شوف تشوف

الرئيسية

سفير وصحافي يهودي اعتنق الديانة الإسلامية وقضىعقدين من حياته بطنجة

حسن البصري
كرمت الحكومة النمساوية محمد أسد وأطلقت اسمه على شارع بساحة الأمم المتحدة في فيينا، وشاركت، إلى جانب دول أخرى، في إنتاج فيلم وثائقي يحمل عنوان «الطريق إلى مكة»، يستلهم السيرة الذاتية للمفكر المسلم الراحل. وحذت العاصمة الألمانية برلين حذو نظيرتها النمساوية بتكريم أسد بإقامة رمز تذكاري باسمه بوسطها، بجوار المنزل الذي عاش فيه في عشرينيات القرن الماضي.
بدأت أولى خيوط حياة هذا المفكر الديبلوماسي حين خرج إلى الوجود في 2 يوليوز 1900 بمدينة ليبميرغ النمساوية، في أسرة يهودية شديدة التدين. كان والده مدرسا وجده حاخاما، ما جعله يغوص في عمق اللغة العبرية ويتبحر في دراسة التوراة والتلمود. بدأ دراسته العميقة في جامعة فيينا، لكنه ما لبث أن انقطع ورحل أوائل العشرينيات إلى برلين حيث التحق بالأوساط الثقافية، وعمل بفرع لوكالة «يونايتد برس أوف أميركا»، وأصبح عام 1921 محررا ثقافيا بصحيفة «فرانكفورتر».
كان مسار هذا المفكر مليئا بالمواقف الغريبة إلى حد اتهامه بالجاسوسية، خاصة وأن الدارسين لسيرته توقفوا عند العديد من المحطات، لاسيما وأن هذا الشاب اليهودي لم تمنعه نشأته في بيئة غربية خالصة من اعتناق الإسلام كمنهج حياة، أمام استغراب رجال الدين اليهود وحتى المسلمين.
نقطة التحول في مسار هذا الرجل سجلت حين هزت وجدانه مقاطع من القرآن ووضعته أمام نفسه التي يهرب منها، وظلت تلاحقه من بعد، حتى أثبت القدر أنها تخاطب الأعماق، حينها نطق ليوبولد بالشهادتين وغير اسمه إلى محمد أسد.
من هنا بدأت أولى خطواته في درب الإسلام، حيث اطلع بداعي الفضول على سيرة النبي محمد عليه الصلاة والسلام، فقرر اعتناق الدين الإسلامي وتعلق بالأماكن المقدسة، فزار مكان نزول الوحي وتعرف عن حياة النبي في رحلة استثنائية لرجل أوربي نحو الإسلام.
بعد إسلامه عام 1926، سافر محمد أسد لأداء فريضة الحج، واستقر في المدينة المنورة وتعرف على مؤسس السعودية وأول ملوكها عبد العزيز آل سعود وعمل مستشارا له، كما سافر إلى الهند وساهم مع العلامة محمد إقبال في تأسيس دولة باكستان الإسلامية، التي كرمته بمنحه جنسيتها، وتم تعيينه بمناصب مختلفة، كان آخرها وزيرها المفوض بهيئة الأمم المتحدة.
في عام 1952 استقال من وظيفته وغادر نيويورك إلى سويسرا، حيث بقي عشر سنوات تفرغ فيها للكتابة والتأليف، ثم رحل إلى مدينة طنجة وقضى فيها عشرين عاما.
عاش محمد أسد في حي بني يدر بطنجة إلى جانب أكبر المفكرين والكتاب والصحافيين، ومنها عمل مراسلا صحفيا وانكب على كتابة مذكراته، ثم استقر بين طنجة وإسبانيا، وتوفي ودفن في غرناطة.
ويعتبر محمد أسد أحد أكثر مسلمي أوربا في القرن العشرين تأثيرا، وفي مدينة طنجة، تعرف على حياة المغاربة عن قرب، واستغرب للتعايش الحاصل في المدينة القديمة بين المسلمين والمسيحيين واليهود. وفي مدينة تحت الوصاية الدولية، عاش الرجل حياة المفكر وانبرى للدفاع عن الإسلام والرد على الشبهات المثارة حوله، وحاول «تجسير» الهوة بين الحضارتين الإسلامية والغربية، وانكب على كتابة مؤلفاته التي وصفها المفكر الألماني المسلم مراد هوفمان بأنها وصاحبها «هدية الغرب إلى الإسلام».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى