الرأي

خيارات الأكراد في سوريا

خالد فتحي
تضع عملية نبع السلام، التي أطلقتها تركيا شمال شرق الفرات، الأكراد في وضع صعب تضيق فيه الخيارات أمامهم، بعد أن غدر بهم الحليف الأمريكي. هي ثلاثة خيارات، لكن لكل خيار تكلفته السياسية والوجودية أحيانا على هذا الشعب، الذي لم يستطع أن تكون له دولته التي تتطابق فيها القومية مع الجغرافيا.
أول الخيارات أن تقرر القوات الديمقراطية لسوريا أن تواجه الجيش التركي من خلال حرب استنزاف تشنها ضده ميليشياتها، وهنا قد يلعب لصالحها إيمانها بقضيتها ومعرفتها بأرض المعركة وتمرسها بالحرب بعد أن خبرتها ضد «داعش». في هذه الحالة، سيعول الأكراد بمرور الحرب على استفاقة الضمير الدولي، خصوصا وأن الكل على خلاف الجانب التركي ينظر إليهم بوصفهم حليفا أساسيا في الحرب على الإرهاب. وانخراط بعض الدول الأوروبية في الضغط على تركيا كفرنسا وبريطانيا، قد يشجعهم على هذه المقاومة، بانتظار تمدد الحرب إلى مناطق أخرى كالإقليم العراقي الذي قد يهب أكراده بفعل الحمية القومية لنجدتهم ونصرتهم، ولكن هذا السيناريو غير مؤكد حدوثه.
ثاني الخيارات: أن تضرب هذه القوات الديمقراطية صفحا عن صراعها مع نظام بشار الأسد وتعود تائبة لأحضانه. وهذا يلقى ترحيبا ضمنيا في دمشق التي نددت بالعملية العسكرية التركية ضد أكرادها، وهي من كانت دائما تعبر عن رغبتها في استعادة سيطرتها على المناطق الكردية بالشمال سواء بالتفاوض أو بالحرب، إلا أنه يبقى خيارا مؤلما ومذلا للأكراد لأن دمشق في العمق لازالت تعتبر هذه القوات قوات خائنة للوطن وعميلة للولايات المتحدة الأمريكية، ولا يجب أن يكون لها موطئ قدم بسوريا. لذلك، يبدو هذا الحل بإعادة الأراضي التي تسيطر عليها القوات للنظام أسيرا أيضا بالنسبة لهذه القوات. فهو إن كان يعيد لَأم اللحمة السورية، إلا أن اللجوء إليه بعد الغزو التركي يجعله يبدو خيار أهون الشرين بالنسبة للأكراد ويجعلهم في مظهر المضطرين لا المختارين للوحدة الوطنية.
ثالث الخيارات: الضغط على المنتظم الدولي لأجل حل شمولي يشكل تسوية نهائية للملف السوري، تنبثق عنه دولة علمانية مدنية تحفظ حق كل الطوائف والاثنيات بسوريا. أي الانتصار للحل السوري السوري. وهنا يتطلع الأكراد إلى أن يلعب الروس دور الضامن لدمشق، لكن هذا الدور المرتقب لموسكو يشوش عليه التنسيق المحتمل الذي قد يكون حاصلا بين بوتين وأردوغان بخصوص هذه المسألة. فتركيا حصلت على الضوء الأخضر أيضا من روسيا قبل الزج بقوتها في المعترك. وهذا ما ظهر واضحا في عرقلة الروس لقرار ضد أنقرة بمجلس الأمن. بل إن رجب أردوغان استبق الموقف الروسي بالتأكيد، في مكالمة مع نظيره الروسي، أن تدخله العسكري ضد القوات الكردية بسوريا سيساهم في جلب السلام والاستقرار وسيسهل الوصول للحل السياسي.
هذا هو الهدف الذي سيرت لأجله حسب أنقرة الفيالق العسكرية إلى سوريا، وهو ما يوحي به الاسم الذي أطلق على العملية: نبع السلام، أي الحرب التي ستكون حسب أردوغان سببا في السلام بسوريا. وهو الغزو الذي يخدم في جانب النظام السوري أيضا الذي يمانع في إعطاء حكم ذاتي للأكراد.
فهل يطلق التدخل العسكري التركي عملية سياسية دولية للتسوية بسوريا ترضي كل الأطراف يكون ضحيتها الحلم الكردي في تكوين الدولة الخاصة بهم، بعد تغيير التركيبة السكانية للمنطقة من خلال توطين للاجئين هناك؟؟؟ هذا ما تطمح له تركيا وسوريا معا، أم أن الأمر قد يتطور إلى احتلال تركي يتماهى مع الأحلام العثمانية لأردوغان. سير المعارك ودرجة المقاومة التي سيبديها الأكراد واستدامة ردود الأفعال الدولية هي ما سيحدد كل ذلك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى