الرأي

حكومة مثيرة للشفقة

أليس غريبا أن يتحول ملف اجتماعي صغير، من حجم ملف الأساتذة المتدربين، إلى مصدر لمشكلات سياسية وأمنية واجتماعية نحن في غنى عنها؟ هل كان من الضروري أن تتسارع الأحداث بهذا الشكل، بحيث لا نخرج من أزمة حتى ندخل في أخرى؟ فبعد أسبوع واحد فقط عن انتهاء أزمة حكومية كادت تنهي التحالف الحكومي الحالي، لمجرد أن وزير المالية قدم جوابا قانونيا عن سؤال مقدم له من أحزاب برلمانية، ها هو الملف ذاته يدخل مرحلة جديدة، عندما قررت الحكومة أن توقف ثلاثة أساتذة مكونين في المراكز الجهوية. كل هذا فقط لتبرر قصتها المثيرة للشفقة، عن كون الأساتذة المتدربين فاقدي الاستقلالية والقرار، وأنهم يخوضون حربا بالوكالة عن تيارات سياسية أخرى. مع أن هؤلاء، أثبتوا عبر محطات كثيرة استقلاليتهم ووضوح مطالبهم. فالحكومة، لترسيم المرسومين، وتمرير مقترح تشغيل الفوج الحالي عبر دفعتين، لجأت لمسرحية جديدة، والسؤال الذي يطرح هنا هو: هل متخذو القرار الحكومي ضيقو الأفق لدرجة أنهم لم يجدوا وسيلة لإقناع الرأي العام بمقترحهم سوى بإثارة الانقسامات بين صفوف الشعب المغربي؟ وفي حالة الأساتذة الموقوفين تحديدا، هل يعقل أن ثلاثة أشخاص قادرون على تحريض عشرة آلاف شابة وشاب موزعين على 15 مركزا جهويا؟ ثم لماذا هؤلاء الثلاثة وليس المئات من الأساتذة الآخرين الذين عبروا علانية عن دعمهم للأساتذة المتدربين، بل وكانوا حاضرين في كل محطاتهم الاحتجاجية؟ أليس توقيف أساتذة عن العمل لمجرد ما عبروا عن رأيهم المخالف للحكومة إعادة إنتاج للاستبداد؟ أليس هذا ما كان يقع في السبعينات والثمانينات؟ أليس من واجبات المواطنة الصادقة أن يعبر الموطنون عن آرائهم اتجاه السياسات العمومية، سيما مع حكومة تمارس شتى أنواع الارتجال؟
إذن، بعدما كان الرأي العام ينتظر أن تطوي الحكومة هذه الصفحة، ويلتحق الأساتذة المتدربون بالمراكز لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، هاهي تدخله مرة أخرى في انقسام سياسي جديد. كل هذا ليظهر الحزب الأغلبي بمظهر المالك لناصية الحقيقة في تدبير ملف، بعدما أثبتت كل فصوله بأن الأمر يتعلق بحزبوية ضيقة، ولا علاقة للأمر بقانون المالية وكل التسويغات المتهالكة الأخرى. فبعد كل هذا الذي يحدث على هامش التعنت الحكومي الغريب لحل ملف صغير من حجم ملف الأساتذة المتدربين، وتحوله إلى قضية دولة، نتساءل عما سيكون عليه وضعنا لو واجه هذا البلد أزمة كبرى، من قبيل حرب أو جائحة إنسانية أو كارثة طبيعية لا قدر الله. فهذا الملف الذي كان يمكن حله في أسابيعه الأولى تماما كما تم حل مشكلة شبيهة حدثت قبل سنتين في مراكز التكوين، حوله الحزب الأغلبي لقضية «موت أو حياة» بالنسبة له، في حين أدار ظهره لملفات محاربة الفساد الذي اعتبره إبان الانتخابات الماضية شعاره «الخالد». فإذا عدنا للسنة التكوينية 2014-2015 سنجد أن الوزارة قبلت 8340 أستاذا متدربا، بينما قانون مالية سنة 2015 كان قد حدد المناصب في 7000 منصب مالي فقط، بمعنى أن 1430 منصب غير معنية بنفس ميزانية نفس السنة، ومع ذلك تم تعيين الجميع، لتتم تسوية 7000 فقط، و1430 المتبقية أجلت تسوية وضعياتهم إلى غاية قانون مالية 2016. إذن لماذا الاستثناء هذه السنة، والحرص على دفع المجتمع المغربي للانقسامات السياسية المجانية؟ إنها فعلا حكومة مثيرة للشفقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى