سري للغاية

حسن فرج: «والدي كان يكره الدولة المغربية وكانت نيته أن يفاوض بالوثائق التي حازها»

> دعنا نبدأ من إشكال الصندوق الحديدي. تقول إن جميع الذين تحدثوا لك عنه، قبل أن تتأكد فعلا من وجوده بالوصية التي تركها والدك، يقولون إن به وثائق مهمة للدولة.. ما مدى مصداقية هذا الطرح؟
تقول والدتي إن به وثائق مهمة للدولة، والدليل أن والدي رفض في آخر أيامه إعادة محتوى الصندوق للدولة المغربية ورفض العودة إلى المغرب أيضا، حتى بعد أن علم أنه مصاب بالسرطان، وبقي في ألمانيا إلى أن مات. أن الصندوق يحتوي على وثائق مهمة، هذا أمر لا شك فيه.

> ولماذا جعل عبد الفتاح الوريث الوحيد له محصورا في أختك خديجة؟
أنها كانت قريبة منه جدا، ولأنها، كما أخبرتك سابقا، ابنته الحقيقية، رغم قصة التبني التي تروج. يستحيل أن يوصي لها بكل شيء ما لم تكن ابنته، ويحرم إخوته وزوجته.
أما أنا فلم يتبق لي أي شيء. كان عبد الفتاح فرج يرى فيّ «orphelin illégitime».. «يتيما غير شرعي». هذا ما كان يعتقده. ثم حماتي أيضا كانت تنظر إلي بهذا الشكل. عندما كان هناك خلاف بيني وأصهاري من جهة، وبينهم وأختي خديجة من جهة ثانية، كنت أحس أن نظرة المتخلى عنه التي ينظرون بها إليّ قد تقوت، وأن حياتي أصبحت مهددة بالخطر.. لدي أشرطة تسجيلية لكاميرات المراقبة توثق كل شيء ولا زلت أتوفر عليها وأدليت بها في جميع الشكايات التي وضعتها لدى المصالح الأمنية المختصة. السبب هو المال ولعنة إرث عبد الفتاح فرج.

> لنعد إلى الصندوق الحديدي.. كيف تفسر إصرار والدك على الاحتفاظ بهذا الصندوق رغم أن الطبيب أخبره أنه لم تتبق له إلا أشهر قليلة في الحياة..
عبد الفتاح فرج كان يكره الدولة المغربية في آخر أيامه. ما وقع له أنه لم يتقبل فكرة أن تنتهي أيامه على رأس الكتابة الخاصة بالقصر الملكي، حتى بعد وفاة الملك الحسن الثاني. لن أنسى ملامحه يوم علمنا بوفاة الملك الحسن الثاني في يوليوز 1999 ونحن في إقامة الصخيرات. لقد تغيرت ملامحه ودار بينه ووالدتي حديث على انفراد قبل أن يقرر التخلص مني وإبعادي رسميا عن حياته. ما لم أفهمه وقتها، واحتاج مني سنوات حتى أستوعبه، هو أن عبد الفتاح فرج كان فقط ينتظر وفاة الملك الراحل وكان يعلم أنه راكم ثروة كبيرة يجب عليه تدبر أمرها وتأمينها بعد وفاة الملك الحسن الثاني. أصبح يكره رموز المرحلة الجديدة بالمغرب بعد وفاة الملك الحسن الثاني، وكان يكرههم جميعا بحجم كرهه لي. وهكذا قرر الاحتفاظ بمحتوى الصندوق الحديدي في جنيف، ليفاوض به أو يستعمله «جوكر»، وهذا ما وقع تحديدا. عندما أرادت الدولة استرجاع ما بحوزته، رفض وبقي على موقف الرفض إلى أن مات. لا شك أنه كان يعلم أنه يتوفر على أمور مهمة للغاية، وتمثل سيادة الدولة.
لو وصلت أختي خديجة إلى ذلك الصندوق، بحكم أنها وريثته الوحيدة كما تنص وصيته، ستكون كارثة بالتأكيد.. كارثة حقيقية، لأن هذا يعني أن الوثائق التي أخذها عبد الفتاح فرج معه، ستصبح بين يديها، وبين يدي أصهارها أيضا.

> ما دليلك على أن عبد الفتاح فرج كان في آخر أيامه يكره الدولة المغربية؟
لقد رأيت كل هذا بعيني عندما كنت أزور والدتي بانتظام، سواء في الشقة التي اقتناها فور وصوله إلى ألمانيا، أو الشقة التي قضى بها آخر أيامه هناك. مواقفه تقول كل شيء، لقد كان يرفض أن يعود إلى المغرب وكان يشدد على هذا الأمر. لم يستوعب أن يُعفى من مهامه على رأس الكتابة الخاصة بالقصر الملكي. هذا بالإضافة إلى أن والدتي كانت تؤكد هذا الأمر بعد وفاته. كانت تحكي لي مرارا عن آخر أيامه.

> ما الذي يجعلك متأكدا من أن الصندوق الحديدي ببنك جنيف يضم وثائق غاية في السرية؟ ألا يمكن أن تكون شقة مدينة أولم تحتوي على صندوق؟
هنــاك صندوق، لكنه كان يضم أموالا وبعض حلي والدتي غيثة، ولم تكن به أوراق. كانت العادة أن يكون هناك صندوق حديدي صغير لتودع فيه الأشياء الثمينة. أنا أتحدث عن الصندوق الحديدي المغلق، والذي لا يتم فتحه إلا بوصية من مالكه. في هذه الحالة مالكه هو عبد الفتاح فرج، والموصى له هو أختي خديجة.

> لماذا لم يوص به لزوجته غيثة؟
لا أملك جوابا على هذا السؤال. خديجة كانت أقربنا إليه على الإطلاق، خصوصا في أيامه الأخيرة. كانت تلازمه كثيرا ويتحدثان كثيرا ويسهران ليلا إلى ساعات الصباح الأولى.
لهذا السبب ربما جعلها الوحيدة المخولة لها الاستفادة من محتويات ذلك الصندوق الموجود بجنيف.

> لكن والدتك كانت تعلم بوجوده وبمحتوياته قبلك وقبل الجميع أيضا..
صحيح، لأنها اطلعت على الوصية التي قسم فيها عبد الفتاح فرج كل ممتلكاته وذكر فيها ذلك الصندوق الحديدي، قيد حياته، وحاولت إبقاء الأمر سرا أطول فترة ممكنة. عندما انكشف كل شيء، اعترفت بوجود ذلك الصندوق وقالت لي بالحرف إن محتوياته سرية وتهم الدولة المغربية ووالدك رفض إعادتها.

> ما دليلك على أن والدك كان يريد استعمال محتويات الصندوق «جوكر»؟
الدليل هو الأحداث التي وقعت. أمّن خروجه من المغرب، وتفاوض مع بعض الأسماء حتى يستطيع الخروج في أقرب وقت ممكن، ومنزله في حي السفراء شاهد على هذا الأمر. لقد ترك كل شيء خلفه وغادر مستعجلا. وكان بإمكانه أن يبقى في المغرب، لكنه كان يعلم أن الثروة التي راكمها بالخارج طوال سنوات لا يمكن أن تبقى آمنة إذا لم يغادر هو أيضا. تلك الوثائق التي بحوزته، من شأنها أن تقوي حظوظه في التفاوض مع الدولة، وهو ما وقع، وبشهادة والدتي. لقد اتصلت بي ذات يوم وقالت لي في مكالمة هاتفية، وقد كنت أنا وقتها في فرنسا أتابع دراستي، إن هناك ضيفين مهمين سيأتيان من المغرب يريدان أن يريا والدي ويتحدثان معه، وكانت منزعجة جدا وقالت لي إنها لا تملك مكانا لائقا لاستضافتهم ولا تستطيع استضافتهم في فندق، لأنه سيكلفها غاليا. هذا ما قالته لي بالضبط عبر الهاتف.
بعد سنوات أفهمتني والدتي أن ذلك اللقاء كان بخصوص الصندوق الحديدي في جنيف، وأن عبد الفتاح فرج رفض عرض الدولة وبقي على موقفه.

> يبدو أن عبد الفتاح فرج كان زبونا وفيا لأبناك سويسرا..
لديه حسابات بنكية كثيرة بالخارج، والودائع المالية التي بها تساوي ملايين الأورو. ثروة كبيرة، لكن لا أحد يستفيد منها إلا أختي خديجة والوالدة بنسبة 20 في المائة فقط. أي أن المستفيد الأكبر هي خديجة. أما الممتلكات التي في المغرب فلا تمثل إلا جزءا يسيرا من إجمالي ثروته.
الشخص الذي يعلم تفاصيل ثروة عبد الفتاح فرج، هما صديقاه المقربان: السيد بارزيلاي، ومولاي عبد الله العلمي. العلمي كان شاهدا على كتابة الوصية، وتعهد بتنفيذها لأن الأمر يدخل في صلب عمله ومهنته. ولا بد أن يكون هناك جرد بالحسابات البنكية التي توجد في اسم عبد الفتاح فرج، ومحتوياتها وكل المعلومات المرتبطة بها.

> هل شهدت هذه القضية أي تطورات في الأشهر التي اختفت فيها والدتك؟ أي بين اختفائها الغامض ووفاتها.
نعم شهدت القضية تطورات كثيرة ومثيرة أيضا. اختفاؤها في مارس 2013 يعتبر تطورا كبيرا لأنه لغز حيرني وما زال يحيرني إلى الآن، لأنه لم يكن من عادة والدتي أبدا أن تقطع جميع سبل الاتصال بها، كانت طيلة حياتها حريصة على السؤال وتبادل التهنئات في المناسبات العائلية والدينية أيضا. المقربون منها يعلمون أنه يستحيل أن تتأخر عن تهنئة من تعرفهم بقدوم الأعياد الدينية.. عندما غابت رسائلها واتصالاتها في المناسبات الدينية بدأ أصدقاؤها في القلق بشأنها، إلى أن قررت أن أذهب إلى ألمانيا للبحث عنها.

> وقضية الإرث هل شهدت تطورات؟
أكيد. فوجئتُ عندما كانت والدتي مختفية بأن ثمة تنازلا وُقع باسمي، خارج المغرب، في سنة 2013، أتخلى وأتنازل بموجبه عن كافة حقوقي في إرث عبد الفتاح فرج، ولم أكن أعلم أي شيء عن هذا الأمر. ولحسن حظي، فإني أملك الدليل على أن هذا التنازل الموقع باسمي في الخارج لا أساس له من الصحة.

> أي دليل؟
كنتُ محتجزا في ضيافة الدرك الملكي بمدينة ابن سليمان على خلفية قضية سأخبرك عنها. وبالتالي فإن ذلك التنازل لا يمكن أن يكون صحيحا لأنني لم أغادر المغرب لأوقعه. كل الأدلة تشير إلى أنه مزور وقد راسلت الجهات المعنية بالخارج لتصحيح الأمر وأخذوا الوثائق التي قدمتها بعين الاعتبار.
كنت أتابع يومها في جريمة قتل وأمضيت ليلة في ضيافة الدرك الملكي بمدينة ابن سليمان، ليستمعوا إلى إفادتي بذلك الخصوص، وفي التاريخ نفسه تم تزوير تنازلي عن حقوقي في الإرث.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى