الرأي

حمولة حرم السفير: 20 ألف طن

بعض الأخطاء المطبعية يكون لها مفعول صادم، وبعضها يبلع كما الريق، من دون مضاضة. ووجدت أن إشراك القارئ في شذرات من هذه الهفوات، غير المقصودة طبعا، يخفف من المؤاخذات.
أبدأ بحكاية الباخرة الأجنبية التي توقفت في ميناء الدارالبيضاء يوما، فكتب صحافي عن حجمها وقدرات شحنها، لينتهي بأن حمولتها تزن 20 ألف طن. وقتذاك كانت الصحافة تشتغل بطرق ووسائل بدائية. وكان تصفيف المواد يتم عبر اللينوتيب التي تشابه العصر الحجري، إذ تخرج سطرا بعد الآخر، عبارة عن مستطيل صغير من مواد الرصاص.
على صدر الصفحة التي تضمنت خبر رسو الباخرة. اختار المحرر نشاطا دبلوماسيا يتمثل في حفل استقبال أقامه سفير دولة عربية في الرباط. وعلق على الصورة أنها تضم السيد السفير وحرمه. غير أن السطر الذي يتحدث عن حمولة الباخرة اختلط بالنشاط الدبلوماسي. فجاء التعليق على الشكل التالي: «في الصورة يبدو السيد السفير أثناء استقبال الضيوف، وإلى جانبه حرمه التي تزن حمولتها 20 ألف طن». ومن الصدف أن حرم السفير لم تكن رشيقة. ما أدى إلى غضبها وانزعاجها، ثم صدور توضيح يعيد الأمور إلى نصابها، بعد أن كانت الفأس ضربت الرأس.
في مناسبة أخرى، بعث محرر الشؤون المحلية إلى المطبعة بخبر تعزية لسيدة غيبها الموت. ولأنه لم يكن وضع الخبر على الماكيط، تمنى على مصفف الصفحة أن يجد له مكانا، وكتب بخط يده في أسفل الصفحة: «إن وجد لها مكان». غير أن عامل اللينوتيب سها عن الربط بين التعزية وإشارة المحرر. فصدر خبر المواساة على الشكل التالي في نهايته: و»أسكن الفقيدة فسيح جناته إن وجد لها مكان» فزادت الحسرة على وفاتها ألما في نفوس ذويها.
الأخطاء لا تكون مطبعية فقط، إنها تشمل التصريحات السياسية، ومن ذلك أن الأمين الأسبق لجامعة الدول العربية عصمت عبد المجيد، كان حل بمطار الرباط ـ سلا في إطار جولة مغاربية، وحين وضع أمامه الميكروفون، قدم تحياته إلى الرئيس الجزائري هواري بومدين. وقال إنه سعيد بحلوله ببلده الثاني، بلد المليون شهيد، قبل أن ينبهه أحد مرافقيه إلى أنه توقف في المغرب وليس الجزائر.
وكنت مرة في طريقي إلى الدوحة للمشاركة في برنامج «الاتجاه المعاكس» الذي تبثه قناة الجزيرة. كان خط الرحلة التي تستغرق أكثر من 12 ساعة، يبدأ من الدارالبيضاء، ثم أبو ظبي، ومنها إلى المنامة ثم الدوحة. وعندما توقفت الطائرة في المنامة سارعت إلى المغادرة، فكان أن أوقفني رجال الأمن بدعوى أني لا أحمل تأشيرة. جادلتهم في الأمر قبل أن أكتشف أني توقفت في المنامة وليس الدوحة.
غير أن عاملا هنديا ساعدني في حجز مقعد في الطائرة القادمة، بعد قضاء ليلة كاملة في الانتظار. ووجدت أني جلست في مؤخرة الطائرة مع أني كنت أحمل بطاقة سفر من الدرجة الأولى. أردت الاحتجاج فنبهني موظف في طاقم الطائرة بأنهم وضعوا على بطاقتي الجديدة صفة «مرحل مطرود» وكانت تلك أضمن وسيلة لإيجاد مكان على متن الطائرة.
أكثر الأخطاء مدعاة للسخرية، تأتي أحيانا من قنوات دبلوماسية، ومن ذلك أن مكتب البريد في العيون، كبرى حواضر الأقاليم الصحراوية، توصل يوما ببرقية من رئيس دولة إفريقية، موجهة إلى رئيس «الجمهورية الوهمية» محمد عبد العزيز. فتحول خطأه إلى خطيئة، من جهة، لأنه لا يعرف أن بوليساريو تستقر على أراض جزائرية، ولا وجود لها خارج حدودها. ومن جهة ثانية، لأنه أخطأ العنوان، بما يعني أن منطلقاته كانت مغلوطة في الأساس.
لكن صحافيا أجنبيا زار مخيمات تيندوف جنوب غرب الجزائر أسقط على مضيفيه فرضية استعباطه، حين حاولوا إيهامه أنه يزور المدن الصحراوية «المحررة» في الفضاء. ساعده في ذلك أنه كان يحمل بوصلة بخلفيات تاريخية وأخرى جغرافية. وكتب عن «الجمهورية» المعلقة بين الوهم والكذب وكافة أشكال الخداع.
ومن نوادر أهل السياسة الكبار أن وزير الدفاع الأمريكي غافتر واينبرغر لدى زيارته المغرب سئل عن موقف واشنطن من ملف السيادة على مدينتي سبتة ومليلية اللتين تحتلهما إسبانيا شمال البلاد. فرد بالقول إن علاقات بلاده مع «مانيلا» يقصد الفلبيين تسير نحو الأحسن. ففهم أن المقصود بـ «مليلية» هي العاصمة «مانيلا» بعد رحيل ديكاتورها كارلوس.
غير أن الملك الراحل الحسن الثاني لم يستسغ يوما ما كان يسمعه من عضو في الديوان الملكي بشأن ترجمة تصريحاته أمام ضيف إسباني. كان المترجم هو المنصوري بن علي الذي أخطأ في نقل مضمون رسالته. فطلب إلى الجنرال أشهبار العودة إلى نقطة الصفر. وترجم كلامه كما صدر عنه. فبعض الأخطاء تبدو نشازا على السمع. بالأحرى إذا كان المعني متفقها في اللغة التي ترجمت إليها تصريحاته.
وأنهي بالرسميات التي تكون في شكل برقيات التهاني أو التعازي. فقد بعثت دولة في أوربا الشرقية برقية تعزية إلى المغرب في مناسبة وفاة الماريشال قيبو. والظاهر أن المعلومات التي توفرت لديها، كانت تشير إلى وفاة أكبر قائد في الرتب العسكرية. مع أن الماريشال قيبو كان فنانا شعبيا شهيرا بعزفه على الكمان.
ولعل القائد المغربي الوحيد الذي كان يتمتع بهذه الصفة والرتبة هو الماريشال محمد أمزيان الذي شغل منصب وزير الدفاع خلال فترة تقل عن سنة بين 1964 و1965 إذ خلف المحجوبي أحرضان في الوزارة نفسها.
ومن بعده لم يحظ أي مسؤول عسكري بهذا اللقب الذي يعتقد أنه كانت له خلفيات ارتبطت بدور الماريشال أمزيان وعمله الميداني داخل المغرب وخارجه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى