من التاريخ قضى أزيد من 30 سنة في مواجهة الإسبان، والقتال لصالح المغرب. وقد ورد في بعض المصادر أن شيخ القبيلة القايد الحسن ورث اسمه عن جده الذي كان يقاتل في عهد المولى عبد الرحمن الرابع في الصحراء بدوره لصالح الدولة المغربية، حيث احتفظت العائلة بمراسلات غنية بينه وبين القصر الملكي في فاس.
جاء في هذه الشهادة التي قدمها إبراهيم نوحي، أحد مؤسسي الخلايا السرية في الصحراء خلال بداية الخمسينيات بصورة حصرية لـ «الأخبار»، ما يلي:
«ومن الأحداث الجسام التي هزت منطقة الجنوب في هذه الفترة من أوائل الاستقلال وكان لها صدى وطني ودولي، قيام جيش التحرير بالهجوم على سيدي إفني حيث تكبد الإسبان خسائر على يد التحرير في وقت وجيز لا يتعدى يومين واستطاع جيش التحرير أن يستولي على ستة مراكز من الملازم أورتيز تمت مهاجمتها، وقتل الملازم الإسباني.. وأطلقت عليه إسبانيا رسميا لقب (شهيد وطني).
كان التخطيط للهجوم يقتضي أن يكون مفاجئا، وبالفعل بدأ في الساعة الأولى من الصباح، وذلك بتنسيق بين قيادات جيش التحرير وأعيان قبائل أيت باعمران وذلك عشية مغادرة الملك محمد الخامس متوجها إلى الولاية المتحدة، وبعد أسبوع فقط من تعيين عبد الكبير الفاسي، مدير شؤون الصحراء والحدود.
فما هي ردود فعل الحكومة الإسبانية؟ حال علمها بالهجوم قامت الحكومة الإسبانية بتنظيم دفاعها والاستعداد للهجوم فنقلت عددا كبيرا من الجنود الإضافيين إلى عين المكان من جزر الكناري لانطلاق باخرتين كما تم إعطاء الأوامر للقوات المسلحة الملكية لتتحرك عدة فيالق من الجيش إلى جنوب البلاد فورا وتنتشر على طول شواطئ أكادير وأحواز إفني وأعطيت لها الأوامر بإطلاق النار على كل طائرة أجنبية تخترق الأجواء المغربية .. وبذلك بلغ التوتر بين المغاربة وإسبانيا ذروته بعد هذا الهجوم المفاجئ على إفني والخسائر التي ألحقها بالطرف الإسباني. وقد كانت العلاقات المغربية الإسبانية قبل الحادث عادية، فإسبانيا لم تعترف بصنيعة الاستعمار ابن عرفة بعد نفي محمد الخامس، ولم تساير فرنسا في خطتها وظل الخطباء ينصرون محمد الخامس على المنابر».

قصة «جمعية صحراوية» مولتها الدولة ومُثلت ببرلمان إسبانيا
الصورة التي جمعت ثلاثة وفود من المغرب، إسبانيا، وموريتانيا لتوقيع اتفاقية ثلاثية بين هذه الدول في 14 نونبر 1975 تعطي اليوم أكثر من درس في التاريخ. ليس من حيث إيراد الوثائق والمعطيات التي رفعت عنها السرية اليوم في إسبانيا، ولكن من باب «العبر والدروس». إذ أنه بعد 45 سنة بالضبط على التوقيع، جاءت موقعة معبر الكركرات.
حسب ما تم الاتفاق عليه بين الدول الثلاث، التي لم تكن الجزائر من بينها، فإن المناوشات التي وقعت منذ تأسيس جبهة البوليساريو إلى اليوم تعد تعديا على النفوذ الترابي المغربي واعتداء على الوحدة الترابية في المنطقة العازلة التي لا تهم أي دولة باستثناء المغرب وموريتانيا، وكان حضور إسبانيا بحكم أنها كانت تستعمر تلك الأراضي، وحضرت عملية الاتفاق على ترسيم النفوذ الترابي للبلدين بالقرب من معبر الكركرات في اتجاه نواذيبو المورياتينة والكويرة المغربية. وهما المدينتان اللتان لا يفصلهما تقريبا سوى مسافة قصيرة جدا بحكم أنهما تشكلان جغرافيا واجهتين، شرقية وغربية، لشبه الجزيرة الصغيرة المشتركة بين المغرب وموريتانيا. ولذلك كان معبر الكركرات هو الممر الآمن نحو موريتانيا من التراب المغربي، الذي يمتد إلى ما بعد المعبر بكيلومترات. استغلت البوليساريو هذا الوضع لمحاولة اقتحام المنطقة العازلة التي كانت نتيجة لتفاهم مغربي موريتانيا، كان على الجزائر أن تقبله على مضض. ومنذ تلك الاتفاقية التي وقعت في 14 نونبر من سنة 1975 والبوليساريو تخرق القانون أمام أنظار المجتمع الدولي وتتحرش بالقوات المغربية على طريقة حرب العصابات إلى أن تحقق اتفاق قرار وقف إطلاق النار بداية التسعينيات. لتبدأ حرب أخرى من نوع آخر، حرب الأعصاب والاستفزازات.
لكن واقعة الكركرات، حسب عدد من القراءات التحليلية، سوف تكون آخر مسمار يُدق على نعش البوليساريو التي تعيش أوضاعا داخلية متأزمة للغاية، وتتعرض لمساءلات من الخارج تضرب في عمق وجودها.
صحيح أن عملية وقف إطلاق النار بين المغرب والجزائر تعود إلى يوم 20 فبراير سنة 1964، بموجب نتائج حرب الرمال (أكتوبر 1963) التي لخص نتيجتها جواب الهواري بومدين وهو وقتها وزير للدفاع وهو يردد: «حكرونا.. حكرونا». إذ فهم وزير الدفاع الجزائري وقتها أن القوات المسلحة المغربية تفوق الجزائريين في القوة والعدد والعتاد.
وعندما تم توقيع اتفاقية وقف إطلاق النار، كانت يدا بومدين مكبلتين، رغم أنه لم يوقع على أي شيء. إذ كان الرئيس أحمد بن بلة، صديق الملك الحسن الثاني وحليفه، هو من وقع الاتفاق مع المغرب. أما فريق بومدين الذي سوف ينقلب لاحقا على الرئيس الأول لجزائر الاستقلال، فقد كان يتحرك عكس مضامين الاتفاقية، ليمول الانفصال ويعلن ميلاد حرب غير مباشرة مع المغرب.
كانت العمليات في الصحراء المغربية ما بين 1956 و1970 يقودها جيش التحرير المغربي رغم تعليمات الملك وقتها بأن تتوقف العمليات إلى أن يتم التوصل إلى حل سياسي عادل مع الإسبان ليعلنوا انسحابهم بموجب سلسلة اتفاقيات من منطقة طانطان ثم الساقية الحمراء وصولا إلى آخر المناطق المحررة من النفوذ الإسباني في النصف الأخير من سبعينيات القرن الماضي.
اضطر الجيش الملكي وقتها إلى محاولة السيطرة على الجناح المتمرد من جيش التحرير في الصحراء لكي يظهر المغرب حسن النوايا والالتزام مع الإسبان بوقف شامل لإطلاق النار ما بين سنتي 1957 و1959. وهو ما ظهرت نتائجه عندما غادرت إسبانيا بعض القواعد جنوب أكادير وتم الإعلان عن إلحاق بوابة الصحراء ببقية التراب الوطني. في سنة 1966، ناقشت الأمم المتحدة قضية الصحراء المغربية، وكان وقتها الاستعمار الإسباني للمنطقة لا يزال قائما.
وهي المرة الأولى، حسب المتابعين للملف، التي ترى فيها الأمم المتحدة أنه يتعين إجراء استفتاء في الصحراء للحسم في مصير المنطقة الحدودية. وكان الصراع وقتها محصورا بين المغرب وإسبانيا وموريتانيا فقط. أي بين الدول الثلاث التي لديها فعلا وجود على الأرض. وبعد إعلان استقلال موريتانيا لم يتبق للصراع سوى طرفين هما المغرب وإسبانيا. وقد ظهر في سنة 1967 بالأدلة أن إسبانيا كانت تستغل عددا من المناجم في الصحراء للتنقيب عن المعادن النفيسة، لكنها لم تصل إلى أي نتيجة. لكن بالمقابل، كان الإسبان في نفس السنة، أي 1967، يستغلون مناجم للفوسفاط.
لكن المثير أن الإسبان مولوا إنشاء جمعية مدنية في الصحراء، ووافقوا على أن يمثل أعضاؤها في البرلمان الإسباني باعتبارهم ممثلين للصحراويين.
هذه الحقيقة التي لم يتوقف عندها المحللون المغاربة طويلا، لم تكن في الحقيقة إلا تمهيدا من إسبانيا لافتعال صراع في الصحراء المغربية. إذ كانت إسبانيا تخطط من خلال تلك الجمعية إلى تقسيم الصحراء المغربية بين المغرب والجزائر، وهو ما رفضه المغرب بقوة خصوصا سنة 1969، بعدما أصبحت موريتانيا بدورها طرفا في الملف، ولم تكن هناك أي مشروعية تاريخية للجزائريين لكي يطالبوا بجزء من الصحراء المغربية. وهكذا كان على الجزائر بقوة القانون أن يلتزموا بالحدود المتعارف عليها حسب اتفاقيات انسحاب فرنسا من المنقطة. ولم يجدوا بدا من تمويل الانفصاليين ما داموا غير مخولين قانونيا للوجود في المنطقة. أما الجمعية التي مولتها إسبانيا لتمثل في البرلمان الإسباني، فلم يعد يسمع عنها أحد بعد ذلك التاريخ.
لتتوإلى زيارات كبريات قبائل الصحراء إلى القصر الملكي في الرباط للقاء الملك الراحل محمد الخامس وتجديد البيعة معه. وفي سنة 1961 حضرت قبائل صحراوية عريقة جدا لبيعة الملك الحسن الثاني، واجتمع الملك بالقيادات في مناسبات أخرى لترتيب الشأن الداخلي للصحراويين والاستماع لمشاكلهم التي لم يكن من بينها وقتها تداعيات الحركة الانفصالية التي لم تولد إلا بعد 1973 وبتمويل جزائري خالص.

شهادة حصرية لـ «الأخبار» تُنشر لأول مرة:

هذه الكواليس العصيبة لمعارك الصحراويين بحدود موريتانيا للدفاع عن المغرب سنة 1958

هذه الشهادة الحصرية التي زودنا بها إبراهيم نوحي الأقاوي، وهي الكنية التي أطلقها عليه قدماء جيش التحرير في المنطقة الجنوبية. هو واحد من أقدم وآخر الأحياء الذين عاشوا كواليس الحرب في الصحراء المغربية قبل حصول المغرب على الاستقلال، وبعد استقلاله، وعاش معارك مع إسبانيا حول الصحراء المغربية قبل أن تحصل الجزائر على الاستقلال بثلاث سنوات!
في هذه الشهادة التي زود بها إبراهيم نوحي «الأخبار» مع جملة من الوثائق التاريخية الحصرية من أرشيفه الشخصي المرتبطة بتاريخ المنطقة عموما، يقدم تفاصيل معركة 1958 بلسان العقيد بن حمو الذي يعتبر إبراهيم نوحي أحد أقرب مقربيه وأكثر من عايشوه من أعضاء جيش التحرير في الصحراء، حيث كانت لديه علاقة وطيدة مع الملك الراحل محمد الخامس.
إليكم مضمون الشهادة:
وفي تاريخ 2/01/1958 خرجنا على بركة الله من مركزنا الآخر بـ «دوكج» وصلناه خلال الليلة الرابعة. ثم استأنفنا السير منه إلى مدينة «أطار» الواقعة موقع القطب في الدائرة الصحراوية. وقطعنا الحدود بعد بذل مجهودات جبارة احترازا من قوات العدو المرابطة بالحدود الإسبانية ومن يوم وصولنا، ناحية أوسرد في المنطقة الصحراوية «الإسبانية»، زودناهم بمعلومات دقيقة عن نشاطنا وتنقلاتنا، وكانوا يفعلون ذلك بواسطة الكويرة «الاسبانية» ونواذيبو، اللتين تبعد كل منهما عن الأخرى ب 2 كيلومتر ــ ولما قويت بينهم الاتصالات وتوطدت العهود، جاء حكام سان لوي، ودكار وأطار إلى إفني في طائرة خاصة واتصلوا مباشرة بالمسؤولين الإسبانيين ومن تم خططت ودبرت المؤامرات ضدنا ــ وأعطى الإسبانيين تفاصيل عميقة عن قوتنا ورجالنا للفرنسيين، لذلك كان الإسبان يشترطون علينا معرفة أعداد الفرق، وعتادها قبل أن تمر من الصحراء «الإسباني» إلى موريتانيا ــ وقد بدت لنا خديعتهم يوم وصلنا إلى تراب شنقيط ــ ودخلنا إلى موريتانيا بتاريخ 11 يناير 1958 ساعة غروب الشمس وتابعنا المسير إلى أن وصلنا موضعا يسمى «الشمام» وفرقنا الجنود على ثلاثة فرق تمهيدا لتوزيع مناطق العمل وركزنا الفرقة الأولى في موضع يسمى «العوينة» والأخرى في «توزوتين» والأخرى في الشمام، وذلك في 12/01/57. ثم بعثنا الرسائل للقبائل. ولم يأتنا بإخلاص إلا ثلاثة من قبيلة الطرشان بعثنا اثنين منهم للتنقيب عن الجمال التي تركناها وراءنا ومعها بعض جنودنا فشاهدوا على بعد سيارتين تبحثان عن إبلنا كما اصطدموا في طريقهم بسيارة أخرى من نوع «كات كات» على متنها ستة من الجنود الفرنسيين وثلاثة أوروبيين ومساعد مسلم، وبعد عثور السيارة المذكورة على إبلنا، أطلق عليهم جنودنا نيران بنادقهم الرشاشة فقتلوا الفرنسيين الثلاثة وجرحوا واحدا من السنغاليين، وأسروا الآخر والمساعد المسلم، وكان ذلك يوم 13/01/58 حينذاك أصدرنا الأوامر بالانتقال من ذلك المركز، وبينما نحن على أهبة الانتقال، إذا بالطائرتين تحلقان فوقنا، وبعد حين جاءت الدبابات والمصفحات والنفاثات وطيران المطاردة، بعد أن قطعوا علينا الطريق من كل جهة بواسطة السكان المدنيين، واستطعنا رغم ذلك كله وبعد محاولات عنيفة، الوصول إلى موضع يسمى «أكلاتها مباي» على الساعة الثانية والنصف صباحا، في ذلك اليوم جاءتنا الطائرات تبحث عن إبلنا كعادتها، تمكنت من العثور على بعضها ووجهت نحوها المدافع وقنبلتها عن آخرها، وأمام ذلك أمرنا الجنود بالرحيل عن تلك الناحية وتركوا فيها من يحرص التموين الذي لم يعد لدينا ما نحمله فوقه بعد قنبلة الإبل ــ وقسمت الفرق على شكل أصبحت كل واحدة منها تبعد عن الأخرى بمقدار 3 كلم ــ وذهبنا صحبة رجل يدلنا على الطريق، وعلى الساعة الواحدة والنصف ليلا، كنا على المنهج المؤدي إلى«أطار» وفي فجر يوم 14/01/58 تفرقنا في مكان يسمى البساطة وانتقلنا منه إلى وادي تكال، حيث التحقت بنا قوة هائلة من الطائرات والمشاة والمصفحات وأصبحت المدافع الثقيلة، وكانت الأغلبية من المسلمين الذين كانوا هم أول من فتح النار علينا واضطررنا إلى الرد على العدو مهما كانت جنسيته، وتدفقت الطائرات تصب علينا المفرقعات، وطفقت المدافع تلفظنا بالرصاص إلى أن حمى الوطيس بيننا وبينهم فدافعنا عن أنفسنا برد الفعل وقد أظهر أبطالنا استماتة وشجاعة فائقة، وثباتا يعبر عن إيمان راسخ في القلوب، واستمرت المعركة بهذه الصورة من صبيحة يوم 15/01/58 إلى يوم 17/01/58».

خسائر الجزائر لتمويل الانفصال في الصحراء.. دولارات «البترول والغاز» تبخرت
سبق أن نشرنا في «الأخبار» سنة 2018، مواكبة لرفع السرية عن وثائق من أرشيف الاستخبارات الأمريكية CIA والتي جاء فيها أن الجزائر كانت تعتمد على إمدادات من مصر وسوريا لتمويل عمليات مسلحة للبوليساريو منذ أواسط سبعينيات القرن الماضي. وعندما انقطع الدعم العربي تم صرف ملايين الدولارات بدون رقابة من عائدات النفط والغاز الجزائريين، بعيدا عن أعين الحكومة الجزائرية وبإشراف الجنرالات لتمويل تسليح البوليساريو.
في نهاية سنة 2001، كانت العاصمة الجزائرية تشهد لقاء مع بعض الفاعلين في المجتمع المدني الجزائري وبين وزير في الحكومة، إلى أن ظهر في القاعة رجل بدأ يصيح في وجه الوزير والجالسين معه في المنصة، ويطالب بخروج الجزائر من الصحراء المغربية!
تدخل الأمن ليخطف الرجل ويترك الحاضرين في حيرة من أمرهم بخصوص هويته، وفُسر الأمر لاحقا بأن الرجل يعاني مرضا عقليا دفعه إلى القيام بما قام به. لكن جانبا من التعقل الضروري استحضاره في هذه النوازل، أن الفاعل يمكن أن يكون من الذين امتنعت الحكومة الجزائرية منذ سنة 1975، عن مطالعة ملفاتهم، والتي تتعلق بلم شملهم مع أسرهم المختلطة بين الجنسيتين المغربية والجزائرية، والتي كانت قضية الصحراء، والموقف الجزائري المنحاز إلى الانفصال، سببا رئيسيا في تأجيج معاناتها.
نشرت بعض المواقع الفرنسية خلال سنة 2007، تحقيقا وقعه صحفي جزائري، يعتبر لاجئا في فرنسا، وقعه باسم مستعار هو سمير بن قادا، وسرعان ما تم حظره ليختفي بعد أشهر من نشره، لأنه تضمن وثائق من المؤسسة العسكرية الجزائرية. تكشف هذه الوثائق أن بعض الجنرالات في الجزائر، يوقعون على أوامر بصرف أموال لا تُوجه أساسا إلى الجيش، وإنما إلى استعمالات لا علاقة لها بالمؤسسة العسكرية، وسرد التحقيق وقائع مطولة عن مصير تلك الأموال وأنها تذهب رأسا إلى قياديين في تنظيم البوليساريو.
لم يكن المعارضون الجزائريون ليهتموا بأمر دعم بلادهم للبوليساريو، ولولا أن هذا الدعم يتم اقتطاعه من أموالهم بصفتهم دافعين للضرائب، أو موظفين لا يستفيدون من حقوقهم كاملة، لأن نصيبا منها يتم توجيهه لدعم الجبهة.
وطرح التحقيق السؤال عن ضرورة طرح أرقام تقريبية لخسائر الجزائر في الصحراء منذ حرب الرمال سنة 1963، والتي كان فيها العتاد الجزائري متواضعا جدا، لكن أرشيف وثائق الـCIA يكشف أن الجزائريين حصلوا في الحقيقة على دعم مصري وسوري لخوض الحرب ضد المغرب، وهي الحرب التي خسرتها الجزائر بفارق كبير جدا، كلفها الأمر سنوات لتكوين جيشها الخاص. لتأتي سنوات السبعينات بمفاجآت كثيرة حاول من خلالها الرئيس الجزائري، الهواري بومدين، التخلص من عقدة تفوق الجيش المغربي عليه.
كانت ومع نجاح المسيرة الخضراء سنة 1975، وتعاطف المجتمع الدولي مع المغرب والإقرار بمشروعية استعادته للصحراء من الاستعمار الإسباني، ضاق الخناق أكثر على مكتب الرئاسة في العاصمة الجزائر، وهكذا كان الرد الأول هو طرد المواطنين المغاربة من الجزائر ورميهم في الحدود، وقصتهم اليوم معروفة جدا، ولا يزال ملفهم، إلى حدود الأسابيع القليلة الماضية، مطروحا في جنيف لاستعادة حقوقهم وتعويضهم عن الطرد الذي تعرضوا له قبل 43 سنة من اليوم.
خصصت الداخلية الجزائرية ميزانية مهمة لطرد المواطنين المغاربة من أراضيها، واستعادت أموالها عن طريق حجز ممتلكات المغاربة ونزع ملكيتهم لبعض الودائع والأموال والمشاريع التجارية.. إلخ.

بودرقة.. صاحب «بوح الذاكرة وإشهاد الوثيقة» يقدم وثائق دامغة عن مؤامرة «البوليساريو»:

«ولد السيد لم يعمل بنصيحة الفقيه البصري للنضال من الداخل وواجه موريتانيا ليُقتل»

في مارس من هذه السنة، قدمنا قراءة حصرية في «الأخبار» لأهم مضامين الكتاب الجديد لعباس بودرقة، أحد كبار المعارضين المغاربة الذين واكبوا ميلاد الاختيار الثوري وعاش أحداث مارس 1973 من الداخل والخارج أيضا. وكان خلال فترة الستينيات والسبعينيات معايشا، مع الفقيه البصري، لميلاد «البوليساريو» وربط علاقات مع مؤسسيها الذين تم إغراؤهم بالمال من طرف الجزائريين ولم يعملوا بنصائح القيادات المغربية لهم لكي يمارسوا النضال من الداخل. يقول بودرقة في كتابه الجديد «بوح الذاكرة وإشهاد الوثيقة»:
«عندما تحملتُ مسؤولية التنظيم في الجزائر التقيت الوالي مصطفى السيد مع شاب آخر كان يرافقه، دار بيننا حديث عميق ومُنتج. أبان فيه عن حس وطني وحدوي عال. وعن طموحه للتنسيق والتعاون معنا. وسلمني في هذا الشأن تقريرا مفصلا عن الأوضاع في الصحراء.
تولينا أمور سفرهما وإقامتهما. لم يكونا على اتصال بعدُ بالمسؤولين الجزائريين، بل كل التواصل والتنسيق كان معنا خلال هذه الفترة.
سأل عن إمكانية توفير السلاح، فطمأناه أن الإمكانية متاحة. يجب أن يجري التمهيد لها بجولة استطلاعية في تندوف».
بودرقة، في هذه المذكرات يكشف لأول مرة أن المعارضة المغربية كانت على تقارب مع المناضلين في الصحراء قبل حتى أن تولد أطروحة الانفصال عن المغرب وقبل أن تشرع الجزائر في تمويلهم.
في هذه الفترة كان الجزائريون يتعاملون مع إدوارد موحا، زعيم تنظيم الرجال الزرق، الذي لعب دور العميل المزدوج بين الجزائر والمغرب. راهن عليه النظام الجزائري في البداية ولم يعر اهتماما للوالي مصطفى السيد. إلا بعد طرح قضية الصحراء ورفض الفقيه البصري مسايرة هواري بومدين في مشروعه.
بعد أن ركبت الجبهة موجة الانفصال، عقدنا لقاء مطولا مع وفد من الصحراويين برئاسة أحد قادتهم يدعى حبيب الله. في فندق بشواطئ طرابلس. حذرناهم فيه من تلاعب السلطات الجزائرية ومناوراتها. وعرضنا عليهم تجربتنا معها طيلة عقد من الزمن.
نصحناهم بالانحياز لوطنهم والنضال من داخله، عوض تحكم المسؤولين الجزائريين فيهم وتوظيفهم لخدمة أغراضهم».
نفى بودرقة في هذه المذكرات أن يكون للموضوع أي علاقة للثوريين المغاربة بدعم الانفصال. حتى أن ولد السيد لم يعمل بالنصائح التي وُجهت له من طرف القيادة التي كان يترأسها الفقيه البصري، وفضل المضي في حلمه قدما، حتى أنه حصل على دعم الجزائريين وعاد من الجزائر العاصمة مشحونا حتى أنه قرر مهاجمة موريتانيا. ونقل عنه بودرقة قوله: «سأحسم هذا الأمر في أقل من سنة ولو كلفني حياتي». وفعلا قد كلفه حياته. يقول بودرقة عن الموضوع: «قامت الطائرات بالتصدي لزحف الوالي وجيشه. قصفت قواته وأنهت حياته. لم يكن في مصلحة النظام الجزائري أن ينجح هجومه على نواكشوط، ففيه تعزيز لقوته التي قد تسعفه للخروج عن طوعها وتحقيقه لاستقلال فعلي في قراراته.
ثم إن هجومه على نواكشوط عاصمة دولة مستقلة ولها حضورها الدولي انطلق من التراب الجزائري مما يعني إحراجا أمميا للنظام الجزائري. قُدر للوالي إذن أن يدفع ثمن اختياراته في لعبة أمم تحرص فيها السلطات الجزائرية على انتقاء رئيس للجبهة على ال

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى