شوف تشوف

شوف تشوف

حكايات رمضانية

في رمضان تضيق المساجد بالمصلين وقت صلاة التراويح، الجميع يريد أن يصلي وراء الإمام لكي يستمتع بصوته الرخيم وهو يرتل القرآن.
وإذا كان الزفزافي قد قطع على الناس خطبة الجمعة بالحسيمة واتهم الخطيب بالانتماء إلى علماء السلاطين، قبل أن يفر ويتم اعتقاله، فإن إماما ثمانينيا بمسجد بتطوان منع المصلين لليلتين من أداء صلاة التراويح بسبب رفضه الخضوع لقرار المجلس العلمي والسلطات المحلية التي عينت إماما شابا لكي يؤم بالناس صلاة التراويح.
المصلون كانت لهم مطالب واضحة، يريدون إماما لا يخطئ في قراءة السور والآيات ويكون صوته جميلا، وهي على ما يبدو شروط لم تكن تتوفر في الإمام السابق، الذي ترك له المجلس العلمي حق إمامة المصلين خلال الصلوات الخمس.
ما وقع في تطوان ذكرني بواقعة عشتها سنوات منتصف التسعينيات عندما نشب خلاف كبير بين الإمام الذي اعتاد الصلاة بالناس في التراويح بصوته الأجش وإمام شاب حسن الصوت عينته السلطة المحلية لأداء صلاة التراويح بالناس طوال رمضان.
وطبعا فهذه المهمة ليست مجانية، فهناك في آخر الشهر تعويض مادي يتوصل به الإمام، وهذا بالضبط ما جعل الإمام صاحب الصوت الأجش، لفرط قراءته القرآن يوميا في حفلات الزرود وسرادقات العزاء التي يحضرها، فضلا عن ارتخاء فكيه من كثرة «النضيغ» في الولائم، يشعر بالغبن ويقرر أن يحول صلوات الإمام الشاب إلى جحيم يومي.
ولم يكن للناس من خيار آخر غير تحمل تداعيات هذه الحرب المعلنة أو تغيير المسجد، والمساجد في تلك الفترة لم تكن بالكثرة التي هي عليها اليوم، فلم يكن لديك من خيار آخر سوى أن تصلي وراء إمام ومأموم يعيشان الحرب أو التوجه إلى مسجد الحي القريب حيث تسود حرب أخرى بين جيش حفظة القرآن المكون أساسا من قدماء المحاربين والذين يستحيل أن تصلي بجانبهم لأنهم «يحرزون» الصف الأول واضعين فوقه سبحاتهم الطويلة ولبداتهم حتى وهم غائبون عن المسجد.
هؤلاء المصلون من قياديي الصف الأول بمجرد ما يشرع الإمام في تلاوة القرآن ينهالون عليه بعبارات التصحيح «سبحان الله أ الفقيه، سبحان الله أ الفقيه»، مصححين له أخطاء وهفوات يقترفها وأخرى يتخيلونها وتتبدى لهم لفرط كراهيتهم للإمام الذي اختارته السلطة المحلية دونهم لإمامة الناس والفوز بتعويض نهاية رمضان.
وذات ليلة بينما الإمام مسترسل في قراءة القرآن باغته تصحيح من الخلف لآية كان متأكدا أنه قرأها بطريقة صحيحة، ففقد صبره وأسدل يديه وقطع صلاته والتفت إلى صاحب التصحيح وقال له «إوا كي قريتها أنا» ؟
قبل أن يجمع لبدته وتسبيحه ويغادر المسجد مهمهما بعبارات غاضبة سمعنا منها «وصلي بيهم نتا دابا».
لكن انتقام الإمام لم يكن في اليوم الموالي، بل في ليلة القدر، وهي الليلة التي يحضر فيها سعادة العامل للصلاة في المسجد.
وبما أن سعادته «حرحرها» تلك الليلة فقد تأخر في القدوم إلى المسجد، وبما أن الإمام كان «يتسرهط» خارج المسجد متحرقا لوصول سعادة العامل لكي يستقبله بنفسه في الباب ويدخل بمعيته حتى «يقلي السم» لجيش قدماء المحاربين وهو يتخطى الصفوف والرقاب جنب سعادة العامل، فإن إماما شابا تكلف بالصلاة بنا في التراويح.
وبينما نحن في الركعة الخامسة، دخل الإمام مسرعا وانتزع الميكرو من قشابة الإمام وسمعناه يقول له «صافي رجع اللور سعادة العامل جا غادي نبداو الصلا بالمعقول».
فدخل العامل وأعوانه ووقفوا في الصف الأمامي الذي كان محجوزا على شرفهم، ولم يكن من المصلين سوى الانسحاب من المسجد بعدما قطعت صلاتهم التي اعتبرها الإمام «ماشي صلا ديال المعقول»، كما لو أننا كنا نزجي الوقت في انتظار وصول العامل لكي نصلي صلاة المعقول ويقبل الله صلاتنا.
الناس لا يتفقون دائما مع مواضيع خطب أئمة المساجد، ومنهم من لا يحب سماع صوت الإمام وهو يصلي به لخشونته، وهناك مؤذنون ينفرون عباد الله عوض تحبيبهم في القدوم إلى المساجد، كل هذا موجود، لكن الذي لا يختلف حوله جميع المصلين هو احترام تنبيه يوجد في كل ركن من أركان المسجد يقول لك «انتبه لحذائك».
وهذا التنبيه بالضبط هو ما لم يعره العداء السابق الكروج انتباها فانتهى بفقدان حذائه الرياضي في مسجد ببنسليمان في أول أيام رمضان.
ويبدو أن عادة فقدان الأحذية أصبحت ترافق الكروج منذ أن فقد الحق في تسويق ماركة «نايك» العالمية في محلات شركته، بعدما ابتلعت شركة «أديداس» كل المجال التجاري لبيع الأحذية الرياضية بمدن المغرب.
وليس الكروج أول ولا آخر من يسرق حذاؤه في المسجد، فقد سبقه عامل المحمدية زوج البرلمانية الاتحادية حسناء أبو زيد عندما سرقوا بلغته في المصلى صباح العيد.
وشخصيا عشت واقعة مماثلة سنوات الثمانينيات في حي الدريسية بالدار البيضاء عندما تركت «كلاكيطا» اشتريتها للتو أمام باب المسجد ودخلت لأداء صلاة الظهر، وعندما خرجت لم أجد سوى «يدي والرحبة»، فوقعت عيني على «كلاكيطة» سوداء فأدخلت فيها قدماي وغادرت المكان وفي ضميري وخز استطعت أن أخفف منه بعدما أقنعت نفسي وأنا في تلك السن المبكرة أن الله عندما سيسألني لماذا سرقت هذه «الكلاكيطة» من صاحبها فإنني سأرد بأن أحدهم سرق مني «كلاكيطتي» وعندما سيردها إلي فإنني سأرد «الكلاكيطة» التي سرقت لصاحبها.
لكن الله لم يمهلني وقتا حتى أقف بين يديه لكي أشرح أسباب السرقة التي قمت بها، لأنني عدت إلى المسجد لأداء صلاة العصر وعندما هممت في باب الخروج بوضع قدماي داخل «الكلاكيطتين» أحسست بقبضة قوية تمسك بقمونتي وسمعت صوتا أجش يأتيني من الخلف يقول لي «حط الكلاكيطا»، فأخرجت قدماي منها دون أن ألتفت ومشيت نحو بيت خالتي حافيا متمنيا أن تنشق الأرض وتبتلعني من فرط الخجل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى