شوف تشوف

الافتتاحية

ذكرى ملك عظيم

في كتابة الصادر حديثا والمعنون بـ«الكهف والرقيم»، يحكي الأستاذ محمد البريني كيف أن الحسن الثاني، بعبقريته وبعد نظره وحكمته، استطاع أن يجنب المغرب مصير البلدان العربية التي وقعت فريسة للحكم العسكري الذي كان يضع الرؤساء الأبديين الذين يوافقون هوى الجنرالات في الحكم ويغيرهم متى أراد ذلك.
ويحكي كيف أن قادة تاريخيين بالاتحاد الاشتراكي من أصحاب الاختيار الثوري، كانوا مغرمين بالنموذج البعثي وكانوا يأخذون الدعم مِن بعثيي العراق وسوريا وقذائف ليبيا وبنبلة الجزائر من أجلب قلب نظام حكم الحسن الثاني، لكنهم جميعهم فشلوا، والحمد لله أنهم فشلوا، وإلا لكان المغرب غارقا الْيَوْمَ في مستنقعات الأنظمة العسكرية.
لذلك، فعندما أحيا الملك محمد السادس، مساء أول أمس، حفلا دينيا تخليدا للذكرى العشرين لوفاة المرحوم الملك الحسن الثاني، فقد كانت مناسبة لتخليد ذكرى رجل عظيم حكم المغرب لحوالي أربعة عقود، عايش فيها كواليس الاستقلال ودسائس الانقلابات وأسرار وضع أربع وثائق دستورية، واتخذ فيها قرارات استثنائية بتنظيم المسيرة الخضراء وإدماج الاسلاميين والشيوعيين والانقلابيين في النظام ووافق على التناوب التوافقي. والجميع يتذكر عندما استقبل الملك الراحل عبد الرحمن اليوسفي في القصر الملكي ليعينه وزيرا أول، قال للحاضرين، ومن بينهم الملك محمد السادس، «أقدم لكم أكبر تاجر سلاح، الرجل الذي كان يسعى لاغتيالي لأعينه وزيرا أول»، عبارة طريفة لكنها تحمل دلالات سياسية عميقة.
خصوم الملك الراحل قبل مؤيديه يعتبرونه ملكا استثنائيا بكل المقاييس، رحل يوم 29 يوليوز 1999 بعد سبعين سنة من الحياة الملكية بكل آلامها وآمالها، بإنجازاتها وانكساراتها، لكن بصمته في نظام الحكم مازالت شاهدة على مرور ملك من طينة خاصة وسيبقى حاضرا بقوة في الذاكرة الجماعية للمغاربة بمختلف أجيالهم.
وطيلة 38 سنة من حكمه، عرف الملك الحسن الثاني كيف يساير الأوضاع بسكناتها الهادئة، وبعواصفها المتمردة سياسا وعسكريا، كان، رحمه الله، لا ينحني لأية واحدة منهما، لا يمنع نفسه من الاستماع لمطالب الإسلاميين واليساريين والانفصاليين، لكنه كان حازما لا يتساهل مع كل من يسعى إلى التلاعب باستقرار وأمن البلاد، ولا يتردد في الضرب بيد من حديد على كل مناور أو مشاغب يحاول جر الوطن إلى مستنقع التقسيم والتطرف السياسي والديني.
ولأنه ملك عبقري، فإن جنازته لم تكن عادية، فلحظة تشييع جثمان الحسن الثاني كانت واحدة من أهم الأحداث العالمية التي أظهرت قيمة الملك على المستوى الدولي، عندما خرجت جنازته في موكب تاريخي ترجل فيها قادة العالم بأسره وتحت شمس يوليو القائظة. ولثلاثة كيلومترات سار كبارُ رجالات العالم، ومنهم بيل كلينتون، الرئيس الأمريكي، وجاك شيراك، الرئيس الفرنسي، وخوان كارلوس، ملك إسبانيا، وعبد الله الثاني، ملك الأردن، والأمير شارلز، ولي عهد العرش البريطاني، والرئيس الإسرائيلي عيزرا وايزمان، والراحل ياسر عرفات والرئيس المصري حسني مبارك، والرئيس التونسي زين العابدين بنعلي، ورئيس الجزائر عبد العزيز بوتفليقة.. وغيرهم من كبار قادة العالم، حطوا الرحال بالمشور السعيد لمشاركة المغاربة والأسرة المالكة مراسيم وداع ملك عبقري فعل كل شيء من أجل وطنه ومصالحه العليا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى