شوف تشوف

الرئيسيةربورتاج

سوق «السنغال».. إفريقيا مصغرة في سوق نموذجي

يوسف أبو العدل
تعتبر مدينة الدار البيضاء القلب النابض للمغرب في العديد من المجالات، فهي «تيرمومتر» المملكة على الصعيد الوطني عموما وكذلك الدولي، بحكم قوتها الاقتصادية و قاعدتها السكانية المتنوعة بمختلف ثقافاتها الممتدة من طنجة إلى لكويرة. ويبلغ عدد سكان المدينة البيضاء ما يفوق أربعة ملايين مواطن، يعيش بينهم أقوام من مختلف الجنسيات خاصة الإفريقية جنوب الصحراء، التي وجدت في العاصمة الاقتصادية فضاء للاستثمار والإقامة بحكم التعايش الذي شعروا به بين أحضان سكانها والذي تفرضه سلطات هذا البلد سيرا على القيم الدينية وكذلك قيم الأمم المتحدة التي ينخرط المغرب فيها بالعناية بالمهاجرين واللاجئين.

هذا الفضاء عبارة عن سوق نموذجي بالمدينة القديمة الشهير عند البيضاويين بسوق «السنغال»، يوجد بالقلب النابض للعاصمة الاقتصادية بالنظر للنقطة الجغرافية التي يتموقع فيها، ويعتبر واجهة تجارية لهيمنة إفريقية على فضاء يصل إلى 220 محلا يهيمن عليها قانونيا 180 إفريقيا من جنوب الصحراء بعقد كراء، ينتمون لسبع دول من القارة السمراء، يتاجرون في العديد من المجالات التي تؤكد صوتا وصورة أنك وسط الأدغال الإفريقية بطقوسها المعيشية والدينية أيضا.

«الأخبار» زارت السوق والتقت مواطنين أفارقة، منهم مغاربة وآخرون من جنوب الصحراء يتحدثون عن التجارة والصداقة والتعايش بين الجميع في جو يحترم فيه الشخص كإنسان قبل العرق واللون.

سوق «السنغال».. روائح مميزة
ما إن تطأ قدماك وسط مدينة الدار البيضاء، حتى تشعر بكثرة زوارها سواء المغاربة منهم أو المهاجرون الذين حلوا بالعاصمة الاقتصادية لأغراض إدارية أو سياحية أو للمكوث فيها بحثا عن لقمة عيش في منطقة تعتبر حرة ماليا ودينيا، لكن مع السير لأمتار إضافية، ينتابك شعور بتزايد العدد للمواطنين من أفارقة جنوب الصحراء المتناثرين في طرقات وشوارع وأزقة المنطقة، ويتكاثرون كلما عرجت على شارع الجيش الملكي القلب النابض لوسط المدينة ومحيطه الذي يشمل «البازارات» و«باب مراكش» والعديد من البنايات السياحية والتجارية والإدارية أيضا التي تستقطب غالبية القاطنين بالمدينة.

وأنت تخترق شارعي الجيش الملكي والحسن الثاني حتى يستأثرك تزايد ذوي البشرة السوداء، ثم يستوقفك منظر تكاثر «الأفارقة» في تجمعات وسط مناطق وأسواق عدة، تعج بمواطنين مغاربة أيضا، حيث انسجم الجميع بهذا التنوع العرقي الجديد، إذ لا يوجد عائق في هذا الاختلاط كل هذا تحت عنوان: «لا فرق بين مغربي أو أعجمي إلا بالتقوى».

وسط هؤلاء الضيوف والطريق تجد نفسك تنتقل من المغرب وعاصمته الاقتصادية إلى وسط أدغال القارة الإفريقية، خاصة عندما تقف أمام «سوق السنغال» أو ما يعرف قانونيا بالسوق النموذجي للمدينة القديمة، الذي يضم بين طياته المئات من المهاجرين الأفارقة الذين أثثوا محلات تجارية يروجون فيها سلعهم وحرفهم بكل الطقوس الإفريقية المعروفة حسب ثقافة كل دولة، والمنتمين إلى سبعة أجناس إفريقية وهي السنغال والكوت ديفوار وغينيا وغانا والكاميرون ومالي ونيجيريا والذي يصل عددهم إلى 180 شخصا يشتغلون داخل هذا الفضاء التجاري.

حيوانات محنطة، ووجبات يلتهمها الأفارقة فقط، ومحلات حلاقة لنساء ورجال إفريقيا، ناهيك عن محلات تبيع المراهم والأعشاب المجلوبة من أراضي القارة السمراء، والتي تعتبر روتينا يوميا في الثقافة الإفريقية.

يقول محمد سيك، سنغالي الجنسية وهو صاحب محل داخل السوق لبيع مستحضرات التجميل لا تتجاوز مساحته 20 مترا مربعا، إن الفضاء يعتبر إفريقيا مصغرة وسط الدار البيضاء، إذ تجد نفسك محاطا بعدد مهم من الجنسيات والديانات كل واحد يحترم فيها الآخر، منوها بالمغرب الذي احتضن هذا المزيج من مواطني هذه القارة.

وأضاف محمد في معرض حديثه وهو يتحدث لـ «الأخبار» ويفاوض زبونة حول ثمن إحدى العلب الصحية من السنغال، أنه حل بالمغرب قبل أربع سنوات قادما عند أخته التي كانت تعمل في قطاع التجارة بالدار البيضاء، قبل أن تضمن له مقعدا في العاصمة الاقتصادية من أجل مساعدته وهو ما تحقق له بالعمل والصبر و«المعقول» أيضا، قبل أن تغادر أخته إلى بلد آخر رافضا تحديد وجهتها، لكنه أكد أنه يعيش في أحسن الأحوال والظروف بالمغرب وبالسوق الذي يحقق فيه قوت يومه.

سوق الفقراء الذي يزوره مشاهير إفريقيا
شهرة سوق «السنغال» فاقت ما هو وطني، إذ بات علامة إفريقية مسجلة في المغرب وعاصمته الاقتصادية، وأصبح مقصدا لكل المواطنين المنتمين لإفريقيا جنوب الصحراء بمختلف مناصبهم الذين تضعهم الأقدار وسط الدار البيضاء لظروف العمل أو السياحة أو الاستقرار، فيكون السوق واحدا من المآثر الإفريقية التي يلزم زيارتها لاستنشاق روائح وذكريات الأدغال وبلدانهم الأم.

يكشف عبد السلام لغماري، وهو أمين جمعية القاطرة التنموية لتجار السوق النموذجي بالمدينة القديمة، والذي يتوفر على محل للألبسة التقليدية داخل السوق، أن العديد من المشاهير الأفارقة حلوا هنا، إذ كان يتفاجأ بإشعاره أن أحد السياسيين التابعين للبعثات الدبلوماسية التي تحل بالمغرب أو موظفي الوزارات والقنصليات الإفريقية الموجودة مقراتها بالمغرب قد زاروا السوق وأمضوا أوقاتا في أحد المحلات للحصول على وجبة غذاء خفيفة، قبل أن يتم رصده من طرف مواطني ذلك البلد الذين يشتغلون بالسوق، وهي حالة لمجموعة من الحكايات التي حضر فيها مشاهير لسوق «السنغال».

وأضاف لغماري في حديثه عن الموضوع، أن أفارقة الرجاء والوداد الرياضيين وكذلك آخرين منتمين لأندية وطنية يرتادون السوق كلما سنحت لهم الفرصة بذلك، إذ لا يخلو أسبوع دون ظهور نجم كروي يصنع الحدث بمروره وزيارته للسوق من أجل اقتناء حاجة ما أو أكل وجبة إفريقية تعود به لبلده الأًصلي.

محلات سمراء بعقد كراء مغربي
يتوفر السوق على 220 محلا تجاريا لا تتجاوز مساحة الواحد أربعة أمتار أو خمسة على أبعد تقدير طولا وعرضا، وهي كلها محلات بعقد تجاري مغربي الملكية، حصل عليه المستفيدون من هدم سوق المدينة القديم، قبل أن تعرض محلاته للكراء لأفارقة جنوب الصحراء، لـ 180 إفريقيا ينشطون في بيع المراهم والأعشاب وكل المستحضرات المتعلقة بالطقوس الإفٍريقية، بالإضافة إلى دكاكين حلاقة وألبسة وأكل تنبعث من دخانها رائحة دكار وباماكو وياووندي وأكرا وليبروفيل والعديد من العواصم والمدن الإفريقية.

يعود أمين تجار السوق النموذجي بالمدينة القديمة ليتحدث لـ «الأخبار» قائلا عن الموضوع: «المحلات 220 هي بملكية مغربية، أما الأفارقة الذين يؤثثون فضاء السوق هم مكترون يؤدون واجبهم الشهري، ولا يوجد أي مواطن من خارج المغرب يملك محلا خاصا به».

وأضاف عبد السلام لغماري في سرده لكرونولوجيا بناء هذا السوق كون مالكي هذا الفضاء التجاري، هم من المستفيدين من هدم السوق السابق للمدينة القديمة، وارتأوا بعد مجالسة السلطات المختصة جعل هذا السوق بطابع إفريقي بعد الموجة التي شهدتها مدينة الدار البيضاء بقدوم العديد من المواطنين جنوب الصحراء للعاصمة الاقتصادية، إذ تم تفعيل الفكرة تدريجيا قبل أن تصبح فضاء إفريقيا ودليلا على التعايش الإفريقي في المغرب في السنوات الأخيرة، خاصة أن المستفيدين الأفارقة أظهروا حسن نية ومعاملة وأحسنوا استغلال الأيادي المغربية التي مدت إليهم للتعايش في أهم مدن المملكة.

أزمة «كورونا».. للتضامن عنوان
خلال أزمة «كورونا» خاصة خلال الثلاث أشهر الأولى، التي شهد فيها قطاع التجارة تضررا كبيرا، أظهر ملاك السوق ثقافة المغاربة الحقيقية بمد يد المساعدة للأفارقة، وذلك عبر التنازل عن ثمن كراء محلاتهم خلال بداية الجائحة، وهو الأمر الذي استحسنه جميع المكترين بمختلف جنسياتهم ودياناتهم، خاصة أنه استحال عليهم أداء ما عليهم بعد توقف القطاع، ما جعل بادرة أصحاب المحلات تلقي بظلالها وتؤثر بشكل إيجابي على نفسية المكترين، وتؤكد لهم بالملموس ما فتئوا يسمعونه كون المغرب أرض الكرم والضيافة والمساعدة أيضا.

و قد اجتمع ملاك المحلات في سوق «السنغال» عند بداية الجائحة وقرروا بعد مفاوضات التنازل عن ثمن الكراء خلال الأشهر الثلاث الأولى لما عاينوه من تضرر بسبب الجائحة وكذلك لـ «المعقول» الذي امتاز به غالبية المكترين الأفارقة خلال الفترة السابقة منذ إنشاء هذا الفضاء التجاري.

وقال السنغالي محمد سيك، عن البادرة إنه شعر بمساعدة المغاربة منذ أيامه الأولى في السوق، إذ وجد أمامه المساعدات دوما، وليس في الأمور التجارية المتعلقة بالسوق لوحدها لكن التزامات أخرى تختلف حسب حاجياته اليومية تتعلق بالمنزل والسفر وأمور إدارية أيضا، إذ كان للمسؤول عن السوق ومواطنين مغاربة آخرين الفضل في ما وصل إليه لحدود الآن.

«الديربي» و»الكلاسيكو» بالطقوس الإفريقية
في المباريات الإفريقية المنتمية لعصبة الأبطال أو كأس الكونفدرالية، أو الدوري الوطني خاصة مواجهتي الرجاء والوداد الرياضيين، بالإضافة إلى مواجهات برشلونة وريال مدريد في «لاليغا» الإسبانية، يتحول السوق إلى مقهى لتشجيع ناد على حساب الآخر، حسب الخصوم والدول التي ينتمون إليها.

«خلال الديربي المغربي أو الكلاسيكو الإسباني ينقسم السوق إلى صنفين بين مساندين للرجاء أو الوداد، وكذلك للريال أو البارصا وفق تشجيعات تشعرك أنك في مدرجات الملاعب الإفريقية، فالطقوس الكروية السمراء كلها تحضر، وفي حالة كانت المباراة تضم نجما إفريقيا كمباريات ليفربول الذي يضم بين صفوفه المهاجم ساديو ماني، فإن الأمر يزداد «نغزة» عند السنغاليين، الذين يعتبرونه خير سفير لهم في العالم ويتفاخرون به بين بقية الأجناس» هذا ما قاله مغربي آخر يتوفر على محل لبيع الموضة الجديدة من الألبسة، الذي رفض الدخول في التجارة الإفريقية لعدم معرفته لقوانينها وقواعدها رغم أن الفضاء غالبيته من جنوب الصحراء.

وأضاف المتحدث نفسه أن خلال مباريات كأس أمم إفريقيا تتغير الحركة في السوق بشكل كلي، فالشعارات وأقمصىة البلدان المشاركة تنتشر بالسوق وكل مكتري وزبون يشجع ويدافع عن مصالح بلده، ولو بالتشجيع عن بعد في احترام تام لخصوصية الآخرين وحقهم في الفرحة أو الانتكاسة في حالة الهزيمة أو الإقصاء.

فضاء لمهاجرين قانونيين وآخرين دون إقامة
وجدت «الأخبار» صعوبة في تحديد قانونية إقامة الكم الهائل من المواطنين الأفارقة داخل السوق وضواحيه بين ما هو قانوني أو بأوراق منتهية الصلاحية، قبل أن تكتشف أن نوعا آخر دخل الأراضي المغربية بشكل غير مرخص عبر حافلات قادمة من الأدغال الإفريقية كل حسب بلده وموطنه، بل منهم من قطع آلاف الكيلومترات مشيا على الأقدام بحثا عن أوروبا، فوجدها حسب تعبيره بالمغرب وبالتحديد بالدار البيضاء.

المسؤول عن السوق أكد أن ملاك المحلات جميعهم بأوراق إقامة، لكن هناك أشخاص آخرون يفوقونهم عددا يشتغلون معهم، وآخرون مرابطون بضواحي السوق للتجارة انتهت إقامتهم قبل أن يختم حديثه مع «الأخبار» بالقول إن بعضا منهم لا يتوفر عليها أساسا، وهو ما يجعل المنطقة محاطة دائما بمتابعة أمنية لمعرفة جديد الفضاء خاصة أن التنوع الثقافي والجنسيات في فضاء تجاري محدود المساحة، يلزمه متابعة من طرف السلطات لتأمين السير العام والحفاظ على سلامة الجميع أمام القانون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى