الرئيسيةسياسية

حكومة بنكيران استغلت غياب دور مجلس المنافسة وجازفت بتحرير أسعار المحروقات دون حماية المستهلك

الكراوي يؤكد أن الحكومة كانت تعرف سلفا أن قرارها سيحرم السوق من الشركة الوطنية الوحيدة التي لعبت دورا حاسما في الحفاظ على التوازنات التنافسية وتموين السوق الوطنية وقدرات التخزين

محمد اليوبي

صدر التقرير السنوي لمجلس المنافسة بالجريدة الرسمية، عقب رفعه من طرف رئيس المجلس، إدريس الكراوي، إلى الملك محمد السادس، كما صادقت عليه بالإجماع الجلسة العامة للمجلس، خلال جلستها السادسة المنعقدة يوم 14 ماي المنصرم. ويتضمن هذا التقرير حصيلة أنشطة مجلس المنافسة خلال سنة 2019، والمتمحورة حول تقنين الأسواق، ورأي المجلس حول مقترح تسقيف أسعار المحروقات الذي تقدمت به الحكومة.
وأكد مجلس المنافسة أن سوق المحروقات يعاني أعطابا واختلالات تنافسية هيكلية لا تنفع معها الإجراءات المتخذة للتصدي لهذه الاختلالات، بشكل دوري، إذ تبقى غير فعالة، وعليه، يضيف التقرير، يتعين على الحكومة أن تضع في حسبانها، أثناء التدخل لمواجهة هذه الاختلالات، حجم خطورة المشاكل التي يعرفها القطاع في مجال المنافسة، وتحسين شروط ممارستها. ويرجع الجزء الأكبر من هذه المشاكل الهيكلية، حسب التقرير، إلى مسلسل التحرير الكلي لأسعار المحروقات الذي بدأته الحكومة في دجنبر 2015، دون إعداد مسبق ودون اتخاذ تدابير فعالة للمواكبة، من شأنها توفير الشروط والكفيلة بإنجاحه.
فمن الناحية الواقعية، يرى المجلس أن قرار التحرير الكلي لأسعار المحروقات اتخذ على نحو استعجالي، دون استحضار عدة عوامل مرتبطة بالسياق الوطني، كان من المفروض أن تنبه الحكومة إلى الجدوى من دخول القرار حيز التنفيذ، وتحديد كيفيات تطبيقه، وفي هذا السياق، يعتبر المجلس أن الحكومة جازفت باتخاذ قرار تحرير أسعار المحروقات وهي تعلم سلفا أن هذا القرار سيحرم السوق من الشركة الوطنية الوحيدة التي لعبت دورا حاسما على ثلاث مستويات، تمثلت في الحفاظ على التوازنات التنافسية، وتموين السوق الوطنية (64% من حاجياتها) وقدرات التخزين، فضلا عن ذلك، اتخذ القرار ضمن سياق عرف فراغا مؤسساتيا تمثل في غياب دور مجلس المنافسة، الذي لو كان حاضرا واضطلع بمهامه المتـمثلة في تقنين المنافسة في الأسواق، والتي تعززت بفضل الصلاحيات الجديدة التي خولت له في مجال البحث والتحقيق، وترتيب الجزاءات، لساهم في تعزيز المراقبة المستقلة والمحايدة لسلوك الفاعلين، الذين يعمدون إلى خرق قواعد المنافسة الحرة والنزيهة في السوق.
وخلص التقرير إلى أنه يتضح مما سبق أن الحكومة لجأت ببساطة إلى تحرير الأسعار المعمول بها في وقت كانت تعمل فيه على تقنين نفس بنية السوق غير الملائمة، دون اتخاذ أية ترتيبات مسبقة بشأن المعيقات الأساسية التي تحول دون ضمان السير العادي لمنظومة المنافسة، والمتـمثلة في نشأة حواجز قوية تمنع الدخول المبكر واللاحق إلى السوق، وظهور مستوى عال من التركيز، وسيادة بنية تتسم باحتكار فئة لبعض الأسواق من جهة، واحتكار فئة أقلية لأسواق أخرى من جهة أخرى.
وعلى ضوء التقييم المنطقي والتشخيص الموضوعي الذي خضع له هذا الملف، يوصي المجلس بإجراء مراجعة شاملة للسياسة الوطنية المتعلقة بالمنافسة في سوق المحروقات، وتعزيز حكامتها، كما يوصي المجلس، في إطار معالجة الاختلالات الكبرى التي تعرفها سوق المحروقات، اتخاذ تدابير تستند إلى أربع ركائز رئيسية ذات الصلة ببنية السوق في جانبها القبلي والبعدي، بغية جعلها أكثر انفتاحا على المنافسة، وأكثر انسجاما مع الأهداف الاستراتيجية المتـمثلة في تأمين تموين السوق الوطنية، وضمان الفعالية الاقتصادية، وتحقيق العدالة الاجتـماعية.
وتشمل هذه الركائز تطوير المنافسة على المستوى القبلي في السوق، وأوضح التقرير، أنه لا يمكن تحريك عجلة المنافسة داخل سوق المحروقات من خلال تدابير تستهدف فقط الجانب البعدي للسوق عبر تقنين أسعار البيع بالتقسيط وهوامش الربح، إذ يتطلب الأمر اتخاذ تدابير تهم المستويات الأخرى من سلسلة القيـمة قصد إرساء منظومة مندمجة للمنافسة تراعي الجانب القبلي للقطاع كذلك. وفي هذا السياق، يرى المجلس أن استعادة النشاط الوطني لتكرير المحروقات يشكل قيـمة حقيقية في غاية الأهمية، وإلى جانب دورها في إعادة ضبط التوازنات التنافسية، وهو ما سيـمكن الجهة المكلفة بتسيير نشاط التكرير من التصدي لنفوذ الفاعلين المستوردين الذين يهيـمنون على أنشطة الاستيراد والتخزين والتوزيع بالجملة للمحروقات، وعليه، يوصي المجلس الحكومة بإرساء منظومة خاصة لتشجيع الاستثمار في نشاط التكرير الخاص أو في إطار تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
ويوصي المجلس بضرورة بناء القدرات الوطنية في مجال التخزين، وأوضح أن القوانين الجاري بها العمل تشدد على ضرورة ربط استيراد وتوزيع المحروقات بنشاط التخزين، غير أن بناء القدرات في مجال التخزين وتدبير المخزون يفضي إلى تكاليف مالية ولوجستية هامة تقف حاجزا أمام دخول فاعلين جدد إلى السوق، وتعزز بالمقابل الوضع الاعتباري للفاعلين الكبار الذين سبق وأن اقتحموا هذا السوق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى